مئات الإعلاميين من مختلف اصقاع الأرض من آسيا وافريقيا وأوروبا سنحت لهم الفرصة أن يلتقوا على أرض سورية «مهد الحضارات» كما يسميها أهلها، والمشاركة ضمن قوافل طريق الحرير التي طافت المدن السورية بدءاً من دمشق «قلب سورية النابض»، مروراً بتدمر ومن ثم إلى حلب الشهباء.
وزخرت هذه الرحلة الممتعة بكل ما تحمله الكلمة بالكثير من الأنشطة التي جاءت مترافقة مع مهرجان طريق الحرير الذي نظمته وزارة السياحة السورية تحت رعاية رئيس مجلس الوزراء محمد ناجي عطري خلال الفترة من حتى سبتمبر/ أيلول الماضي، وضمت الفعاليات معرض منسوجات تقليدية إيطالية - سورية، معارض فنية، عروضاً فنية، حفلاً موسيقياً، معرضاً لمصحف السلام.
البداية كانت في قلعة دمشق حيث أعلن وزير السياحة سعدالله آغا القلعة افتتاح فعاليات المهرجان رسمياً مساء الأربعاء الماضي، وقال في كلمة له إن وزارة السياحة رغبت من خلال تنظيم مهرجان طريق الحرير منذ دورته الأولى في العام ، الذي شهد تغيرات مفصلية في تشابك العلاقات بين الثقافات والشعوب، أن تستعيد تقاليد ذلك التفاعل الخلاق بين الحضارات الذي كانت سورية بحكم موقعها الجغرافي في قلب العالم القديم مركزه ومحوره، منذ أن اتجهت أنظار تجارة العالم إليها لتتلاقى على أرضها وتتبادل البضائع والأفكار.
واستطرد آغا القلعة «بنيت فكرة المهرجان على أن قوافل التجارة في العالم القديم كانت مدناً متحركة، تزخز بجميع أشكال النشاط الإنساني، وتنطلق من الصين عبر آسيا لمدة ثلاث سنوات، وتنضم إليها على الطريق شعوب متعددة تسلك طرقاً ثلاثة مختلفة تتلاقى في تدمر لتتوزع بعدها باتجاه الشمال الغربي نحو حلب، لتلتقي فيها مع القوافل الأوربية القادمة عبر البر وباتجاه الغرب لتلتقي في اللاذقية وطرطوس مع القوافل الأوربية القادمة عبر طريق البحر المتوسط، وباتجاه الجنوب الغربي لتلتقي في دمشق مع القوافل القادمة من مصر والدول العربية في شمال افريقيا، وباتجاه الجنوب لتلتقي في بصرى مع قوافل الشتاء والصيف القادمة من الجزيرة العربية، وهو ما جعل سورية الدولة الوحيدة في العالم التي لا تعبرها قوافل طرق الحرير، بل تلتقي على أرضها قادمة من أربعة أركان العالم، وهو ما هيأ سورية لتكون موئلاً لأهم أشكال الحوار العالمي عبر التاريخ، ما أكسب شعبها استمرارية الإبداع وتقاليد الضيافة وحرارة المحبة وكرم العيش في انسجام وأمان وسلام».
وأفصح آغا القلعة أن وزارة السياحة تخطط خلال السنوات المقبلة ومن خلال موقع سورية الاستثنائي في تاريخ طريق الحرير طرح برامج سياحية على خطى قوافل الحرير تسمح للمجموعات السياحية أن تعيش أجواء تلاقي تلك القوافل، من خلال مشروعات توظف مواقع اللقاء التاريخية من خانات أثرية وقلاع وترسم مسارات القوافل بينها، متضمنة طقوس الحوار الحضاري والمفاهيم والحقائق التي يكشف عنها.
ولم تقتصر زيارة الوفود الإعلامية على حضور فعاليات مهرجان طريق الحرير، بل شملت الزيارة إلى جانب ذلك زيارات مكثفة للمواقع التاريخية والأثرية التي تزخر بها الأراضي السورية، إذ توافد الإعلاميون على مدن الجنوب السوري حيث مدينتي بصرى وشهبا للإطلاع على المعابد والقلاع التي تضمها والمسرح الروماني، إلى جانب زيارة آثار تدمر وبقايا الملكة زنوبيا، ومن ثم زيارة قلعة حلب التي تعتبر من أكبر القلاع في العالم والمشيدة على ارتفاع يصل إلى متراً فوق سطح البحر، ومن ثم إلى النواعير العملاقة في حماة ومنها إلى قلعة سمعان مروراً بقلعة الحصن القريبة من الساحل الغربي والمقامة على ارتفاع يصل إلى نحو ألف متر فوق سطح البحر. يشار الى أن طريق الحرير شكل جسراً بين الشرق والغرب عبر التاريخ ومحوراً للتفاعلات الخلاقة التجارية، الثقافية، الانسانية، الحضارية، الدينية والعلمية، إذ تبدأ القوافل التجارية رحلتها على الطريق القديم والعريق من أقصى آسيا في الشرق ومن أقصى أوروبا في الغرب الى سورية قاطعة على المسارين ما يصل الى أكثر من ألف كيلومتر، حاملة معها مختلف الصناعات اليدوية والنسيجية والمعدنية والتوابل، وقد حطت تلك القوافل التي يرافقها الشعراء والمسافرون والتجار والموسيقيون في الخانات والأسواق والمدن القديمة المنتشرة في بعض الأرجاء السورية.
رتأت فرقة إنانا المشاركة في مهرجان طريق الحرير بحلة جديدة من خلال عمل مسرحي راقص حمل عنوان السندباد (رحلة الأرجون)، وطافت الفرقة مدن دمشق، تدمر وحلب على مدار ثلاث ليال عرضت خلالها الفرقة هذا العمل في المواقع الأثرية في تلك المدن. وامتاز العمل المسرحي بالإتقان من ناحية السيناريو والمعالجة الدرامية، فضلاً عن الابتكار في تصميم الأزياء والإضاءة والديكور والرقص.
ويتمعن سندباد فرقة إنانا في ما جاء في الكتب القديمة من رحلات وتجارات وحروب وعلاقات واكتشافات مذهلة، فيصبح راوياً وشاهداً على ما جاء في أسفار التاريخ، ويزور السندباد السوري الصين على ظهر سحابة فيشهد اكتشاف الحرير، وولادة حب سيتوج بزواج سعيد بين الأميرة الصينية التي اكتسفت الحرير مصادفة وبين أمير هندي يحمل على أكتافه حضارة بلده.
وعندما يصل السندباد إلى بلاد فارس حاملاً نماذج من ما يصنع في بلده يفاجأ بحرب ضروس بين الفرس والبيزنطيين للسيطرة على طريق الحرير والتفرد بتجارته.
ويستريح السندباد، ويريح بصره بما رأى في المعركة بأن يعود إلى قراطيسه، فتخرج منها حكاية خطف باريس الأمير الطروادي لهيلين الأميرة الإغريقية، وما ترتب على ذلك من حرب طروادة المجنونة من دمار وجثث وأرامل.
وتستمر رحلة السندباد في الكتب فيدخل الأندلس مع طارق بن زياد، ويشهد تمازج الثقافتين العربية الإسلامية والإسبانية، وولادة الموشحات كإحدى ثمار هذا التلاقح الثقافي، ثم يزور مصر ويشهد طقساً مسرحياً يستعيد حكاية فرعونية قديمة مع أهل مصر، ويدخل بعدها السندباد بلاد الشام في لحظة انتصار سيف الدولة الحمداني على أعدائه، واستقباله الوفود العربية المهنئة له بالنصر.
ومن بلاد الشام يطل السندباد على فترة من تاريخ العراق الجريح فيشهد إرادة الصمود وإرادة قهر الغزاة متأصلة في نفس كل عراقي، ومن العراق يعبر السندباد إلى الخليج العربي الزاهي بعادات وتقاليد جميلة في البر والبحر، فيرقب تناغم حياة الصحراء والبحر في الخليج العربي.
وخلال زيارته في الشرق والغرب كان السندباد يحمل معه إلى كل مكان يقصده دعوة لزيارة سورية والإطلاع على تاريخها المكتوب بدم وعرق وجهد أبنائها. ويرى مدير فرقة إنانا جهاد مفلح أن مشروع إنانا هو استمرار للمشروعات الإبداعية الإنسانية التي انطلقت من سورية إلى الصين والهند وتركيا وأوكرانيا ودول عربية وعالمية كثيرة لنشر الفن السوري والتراث العربي المشبع بالخير والجمال.
ويعزو مفلح ذلك إلى أن طريق الحرير لم يكن طريقاً للحرير فقط، بل كان أيضاً طريقاً لحملة الأفكار الجديدة الراغبين في إغناء الإرث الحضاري الإنساني، من دون نسيان جحافل الجيوش الغازية الطامعة في بسط سيطرتها ونفوذها ومشروعاتها بالقوة والتي سارت على الطريق ذاته.
كانت مدينة حلب الشهباء الواقعة في الشمال السوري على موعد مع السعد، فلم تكتف هذه المدينة بأن تحصل على لقب «عاصمة الثقافة الإسلامية للعام »، بل نالت كذلك شرف احتضان إنجاز كتابة أكبر مصحف شريف في العالم، الذين دشن ضمن فعاليات مهرجان طريق الحرير.
من جهته ذكر معتز عبيد (القائم بأعمال شركة مروان عبيد السورية المشرفة على إنجاز المشروع) أن العمل على إنجاز المصحف بدأ منذ أشهر من العمل المتواصل بمشاركة خطاطاً ينتمون إلى دولة عربية وإسلامية بالإضافة إلى هولندا، وتبلغ عدد صفحات المصحف صفحة كل منها يحتوي على سطراً ويصل طول الصفحة إلى مترين وعرضها متر واحد، لافتاً إلى أن تدوين المصحف تم باستخدام خط النسخ. وبحسب عبيد فإن هناك توجهاً لحفر المصحف على النحاس
العدد 1490 - الأربعاء 04 أكتوبر 2006م الموافق 11 رمضان 1427هـ