العدد 3582 - الأربعاء 27 يونيو 2012م الموافق 07 شعبان 1433هـ

ماذا لو وقعَت حربٌ تركية سورية؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الساعة الحادية عشرة وأربعين دقيقة صباحاً من يوم الجمعة، حَدَثَ أمر ما على الحدود السورية التركية. الحادث كما روته دمشق، هو أن أجهزة الرادار السورية رصَدَت جسماً طائراً يسير باتجاه الأراضي السورية، ثم نفَّذ دورانَ يسارٍ باتجاه الشمال الشرقي، مع النزول إلى ارتفاع منخفض واختفى عن شاشات الرادار ليظهر فجأةً على ارتفاع مئة متر وعلى مسافة ما بين واحد إلى اثنين كيلومتر من الشاطئ واليابسة السورية بحيث تمت رؤيته بالعين المجردة.

تبيَّن لاحقاً أن الجسم الطائر هو عبارة عن طائرة «حربية تركية» متجهة بشكل عمودي باتجاه الشاطئ واليابسة السورية وتسير بسرعة 700 إلى 800 كم، وأدى ذلك إلى تنفيذ قواعد اشتباك، استخدِمَت فيه مدفعية مضادة للطائرات من عيار 23.57 متمركزة على الشواطئ السورية، وتمت إصابة الطائرة مباشرة وشوهدت وهي تتجه يساراً لتسقط بعد ذلك في المياه الإقليمية السورية. (هذا ما ذكره بالتحديد جهاد مقدسي، الناطق باسم الخارجية السورية).

الأتراك قالوا روايةً أخرى، وعلى لسان وزير خارجيتهم أحمد داوود أوغلو، تقول: إن طائرة حربية (تابعة للجيش التركي) من طراز إف – 4 كانت تحلق بمفردها وبدون أسلحة أو ذخائر، ولم يصدر عنها أي إشارات عدائية، بل هي كانت في مهمة لاختبار نظام الرادار القومي الخاص بتركيا، ولم تكن هناك أية مهمة خاصة أو سرِّية تتعلق بسورية على الإطلاق، وقد أسقِطَت (من قبل المضادات الحربية السورية) في المجال الجوي الدولي، على بعد ثلاثة عشر ميلاً من المجال الجوي السوري، إلا أن الطائرة فقدت التحكم بعد قصفها، ما أدى إلى سقوطها في المياه السورية، وأن هناك مكالمات لاسلكية، وصوراً تثبت حقيقة ذلك، وتؤكد أيضاً أن الطائرة الحربية لم تتلق أي إنذار أو تحذير، من قبل السلطات السورية قبل إسقاطها. انتهت الروايتان.

وبعيداً عن صِدقيَّة الروايتيْن، إلاَّ أن الحادث جرَّ وراءه تبعات كثيرة. فالجانب التركي، دعا حلف شمال الأطلسي للانعقاد لتدارس الأمر، رافقه تصعيد إعلامي وسياسي من أنقرة، بينما هدَّدت سورية، بأنها ستستهدف أي طائرة تنتهك مجالها الجوي مرة أخرى. هنا، يمكن الحديث عن تطور الإشكال إلى صراع مسلح، وفقاً للتصعيد الحاصل، لكننا وفي الوقت نفسه، يجب أن نضع اليد على صور أخرى من العلاقة التركية السورية، والعوامل التي تؤثر وتلعب بشكل قوي في تحديد مسارها، سواءً عند اندلاع نزاع مسلح، أو عند السِّلم، أو عند استخدام الدبلوماسية القاسية، كما يجري الآن منذ اندلاع الثورة السورية بعام وأشهر.

باعتقادي، أن هناك ثلاثة أمور يمكن الإشارة إليها هنا، باعتبارها عوامل مهمَّة في العلاقات التركية السورية، والتي لعبت وتلعب دوراً مهماً، على الأقل منذ عشرينيات القرن الماضي.

الأول: المحدد المذهبي/ القومي: فأكثر ما يجمع تركيا وسورية هو وجود تماثل طائفي وقومي يحكمان العلاقة السياسية والاجتماعية داخل كل من سورية وتركيا. فالنظام السوري، هو حكم علماني، لكن وجود عائلة الأسد بين مفاصله طيلة أربعين عاماً، ألصَق به لوناً طائفياً، عبر استناده إلى المكوِّن العلوي في سورية، والذي تصل نسبته إلى 10 في المئة من مجموع السُّكان. وجود عائلة الأسد العلوية (العلمانية وغير المتدينة أصلاً)، في الحكم، قوَّى من حضور الطائفة العلوية في مشهد الدولة السورية، بل وفي الفضاء العام السوري، عبر سيطرتها على أجهزة الأمن والاستخبارات بالذات، وجزء من المؤسسة العسكرية، رغم أن حافظ الأسد، كان قد أعطى إدارتها الفعلية للمسيحيين والدروز والسُّنَّة المتحالفين معه، وهم ليسوا بأقليَّة فيها، وكذلك الحكومة، التي لم يُستوزَر فيها سوى وزيريْن علويين فقط، وكذلك المحافظين.

في المقابل حيث تركيا، فإن النظام الأتاتوركي، الذي ورث الدولة العثمانية، كان علمانياً، إلاَّ أنه لم يقتل بالكامل جوهره الديني، القائم على الانتماء المذهبي. وقد حَكَمَت تركيا، طيلة ستين عاماً علمانية متطرفة أغرارية، لكنها انتبهت إلى فاعلية الانتماء الطائفي مع مجيء الانقلابيين في سبتمبر/ أيلول من العام 1980 بزعامة كنعان إيفرين، وسيطرة اليمين على الحكم، حيث بدأ الحديث فعلياً يدور حول «سُنِّيَة سياسية» يمكن اتباعها، لأغراض متعددة في الداخل والخارج. وقد شاءت الأقدار، أن تضم طوائف تركيا وإثنياتها زهاء الـ 20 مليون تركي علوي، حيث شكَّلت هذه الكتلة البشرية الهائلة (ومازالت)، تحدياً كبيراً بالنسبة للحكم التركي تاريخياً.

وإذا ما ربطنا ما بين الوجود العلوي في سورية على مستوى الحكم، والقوة الصلبة، وما بين الوجود العلوي في تركيا على مستوى الكتلة البشرية، والنخبة السياسية، القابضة على التأثير الناعم، والتي تبلغ في عمومها العشرين مليون علوي كما ذكرنا، فإن القضية تصبح بالنسبة لتركيا، بالغة الخطورة، خصوصاً في ظل الأزمات التي قد تقع ما بين تركيا وسورية، وبالتحديد الحرب. وقد تولِّد هذه الخطورة شعوراً مضاعفاً من الخوف، عندما يعتبِر الحكم التركي، العلويين في تركيا مدماكاً وسَنَداً قوياً للعلويين وللحكم السوري داخل الأراضي التركية.

خطورة الوجود العلوي بالنسبة للحكم التركي، لم تقتصر فقط على قوته العددية، وتحوِّله (ربما) إلى ظهير مذهبي داخلي لنظام بشار الأسد وللطائفة العلوية في سورية، وإنما في اختلاط الدَّم الكردي معه، في علاقة معقدة وغريبة، وهو ما يطلق عليه بـ «الزازيون» أي الأكراد العلويين (راجع ما كتبه محمود رستم في هذا المجال). وبالمناسبة، فقد أشارت بعض الدراسات، إلى أن ربع العلويين هم أكراد. وإذا ما علمنا حجم المشكلة، التي يُشكلها الأكراد، بالنسبة إلى الأمن القومي التركي، فإن امتزاج الدَّم الكردي (القومي) والعلوي (المذهبي) وتحوُّلهما إلى مكوِّن معقد، يتفق فيما بينه على معاداة الدولة التركية، فإن تحدياً جديداً قد ينشأ أمام تركيا، يجب أن تحسب إليه جيداً عندما تقرر القيام بعمل عسكري ضد دمشق. وكل منْ لحِظَ تصعيد هجمات حزب العمال الكردستاني ضد الجيش التركي، سيفهم حجم المشكلة التي قد تواجهها تركيا وحلف الناتو بأسره عندما يتحوّل الصراع بينه وبين سورية إلى صراع يحمل صبغة قومية طائفية. (للحديث صلة).

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3582 - الأربعاء 27 يونيو 2012م الموافق 07 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 10:04 ص

      هل حادثة الطائرة التركية ، طعم تركي وقعت فيه سوريا ؟؟

      لعل حادثة الطائرة يمثل طعما ، للايقاع بسوريا ، ومن ثم فتح بوابة الحرب العسكرية على سوريا بقيادة أمريكا وإسرائيل وكوكبة الفلك الاستعماري ، وجعل الأراضي التركية منطلق هذه الحرب .. وفي الوقت ذاته نصب فخ لإيران للدخول في معترك هذه الحرب ، بعد فشل الفخ الأول الذي نصب لها

    • زائر 7 | 7:09 ص

      محمد

      امريكا تعبت من الحروب معنا فقالت حاربو بعضكم عل ما استريح شويه. .وروسيا تبيع اسلحه وامريكا والغرب ايضا وتدمر المنطقه ويتقاسمو اعادة الااعمار وتنحل المساكل الااقتصاديه وتبقى اسرائيل قويه

    • زائر 6 | 5:24 ص

      يا عيني على هيك فال يا صاحب المقال

      عندنا مثل يقول ترقص بلا صروال كيف مصرولة
      تركيا من زمان ومنى عينها تصير هالمصيبة مو بعد الحين
      لكن إن شاء الله ما تصير حرب تركية سورية بعدين ويش ناكل راح توقف اللبنة والجبنة والزعتر يا جعفر شو بدنا نعمل يا غظنفر اتعودنا على الشاورما والمشويات التركية والزعتر السوري والصابون الحلبي وكل خيرات الله الشامية والتركية . شو عندنا من منتوجات بحرينية يا قلبي غير لرويد والبقل والطماطية وإن زادت اللومية ، بس هل راح تكفي الكمية؟ واويلاه واويلاه,

    • زائر 5 | 4:51 ص

      حرب كلأميه لأ غير

      ليس بل السهل على تركيا الخضوع فى حرب مع سوريا العرب و العروبه هادا وهم وثرثره اعلأميه لأ اكثر ولأ اقل على تركيا ان تحترم نفسها ولأ تدعم الأهرابين وتشرع لهم استخدام ارضيها كما يشائون ومتى يشائون

    • زائر 4 | 2:08 ص

      إلى الأمام

      تحليل جيد ، إلى الأمام.

    • زائر 3 | 1:50 ص

      للحديث تتمة او صلة ..

      شكر للكاتب على هذا الموضوع .. ياريت لو تخصص الوسط ملحق يحتوى على معلومات او مقالات موجزة عن القوميات سواء في عالمنا العربي ، الاسلامي ، المسيحي .. الخ . يكتب عنه نخبة من الكتاب البارزين في هذا المجال .

اقرأ ايضاً