العدد 1412 - الثلثاء 18 يوليو 2006م الموافق 21 جمادى الآخرة 1427هـ

إساءة فنية... وإيحاءات مبتذلة

«حاحا وتفاحة»

منصورة عبد الأمير mansoora.amir [at] alwasatnews.com

أسوأ ما يمكن أن يفعله أي فنان بنفسه هو أن يضيف لسجله الفني أعمالاً تصبح بمثابة نقاطاً سوداء في تاريخه ذاك؟ طبعاً لا يمكن له، بأي حال من الأحوال، وبعد أن يرتكب تلك الأخطاء أو الزلات أو النزوات الفنية التي مارسها عبر فيلم سينمائي هنا أو عمل درامي أو مسرحي هناك، أن يعود الى الوراء ليمحوها من سجله الفني.

لنأخذ ياسمين عبدالعزيز مثالاً، وهي التي يمكن مشاهدتها في آخر أعمالها «حاحا وتفاحة» حاليا في جميع دور السينما في البحرين. هذه الفنانة الجميلة، بفضل موهبتها الفطرية واجتهادها الشخصي واصرارها على النجاح، جاءت نقلتها طبيعية قبل سنوات كثيرة. قفزت من عالم الاعلانات، حيث تألقت، للدراما التلفزيونية، إذ برز نجمها فيها بوقوفها أمام سيدة الشاشة العربية في «وجه القمر» في أول ظهور لها. من هناك لم تجد ياسمين أية صعوبة في الانتقال للشاشة الفضية، مرة أخرى لتثير اعجاب النقاد والجمهور على حد سواء، كيف لا وهي تمتلك مثل تلك الموهبة التمثيلية الفذة التي ميزتها بين بنات جيلها. منذ بداياتها السينمائية تنبأ كثيرون سطوع نجمها وباحرازها مكانة بارزة وبتمكنها من اضافة اسمها لقائمة اكبر نجوم مصر والعالم العربي. لم تصدق تلك التنبؤات ولم تستطع ياسمين ذلك وتفوقت عليها عديدات لعل أشهرهن منة شلبي التي ظهرت بعدها بسنوات لكنها الآن تسبقها نجومية وتألقا وتمكنا. ياسمين التي تألقت منذو أول ظهور سينمائي لها مع «رشة جريئة». وهو فيلم على رغم كل ما يقال عنه، إلا أنه أعلن ولادة ياسمين السينمائية، وقدم وجها مميزاً للسينما المصرية. إلا أنها وبكل أسف لم تحسن منذو البداية اختياراتها السينمائية ووجدناها تعود بين الفينة والأخرى بأعمال لم تفعل سوى ان تلطخ سيرتها الفنية ببعض النقاط السوداء أو حتى الرمادية. قائمة تلك الأعمال السيئة تتزايد يوما بعد يوم، فالممثلة الشابة تبدو وكأنها في حاجة لمن يأخذ بيدها ويعمل على تحسين ذوقها واختياراتها، ويرسم لها أهداف ومرام بعيدة وقريبة المدى.

لسنا هنا بصدد مناقشة إخفاقاتها تلك أو لنطلق عليها تعثراتها الفنية، لكن عملها الأخير جاء ليلخص كل تلك الإخفاقات ولتجمع فيه ياسمين كل أخطائها وزلاتها ولتثبت عبره جنايتها الكبرى بحق نفسها كفنانة مميزة.

«حاحا وتفاحة» هو اسم عملها، هي تفاحة، شقيقة حاحا الذي يقوم بدوره طلعت زكريا، وهما مختلفان منذ البداية على شقة تركها لهما والدهما. لا تريد هي ان تترك الشقة كي لا يتفرد بها حاحا، وهو يريد الخلاص منها وتزويجها لأي طارق مقتدر. هو نوبتشي أفراح شعبية، يرافق الراقصة، وهي هنا مروى اللبنانية، ويطرب الأفراح بأغانية الشعبية التافهة التي لا تحمل قيمة ولا معنى ولا لحنا ولا أثارة ولا يمكن أن توصف إلا بكونها أحد أوجه تردي الذوق العربي.

أما تفاحة فهي ممرضة تعمل في عيادة طبيب يراودها عن نفسها، لكنها بنت بلد ... صبيانية في تصرفاتها ، خشنة، تستعرض عضلاتها بمناسبة أو بدون، وتثبت سوقيتها وكونها «بيئة» كما هو المصطلح المصري الدارج، في محاولاتها الدائمة للمحافظة على نفسها أو انتزاع حقها من أخيها، أو «تطفيش» العرسان الذين يحضرهم شقيقها.

تقع في حب بائع اسطوانات الغاز، هو فوزي، ويقوم بدوره هنا ريكو في ثاني تجربة سينمائية له بعد «صايع بحر». يرفض حاحا زواج اخته من هذا الشاب الفقير، ويفضل عليه رجلا مقتدرا له أربع من الزوجات، طلق احداهن ليترك شاغرا لتفاحة. طبعاً لا يتمكن حاحا من تزويج تفاحة وتحدث بينهما الكثير من المشاحنات، التي تنتهي عادة بالتشابك بالأيدي، وشد الرؤوس وما إلى ذلك. تفاصيل الفيلم كثيرة وبه حشو مبالغ من التفاصيل التي لا معنى لها ولا علاقة لها بالسياق الدرامي، وعلى ما يبدو فإن كاتبه بلال فضل لم يكن يعرف ما يضمن فيلمه ذاك وما لا يضمنه. هل يجعله فيلما تافها لا قيمة له سوى اضحاك المشاهد بقفشات... مبتذلة، أم أن يضمنه الكثير من الانتقادات الفنية لأعمال مختلف المطربين والمطربات، أو أن يستخدمه كاساءة واضحة لتراث بلاده الفني، كما فعل مع أغنية جبار لعبد الحليم حافظ .

احتار فضل ولم يعرف ما يفعل فقرر ان يجعل من عمله «سلطة» غير متجانسة، لا طعم لها ولا لون ولا رائحة ولا «مزية» فيها، فجاء نصه هشا، وأصبح عمله تافها لا يخدم هدفا ولا يحمل أية رسالة.

أساء لممثليه وعلى رأسهم ياسمين، وطلعت زكريا الذي صعق الجميع حين أعلن رؤيته السينمائية «الفذة» في احد البرامج الحوارية، فدافع عن تفاهة فيلمه هذا، مبررا ذلك بأن السينما لا تخدم أي هدف سوى أن تحقق أرباحا تجارية وتسلي الجمهور.

ولعل زكريا أغفل أنه هو وياسمين وكاتب نص الفيلم وجميع العاملين فيه، أساءوا للذوق العربي وقدموا وجبة عسرة الهضم ثقيلة الظل، غبية التطلعات وبعد كل شيء طعموها بابتذال مروى عبر تموجات جسدها «الفجة» وكلمات اغانيها ذات الايحاءات الجنسية الرخيصة.

عمل تافه لا يستحق المشاهدة وخسارة فيه ثمن التذكرة، بل وحتى قيمة البترول وجهد السير إلى قاعة العرض

إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"

العدد 1412 - الثلثاء 18 يوليو 2006م الموافق 21 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً