هناك مكونات أساسية للزاجرة أو السانية وهي مكونات متفق عليها، وهذه المكونات الأساسية تُكون أبسط أنواع الزواجر، وهي تلك الأنواع الأقل تعقيداً والتي لا يكون فيها تفريغ آلي للدلو؛ وهي بذلك تحتاج إلى شخصين، شخص يحرك الدابة التي تجر الدلو، وشخص يستقبل الدلو ليفرغه في الحوض أو الساقية التي تروي الأرض. وأقدم وصف لهذا النوع من الزواجر جاء في شعر لزهير بن أبي سلمى (المتوفى قرابة العام 609 م). ويعتبر هذا الوصف من غريب التشبيه الذي أُنتقد عليه زهير ابن آبي سلمى والسبب أنه وصف الدمع الذي يجري من عينيه بالمياه التي تسكب من غربيين أو دلوين يتم استخراجهما من السانية عن طريق ناقة متخصصة في هذا العمل وتسمى الناضحة، ويتم تفريغ الماء في القناة التي تصب في شرب يروي النخيل وذلك الشرب به ضفادع غرقت من كثرة الماء الموجود في الشرب. والأبيات هي كالآتي:
كَأَنَّ عَينَيَّ في غَربَي مُقَتَّلَةٍ
مِنَ النَواضِحِ تَسقي جَنَّةً سُحُقا
تَمطو الرِشاءَ فَتَجري في ثِنايَتِها
مِنَ المَحالَةِ ثَقباً رائِداً قَلِقا
لَها مَتاعٌ وَأَعوانٌ غَدَونَ بِهِ
قِتبٌ وَغَربٌ إِذا ما أُفرِغَ اِنسَحَقا
وَخَلفَها سائِقٌ يَحدو إِذا خَشِيَت
مِنهُ اللِحاقَ تَمُدُّ الصُلبَ وَالعُنُقا
وَقابِلٌ يَتَغَنّى كُلَّما قَدَرَت
عَلى العَراقي يَداهُ قائِماً دَفَقا
يُحيلُ في جَدوَلٍ تَحبو ضَفادِعُهُ
حَبوَ الجَواري تَرى في مائِهِ نُطُقا
يَخرُجنَ مِن شَرَباتٍ ماؤُها طَحِلٌ
عَلى الجُذوعِ يَخَفنَ الغَمَّ وَالغَرَقا
في شعر زهير السابق وصف لمكونات الزاجرة أو السانية البسيطة التي لا يحدث فيها تفريغ آلي للدلو، أما المسمّيات التي وردت للأجزاء المكونة للسانية فغالبيتها لاتزال مستخدمة حتى يومنا هذا، وسنعطي هنا المكونات الأساسية للزاجرة البسيطة بحسب المسميات التي جاءت عند العامة ومقارنتها بمكونات السواني عند العرب، وهذه المكونات هي: السناطوين والعوارض والقرون والمنجور والدلو وحبل الرشا. وقد سبق أن شرحنا الدلو والمنجور في فصولٍ سابقة، أما باقي المكونات فهي كالآتي:
1 - القوائم و«السناطوين»:
وهي عبارة عن قطعتين خشبيتين تثبت بصورة عمودية على جانبي البئر، وعادة ما تكون كل «سنطوانة» مصنوعة من نصف جذع؛ إذ يتم قطع الجذع طولياً إلى نصفين، ثم تثبّت «السناطوين» ويتم صنع في أعلى كل «سنطوانة» فتحة قدرها نصف دائرة تسمى القرم. وتعرف «السناطوين» عند العرب باسم الشجار، جاء في كتاب «البئر» لابن الأعرابي (طبعة الهيئة المصرية 1970، ص 70 - 72): «الشجار خشبتان على جانبي البئر عليهما عارضة، ودون العارضة بقدر ذراع أو ذراعين عارضة أخرى ... إذا كان الشجاران من بناء طين أو حجارة فهما الزرنوقان والقرنان:
تأمل القرنين فأنظر ما هما
أحجراً أم مدراً تراهما
2 - العارضة:
وهي عبارة عن قطعة خشب توضع بصورة أفقية لتصل بين «السنطوانتين» أو التراكيب.
3 - القرون:
يختلف معنى القرون عند العامة عن القرنين الوارد في كتب اللغة العربية وربما هو من باب الانتقال الدلالي، فالقرون عند العامة عبارة عن قطعتين خشبيتين طويلتين يتم وضعها بصورة مائلة بحيث يكون طرفها مثبّتاً في الأرض أمام البئر ويستقر طرفها الآخر فوق العارضة بحيث تواجه فتحة البئر. ويتم تثبيت المنجور في القرون بواسطة المحوار أو المحور. أما السانية التي جاء وصفها في كتاب «البئر» فإن البكرة أو المحالة يتم تثبيتها على خشبتين تسمى «النعامتان» التي يتم وضعها على العوارض (طبعة الهيئة المصرية 1970، ص 70).
4 - الرشا:
الرشا (وفصيحه الرشاء) هو حبل سميك يصنع بصورة خاصة، ويربط في الدلو ويمر فوق المنجور ويربط في الثور.
5 - الخب:
وهو عبارة عن منخفض أو حفره كبيرة وعميقة قليلاً؛ إذ يتم فيها إنزال الثور لأن حركة الثور في النزول والصعود تساعد على جلب الماء من البئر، وهنا نجد أن الشخص الذي يعمل على الزاجرة يقوم بمساعدة الثور في النزول.
6 - الجابية:
ذكر اسم الجابية الناصري (الناصري 1990، ص 10) وتسمى في الإمارات المغِيلة، وهي عبارة عن المكان الذي يصب فيه الدلو الماء.
بدأ التطوير في الزاجرة مع الحاجة لتوفير الوقت وتوفير الأيدي العاملة، فالزاجرة أو السانية البسيطة كالتي وصفها زهير ابن أبي سلمى في شعره تستلزم وجود شخصين، ولحل الإشكال ابتكرت طريقة التفريغ الآلي للدلو، فتم ابتكار الدراجة أو الصوبج (أو الصوبي) والسريح أو المرص والغرب.
1 - الدراجة أو الصوبج:
الدراجة هو الاسم الذي ذكر عند الجماعات التي تسمي الزاجرة سانية، وفي الإمارات العربية يسمى الصوبي، أما الاسم صوبج فقد ذكره الناصري في كتابه «من تراث شعب البحرين» (الناصري 1990، ص 10)، وهو عبارة عن قطعة من الخشب أسطوانية الشكل تستخدم كبكرة وتوضع أسفل المنجور وهي تقع قريبة جداً من فتحة البئر.
2 - السريح أو المرص:
يرتبط مسمى المرص بالصوبج والزاجرة بينما مسمى السريح مرتبط بالدراجة والسانية، إلا أن الناصري ذكر من أنواع حبال الزاجرة السريح (الناصري 1990، ص 10). والسريح عبارة عن حبل رفيع يوضع في أسفل الدلو ويعتبر الحبل المساعد للرشا وأحياناً يطلق عليه (المساعد). ويكون أحد طرفي هذا الخيط مربوط بالرشا والطرف الآخر بالدلو ولا يمر هذا الخيط بالمنجور؛ بل يمر على الدراجة، وتكمن أهمية هذا الخيط في أنه يقوم بشد الدلو من أسف لكي يتم تفريغ الماء من الدلو (شاهد الصورة).
يعتمد عمل الزاجرة على وجود حيوان قد يكون ثوراً أو حماراً يتم ربط خشبة على ظهره يشد إليها حبل يسمى الرشا والذي يمر عبر المنجور، ويقوم الحيوان بالذهاب والعودة في ممر مائل أمام البئر إذ يتم خلال مرحلة الذهاب جر الإناء مملوء بالماء من البئر لتفريغه في الجابية، أما خلال رحلة العودة فان الإناء يعود فارغاً إلى البئر ليملأ بالماء مرة أخرى. أما عملية التفريغ الآلي فهي تستلزم وجود الدراجة والسريح والغرب.
والغَرْبُ والجمع غروب عبارة عن دلوً طويل يصنع من الجلد، يصل طوله لقرابة المتر أو أكثر، يكون متسعاً في جانب (الطرف العلوي) وضيقاً في الجانب الآخر (الطرف السفلي)، وبه فتحتان، فتحة في كل طرف، وتكون الفتحة كبيرة في الجانب المتسع وهي الفتحة التي يدخل منها الماء لتجويف الغرب، أما فتحة الجانب الضيق فتكون صغيرة، وهي الفتحة التي يفرغ منها الماء، ويتم وضع «عراقي» بداخل كل فتحة، ويربط في كل عراقي خيط في وسطه. ولكي تحدث عملية التفريغ الآلية يربط بالطرف العلوي للغرب حبل الرشا الذي يمرر فوق المنجور ويربط بالثور أو الحمار، أما الطرف السفلي للغرب فيربط به حبل السريح والذي يمرر بعد ذلك فوق الدراجة ويربط بعده في حبل الرشا.
العدد 3584 - الجمعة 29 يونيو 2012م الموافق 09 شعبان 1433هـ