أكد الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي عمار حسن أن الحوار السياسي البناء والناجح لا يتحقق إلا في ظل تحقيق التكامل الوطني الذي يقوم على فكرة الاندماج السياسي القائمة على الطوعية والعدل والتفاف الجميع حول مشروع سياسي.
جاء ذلك في ورشة عمل بعنوان «الحوار السياسي والتواصل مع الآخر» نظمها معهد البحرين للتنمية السياسية في وقت سابق من الأسبوع الجاري ضمن برنامجه المتكامل لتعزيز ثقافة الديمقراطية حضرها عدد كبير من مختلف فئات المجتمع البحريني، وذلك على مدى يومين متتاليين.
حسن حاصل على درجة الدكتوراه من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة العام 2001، وهو خبير مهتم بالدراسات عبر النوعية في علم السياسة التي تتناول علاقة الظاهرة السياسية بالأنساق الدينية والأدبية والاقتصادية والقانونية والإعلامية. كما أنه مدير مركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط. وهو أيضاً كاتب صحافي ورئيس تحرير الرأي بصحيفة الوطن المصرية اليومية - تحت التأسيس - إلى جانب كونه كاتب قصص قصيرة وروايات ومهتم بالنقد الأدبي.
وقال الباحث خلال ورشة العمل: «لا توجد دولة واحدة في العالم تتمتع بتجانس اجتماعي تام، فكل الدول تكونها أشتاتا من البشر، وإن لم تكن قبائل فهي طوائف أو أعراق أو طبقات أو مذاهب أو شرائح أو لغات ولهجات مختلفة، فضلاً عن تعدد الهويات والثقافات الفرعية داخل كل ثقافة أصلية، لذلك نجد أن الدولة الأقوى عسكرياً واقتصادياً في عالمنا المعاصر، وهي الولايات المتحدة الأميركية، عبارة عن متحف أجناس بشرية».
واوضح أن بعض الدول الديمقراطية المتحضرة تمتلك قدرة فائقة على تذويب أشتاتها عند الحد المناسب الذي يضمن التعايش ويعززه، ويحول الاختلاف إلى تنوع خلاق عبر الحوار السياسي البناء، في حين توجد دول أخرى على العكس من ذلك تماماً وتفشل في تحقيق التكامل الوطني بين الجماعات التي تكونها.
الطوعية شرط الاندماج السياسي
وأضاف حسن متحدثاً عن شروط الاندماج السياسي قائلاً: «تعد الطوعية إحدى شروط نجاح الاندماجات السياسية، فالاندماجات التي تتم قسراً لا يمكنها أن تعيش طويلاً، لأنها تحتفظ طيلة الوقت بعلاقات تهبط وتعلو بين الجماعات المندمجة رغماً عنها، ومثال ذلك الاتحاد السوفياتي السابق الذي قام على ضم قوميات وعرقيات وأصحاب ثقافات وديانات بالقوة المسلحة ضمن كيان إمبراطوري كبير ما إن تراخت قوته حتى تفكك إلى دويلات عدة».
كما أشار إلى أن الخصائص البنيوية المشتركة التي تتوزع على مسارات متعددة تؤدي جميعها إلى تماسك التيار الاجتماعي العريض، ومنها ما يتعلق بالقيم الاجتماعية السائدة والمتوارثة والتي إن تجددت لا تخل بهذا التماسك ولا تهزه فجأة، ومنها ما يرتبط بالثقافة التي تحكم الأذهان والأفهام وتصقلها وتحدد السلوك وتعّينه، فهذه الثقافة بما تنطوي عليه من معارف وقيم وتوجهات يمكنها أن توظف لبناء الوعي الذي يؤسس للتعايش وقبول الآخر من حيث المنشأ، ثم يفتح الطريق أمام البحث الدائم والدائب عن الانصهار الوطني.
وتابع: «هناك أيضاً الأبنية السياسية التي بوسعها أن تلعب الدور الأكبر والأهم في إيجاد تلاحم بين أبناء الوطن الواحد، مهما توزعت هوياتهم على اتجاهات عدة، فالأحزاب السياسية والبرلمانات يمكن أن تكون في الدولة الديمقراطية معامل لصهر أتباع مختلف الهويات ودفعهم في سبيل إيجاد حلول لمشكلات تواجه المواطنين كافة، وتشريع ما يخدم الجميع».
وأوضح الباحث أن الإطار العادل في المجتمع والمتمثل في الدستور هو أحد شروط تحقيق الاندماج السياسي، فالدستور الذي يحكم التصورات والممارسات داخل الدولة يجب ألا يفرق بين المواطنين على أي من الاختلافات القائمة بينهم، بل تسوي نصوصه بين الجميع في الحقوق والواجبات، لافتاً إلى أنه لا يجب الاكتفاء بالنصوص التي تقيم العلاقة بين المواطنين على أساس التساوي والتماثل، بل من الضروري أن تنتقل هذه النصوص إلى عالم الواقع، فتتحول من مجرد سطور إلى سلوك وتدابير.
وأردف قائلاً: «يتعزز كل ما سبق بوجود مشروع سياسي وحضاري مشترك يتحلق حوله الجميع ويعملون من أجل نجاحه، الأمر الذي يؤدي إلى التفاف الناس حوله، شريطة أن يكون حضور هذا المشروع بشكل طوعي، واشتماله على القواسم المشتركة والمصالح المتبادلة بين مختلف طوائف وطبقات وشرائح وفئات المجتمع، ما يؤدي بهؤلاء جميعاً إلى التوحد والانصهار».
وأكد الباحث أن التربويين يذهبون إلى التأكيد أن «قبول الآخر» هو ثقافة تكتسب منذ الصغر، وأنه يمكن تنمية فهم الطفل للآخرين من خلال تقدير الآخرين عبر تمييز وقبول الاختلافات معهم، وتمييز القدرات والمواهب الخاصة، والأداء المتميز لديهم، إضافة إلى فهم مشاعر الآخرين من خلال تمييز واحترام مشاعرهم واحتياجاتهم، وفهم تأثير تصرفات الشخص على مشاعر وسلوك غيره.
وأضاف قائلاً: «كما تتحقق فضيلة قبول الآخر من خلال مهارات العيش في جماعة، وتتمثل في القدرة على التفاهم مع الآخرين، والتعاون داخل جماعة إنسانية رئيسية أو ثانوية، والقدرة على الدخول في صداقات، وإمكانية التشارك مع الآخرين أخذاً وعطاء، وتمييز مزايا العمل مع الآخرين، وفهم وتلمس الاحتياج للقوانين والاتفاقات، بعد امتلاك القدرة على وضعها أو سنها ثم الامتثال للعيش في ظلها. هذا إلى جانب تعلم فض المنازعات الذي يتم عبر تنمية الحلول الملائمة لحل الخلافات، وضبط النفس في التعامل مع الآخرين».
قيم الحوار وقبول الآخر
على صعيد متصل، أكد حسن أن للحوار وقبول الآخر قيماً مرتبطة بهما، تتمثل في التسامح، وهو صورة التكيف التي بمقتضاها تميل الجماعات المتعارضة إلى الانسجام المتبادل، وتحاشي الصراع من أجل التوصل إلى حل عملي، في ظل مبدأ عدم التدخل في معتقدات وتصرفات الآخرين التي لا يحبذها المرء، وهو ما ينطبق عليه المثل القائل: «عش واترك الآخرين يعيشون» الذي يعتبر مثالاً مبسطاً على التسامح.
وأردف قائلاً: «كما أن المساواة واحدة من أهم قيم الحوار وقبول الآخر، وهي بمثابة الضلع الثالث في مثلث القيم العظيمة، حيث تشكل مع الحرية والعدالة، المثل العليا التي يصبو البشر إلى تحقيقها منذ أول الخليقة، وهي قيمة مهمة في حياة النظام الديمقراطي، وهي تعني وجود حالة من التماثل بين أفراد المجتمع أمام القانون، بغض النظر عن الميلاد أو الطبقة الاجتماعية أو العقيدة الدينية أو الثروة أو الجنس أو المهنة».
العدد 3589 - الأربعاء 04 يوليو 2012م الموافق 14 شعبان 1433هـ
الطوعية الطوعية شرط نجاح
الطوعية الطوعية شرط نجاح أي اتحاد ووحدة فكم
من اتحادات جاءت برغبات الهرم فسقطت وسقطوا
وهي كثرة خاصة في عالمنا العربي وعليكم التذكر
أين ذهبت هذه الاتحادات وأين ذهب مريدوها ؟؟
تعديل
الحوار السياسي الناجح يتحقق في ظل وجود جدية في الحوار وعدم اللف على المطالب المشروعة للشعب، ونحن نوافق على عمل أستفتاء شعبي