العدد 3582 - الأربعاء 27 يونيو 2012م الموافق 07 شعبان 1433هـ

هل من حلّ للجهاد الاستشهادي الخاطئ؟

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

نقرأ ونسمع ونشاهد يومياً أخبار واحد أو أكثر من الشباب المسلمين، ذكوراً وأحياناً إناثاً، من الذين لبسوا الأحزمة وفجَّروا أنفسهم في سوق مكتظ بالمارة المتسوٍّقين، أو في فندق مليء بالنزلاء الآمنين، أو في باحة مدرسة يتعلًّم فيها أطفال صغار أبرياء، أو قرب مستشفى يرقد فيه المرضى والعجزة ويعمل فيه من نذروا أنفسهم لخدمة الإنسانية. يتمُ كل ذلك تحت رايات تعابير مقدَّسة من مثل الجهاد والاستشهاد ويقحم اسم الله الحق الرحيم العادل الرؤوف الغفور في ساحات ومشاهد الدِّماء والأجسام المتقطعة والأشلاء المتناثرة المحروقة، في خلفية بكائية لجريح مشوًه أو أم ثكلى أو طفل ضائع تائه.

ولأنًه يحدث يومياً في أرض العرب وأرض الإسلام أو خارجهما تعوًّدت النفوس العربية والإسلامية عليه وشيئاً فشيئاً أصبحت القسوة مقبولة والفواجع قدراً لا رادًّ له. أصبح الأمر وباءً مقبولاً يميت الناس، لتتبعه الجنائز ودموع المقابر ومجالس العزاء، ثم تنفضَّ الجموع لتبدأ في الغد مسرحية تراجيدية جديدة يشاهدها جمهور جديد.

هذا وضع لا يرضاه الله، ولا تقبله رسالات السَّماء أو قواميس الإنسانية وحقوق البشر.إنه وضع لا يباركه ولا يقهقه له إلاً الشيطان. هذا وضع يجعل من ثقافتنا العربية الإسلامية ثقافة منبوذة ومن إنساننا مجرماً مافيوياً حيوانياً قاسياً، ومن بلداننا جحيماً لا يطاق. هذا وضع يجعل أسواق الكتب في العالم كلٍّه تستقبل يومياً كتباً لا عدً لها عن مسائل الجهاديين الانتحاريين فتتشوه صورتنا بشكل مفجع سنحتاج لأجيال بعد أجيال لتعديلها وإزالتها.

من الواضح أننا أمام جهاد مفترى عليه كما وصفه فهمي هويدي، وعلى استشهاد شوه بجهل وانتهازية، وكلا الأمرين يعملان تجريحاً وإيذاءً لدين القسط والحق والميزان والرحمة الذي باسمه يرتكب المرتكبون.

لقد نسي هؤلاء أن في القرآن الكريم نحو 100 آية تتحدث عن حرية التدين، وأن الله الحق قد وصف من يقتل إنساناً واحداً بغير حق فكأنّما قتل الناس جميعاً، وأن الجهاد له شروطه الصارمة التي لا تقبل الظُّلم ولا التعدٍّي ولا الخديعة ولا الغدر، وأن الاستشهاد لا يكون إلاُ في سبيل الله وضمن الطريق الذي رسمته رسالته.

ليس المجال هنا للدخول في تفاصيل هذين الموضوعين من الوجهة الدينية الأصولية ولا الفقهية، إذ كتب فيهما الكثير ومراجعهما لا تعدّ ولا تحصى. لكننا هنا نطرح السؤال الذي يحيٍّر الكثيرين:

هل أن القوى المجتمعيًّة العاقلة المؤثٍّرة المؤمنة بالعدل والتسامح في العالمين العربي والإسلامي تقوم بواجبها الكامل غير المتردٍّد، وتقول خطابها دون غمغمة ودون غموض، وتعلن بصوت مسموع فهمها الذي يرضي الله أولاً لما يعنيه تعبيرا الجهاد والاستشهاد، وتصنٍّف الذين يرتكبون الحماقات تجاه الأبرياء العزًّل تصنيف القرآن والسًّنة وأقوال الأطهار من علماء وقادة المسلمين، وتجيِّش ليل نهار كل المنابر الإعلامية والمساجد لإيصال صوت واحد متًّفق عليه من جميع عقلاء علماء الإسلام من كل مذهب بشأن مايخدش الإسلام الذي عرفناه ونعرفه ولكن لا نتعرًف عليه في ساحات الدٍّماء والأشلاء والدموع؟

إنها أسئلة كثيرة ولكنها في الواقع تندرج في سؤال واحد: ألا يمكن محاربة أعداء وظلمة ومستبيحي شعوب العرب والمسلمين دون ارتكاب مذابح الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى تواجدهم البريء في هذا المكان أو ذاك؟

هل يعقل أن منظمات العمل الإسلامية، من مؤسسات حكومية وإقليمية ومن أحزاب وجمعيات ومن منابر إعلامية ومن ألوف المساجد ومن مدارس وجامعات ومن كتَّاب ومفكّرين، إن هؤلاء جميعاً لايستطيعون بناء تيَّار فكري ديني فاعل مقنع يواجه التيًّار الذي يجنًّد شباب الإسلام الأبرياء ويدفع نحو عمليات توصف بالجهادية الاستشهادية؟

مايوجب طرح هذه الأسئلة وصول الكثير من الأحزاب والجماعات الإسلامية إلى سدَّة الحكم وبالتالي تحُّمل المسئولية عًّما تواجهه الأمة. لقد كانت الأنظمة التي سبقتهم تحارب باسم القضاء على الإرهاب بشتًّى صنوف إرهاب الدولة واستبداد سلطاتها الأمنية والتلفيق الإعلامي الكاذب والإندماج في أجندات لدول أجنبية تمارس هي نفسها الموبقات والجرائم والإرهاب. فهل لنا أن نطمع في قيام جهد خالص لوجه الله متناسق ومتعاون تقوم به الأنظمة الجديدة في بلدان من مثل مصر وتونس وغيرهما لحل مسألة ماعادت تمظهراتها اليومية تطاق.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3582 - الأربعاء 27 يونيو 2012م الموافق 07 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 3:16 م

      الحـــل ... في لجج التاريـــــخ

      ماذا يتوقع من أهل الغباء التاريخي ؟! "بل أكثرهم لا يعقلون " سوى اللعب على وتر المفاهيم القشرية بتحريف الإسلام وتزييف الواقع في الأذهان ، لابل و تأخذهم عزائم حمي الوطيس في كل الأصقاع ؛ لتهتز الأوضاع الإسلامية والسياسية وتظل مأسورة خلف قضبان الفتن الضارية والحروب الإرهابية الدامية . وتحياتي لكم ... نهوض

    • زائر 15 | 2:17 م

      لماذا الجهاد كما يزعمون في غير ديارهم ؟؟؟

      يبعثون خارج دار المنشأ كأن ما الجهاد الا في قتل من سمح لهم قتله وبدراسة خارطة التفجيرات مكانا وزمانا ومستهدفا تعرف مصدر وفكر الانتحاريين

      انهم أدوات مشحونة ومدفوع ثمنها وتشترى

      دعوة الى مراكز العلم الحقيقي الى التحرك لانقاذ سمعة الاسلام ممن يدعي الانتساب له

    • زائر 14 | 9:41 ص

      لولا الفكر الظلامي لانتشر الإسلام في مساحات واسعة ، في ظل تطور وسائل التكنولوجيا الحديثة

      الفكر الظلامي المتحجر هو سبب كل مآسي العالم العربي والإسلامي اليوم مدعوما بترسانة مالية ضخمة.
      الفكر الذي يكفر من عداه ، وكأنه الوحيد الذي انفتح على الحقيقة الدينية.
      الحل يكمن في محاصرة هذا الفكر بالوقوف صفا واحدا من كل المرجعيات الدينية لكل الطوائف الإسلامية والمسيحية ، وفك الارتباط بين رجال هذا الفكر الظلامي والترسانة المالية

    • زائر 13 | 7:26 ص

      التكفيريون فقط هم من يقوم بتضليل الشباب

      لا يوجد أي تيار فكري يقر هذا إلا التكفيريون.
      إنه نهج تسوق خرفان لقتل الأبرياء.

    • زائر 12 | 6:26 ص

      نعم هناك حل

      نعم هناك حل لمنع وايقاف ما يسمى بالجهاد الانتحاري الذي تنفذه مجموعات تعتبر ارواحها ارخص من الذبابة , وهي فعلا كذلك . يمكن منع ذلك باجتثات الدين .....المتشدد الذي يشجع ويدعو الى قتل الانسان المخالف لعقيدة ...., فاذا ما تم القضاء على هذا الدين واجتثاثه من على الكرة الارضية مع ... يكون بالامكان القضاء على هذه الاعمال الارهابية

    • زائر 10 | 5:21 ص

      الآن انا أقرأ 27 قتيل في تفجير ارهابي بالعراق اليست اسرائيل اولى

      بخبث اليهود وذكائهم وبسبب غباء البعض استطاع اليهود ان يجعلوا من هؤلاء خداما لهم ولو أن ما يحدث من تفجيرات في العراق حصل ربعها او نصفها في فلسطين لتحرّرت ولكن البعض يخدم الفكر الصهيوني وهو مغفل او متغافل

    • زائر 8 | 4:36 ص

      عاطل عن العلم وبلا علم يبطل العمل .. فما العمل؟

      العلم والعمل تؤمان، متى ما غاب العلم عن العمل يكون العمل بلا علم!
      فليس بخفي أن الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى.. وإن سيعيكم سوف يرى..
      فالجهاد عمل المجتهد أساسه الجد والجود والصدق. فأجهد جسمه وأجهد نفسه وأجهد عقله وبذل جهدا يظهر ما جادته نفسه في العمل.
      فهل غياب العلم غيب العمل فأزهق الأرواح بتفجير الأجساد ؟

    • زائر 7 | 3:42 ص

      وقف المهزله

      والله ياذكتور فخروز الكل يعلم علم اليقين ان كل مصائب
      العالم الاسلامي وقتل الابرياء دينه واحد والمنبع واحد وهي المدرسه التكفيريه وكل الفتاوى تصدر من عندهم. ومانقول الاء الله يكون في عون العرب والمسلمين.(هل سمعت ويوم من الايام ذهب استشهادي او انتحاري الى ارض فلسطين؟)

    • زائر 6 | 3:41 ص

      النور لا يقضي على الظلام بل يبدده

      ليس بسر أن ظهور الجهل لعدم حضور العقل المدرسة يعني غياب. فمتى ما غاب العقل استتر العلم وظهر الجهل... فهل الجهاد في سبيل الله بالعلم وعلى بينه من أن " الجهاد جهاد النفس : "وجاهدوا بأنفسكم وبأموالكم" فما علاقة تفجير الأجساد بالجهاد..
      ومن أجاز هذا الإنجاز ؟ ومن شرع لهذا المشروع؟

    • زائر 5 | 3:06 ص

      الجهاد المفترى عليه

      الا تتفق معي يا دكتور أنّ الاشكالية العامة قد لخصها عنوان مقالك الذي اسميته الجهاد الاستشهادي ، ورغم ما قلت عنه انه خاطي ، الا ان الازدواجية موجودة في هذا العنوان فكيف تصف هذه العمليات بالاستشهاد وانت يا دكتور تدرك تماماً مفهوم الاستشهاد في الاسلام وانه لا يمكننا ان نصف شخص يقاتل حتى اعدائه بالشهيد الا ان يكون قتاله في سبيل اعلاء راية الاسلام او الدفاع عن العرض والنفس والمال ، ان مقالك رائع وعقلاني ، ولكن يجب عليك من وجهة نظرنا انّ تضع النقاط على الحروف كما يقال في بعض القضايا المفصلية .

    • زائر 4 | 3:02 ص

      تعددت الأسباب والموت واحد

      الدنيا مصالح وكل يعمل على شاكلته والغاية تبرر الوسيلة الأحزاب تقتل باسم الجهاد والحكومات تقتل وتدمر باسم درء الفتنة والمحافظة على الأمن وواقع الحال ليس ببعيد (صدام من قبل في العراق وشاهد الحال في بلدك العزيز).

اقرأ ايضاً