العدد 1500 - السبت 14 أكتوبر 2006م الموافق 21 رمضان 1427هـ

صور من العمق

ندى الوادي nada.alwadi [at] alwasatnews.com

.

خصصت مقال هذا الأسبوع من جهينة لكي أوجه اعتذاراً رقيقاً إلى مديرة إحدى رياض الأطفال، التي تطفلت مع زميلة لي على روضتها بشكل أقرب إلى المشاهد السينمائية منه إلى الواقع.

كانت البداية مع الإعداد لملف هذا الأسبوع من “جهينة” الذي يتناول مشكلات العاملات في رياض الأطفال. فتح هذا الملف الباب لنقاشات متعددة ومتشعبة عن حال رياض الأطفال، وما يجري فيها، وما يجري للعاملات بداخلها.

كانت البداية مع العاملات، المطحونات اللاتي لم ينصفهن رب العمل، مثلما لم تنصفهن القوانين، وجرت هذه البداية خيوطاً أخرى أكثر تشعباً، بدءاً بإدارة رياض الأطفال في وزارة التربية والتعليم، مروراً بوزارة العمل التي تشرف على عقود العاملات، وصولاً إلى الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، الذي حرك هذا الملف ومايزال، آملاً في تحصيل حقوق طال ضياعها، وقلت المطالبات بها.

كانت الخطوة الأهم في إعداد هذا الملف هي زيارة عدد من رياض الأطفال نفسها، للتعرف عن قرب إلى واقع تلك الرياض، ومحاولة معايشته، ونقل الصورة بأمانة أقرب إلى الحقيقة، بعيداً عن التهويل أو المبالغات.

وبناءً عليه، انطلقت في أحد الأيام، مع زميلة لي، حاملين معنا طفلتها الصغيرة، إلى عدد من رياض الأطفال. الهدف المعلن هو تسجيل الطفلة في الروضة، والهدف المبطن هو اكتشاف ما تضمه جدران تلك الرياض، والتعرف إليه، ونقله، ومحاولة تصويره، بالمعنى المجازي والحرفي للكلمة.

كعادة الصحافيين، تصاحبنا الكاميرا أينما ذهبنا في جولاتنا، وكان من الضروري أخذ بعض الصور لتلك الرياض، إذا ما سمحت الفرصة طبعاً، وإذا ما تمكنا من إتقان الدور المطلوب، وتمثيل الدور بحرفية عالية، ثم تشتيت الانتباه لالتقاط الصور.

لم تنفع خطة شارلوك هولمز تلك كثيراً، فلم نتمكن من التقاط الكثير من الصور، لكننا على ما يبدو نجحنا في التمثيل، أنا وزميلتي وطفلتها، فكنا محل ترحيب ومباركة من الرياض التي زرناها.

للأمانة، لم تكن الصورة مثلما تخيلناها، فكانت الرياض، وحضانات الأطفال التي زرناها، جيدةً جداً، والأطفال منتظمين في الصفوف، يرحبون بكل زائر بصوت عالٍ، علاقة حميمة عالية تربط بينهم وبين مدرساتهم، واضحة في عيونهم، وفي استجابتهم لكل ما تقوله تلك المدرسة، التي يرون الدنيا بعيونها.

كنا نحاول البحث عن زلة واضحة لتلك الرياض، أو تجاوز أو خطأ، لكننا لم نجد مطلبنا بتلك السهولة. لم تكن الرياض مثالية إطلاقاً، فلاتزال الحديقة مغبرة، ألعابها قديمة وليست آمنة للأطفال، لايزال عدد الأطفال كبيراً - إلى حد ما - على صف واحد، ولاتزال المرافق الصحية غير مهيأة تماماً للأطفال. على رغم كل ذلك، كان الوضع جيداً إجمالاً في تلك الرياض، بحسب نظرتنا المبدئية “المتلصصة”.

لا نعرف، إن كانت تلك النظرة خضعت إلى عدة عوامل، أولها كوننا بحسب التمثيلية “زبائن محتملين”، ولذلك كان يجب أن يبدو كل شيء أمامنا جيداً، فتم استغلال تلك الدقائق التي فصلت جلوسنا في حجرة المديرة، وزيارتنا الصفوف الدراسية للاطلاع عليها، لتحسين الأوضاع. أو أنه لا يمكن لأي شخص أن يتعرف إلى المساوئ بنظرة سريعة، فعليه أن يعايش المكان، ويتذوق مرارته. أياً كانت الأسباب، كان من الضروري نقل تلك الصورة، من باب الأمانة التي اتخذناها، وبصفتنا عين القارئ التي ترى بدلاً منه.

نعود إلى المديرة التي أوجه عبر هذا المقال اعتذاري إليها، لقد كانت روضتها في نهاية الجولة التي قمنا بها متقمصين الشخصيات التي رسمناها بحسب الخطة، ويبدو أن إحدى المدرسات وعت للكاميرا التي قمت بالتقاط الصور بها، فما كان منها إلا أن أبلغت مديرتها براءةً لذمتها، وما كان من المديرة إلا أن استفسرت مني عن تلك الصور، التي أنكرت وجودها، مدعية بـ “خبث الصحافيين” أنها مجرد هواية للتصوير.

طلبت المديرة مني أن أحذف الصور جميعاً، وألا أدخلها في متاهة المشكلات، ووعدتها بذلك على مضض. لم تكن المديرة تعرف من أكون، وما غرضي من تلك الصور، ولم أكن أستطيع أن أخبرها الحقيقة، وأخسر الصور البسيطة جداً التي التقطتها، والتي لا تعبر عن مكان أو شخوص، وإنما تخدم موضوعاً أريد به خدمة العاملات في رياض الأطفال، مديرات ومدرسات وعاملات.

لهذه المديرة أقدم اعتذاري، ورجائي أن تتفهم الأمر. وأعرف أن الصور لن تستغل ضد روضتها بأي حال، لكنها تخدم الموضوع، في مجتمع لا يعترف بالصور، أو التصوير، وخصوصاً تلك الصور التي تدخل العمق، وتعري الحقائق

إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"

العدد 1500 - السبت 14 أكتوبر 2006م الموافق 21 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً