العدد 3599 - السبت 14 يوليو 2012م الموافق 24 شعبان 1433هـ

«مصالحة» مع وقف التنفيذ

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

أوصت اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق برئاسة محمود شريف بسيوني في الفقرة (1725 ب) من تقريرها النهائي الذي سلمته بتاريخ 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 «حكومة البحرين بضرورة إعداد برنامج للمصالحة الوطنية، يتناول مظالم المجموعات التي تعتقد أنها تعاني من الحرمان من المساواة في الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بغية أن تعم الفائدة منها على كافة طوائف الشعب البحريني».

ولا تزال هذه التوصية حديث الساعة، بل هي الحل الذي يُجمع عليه كل من يشخِّص المشهد البحريني بنظرة واقعية فاحصة لا ترتهن للعاطفة، فخبيرا المصالحة الوطنية روحي أفغاني وألما جاد الله، اللذان استضافهما مكتب الأمم المتحدة الإنمائي أخيراً، نصحا بضرورة انتهاج مبادئ المصالحة الوطنية كمقدمة للدخول في الحوار، الذي يعد المدخل الأمثل لحل الأزمات، وتقريب وجهات النظر المختلفة في البحرين، على أن يضم الحوار الأطراف المؤثرة التي تسببت أو كان لها دور في الأحداث. وأشارا إلى أن حصول التوافق بين الأطراف التي أثرت في الأحداث من شأنه أن يحقق مزيداً من التوافقات، ويجلب مزيداً من الاستقرار للبلاد.

«المصالحة الوطنية» هو مصطلح جديد لم يعهده المجتمع البحريني، ويكاد يكون غير مفهوم بالنسبة للكثيرين ممن يرفضونه كفكرة من دون معرفة معناه والمغزى من ورائه، رغم أنه في مضمونه يسعى إلى «تحقيق توافق وطني بين مختلف مكونات الإطار الحضاري للمجتمع، حول خطة شمولية، متكاملة، محددة، ودقيقة، تسترشد بالمبادئ الأساسية المستخلصة من تجارب فض النزاعات بالطرق الهادئة، وتخضع لمضمون القانون الدولي، وإجراءاته الملزمة والآمرة للدولة، وحكوماتها المتعاقبة».

والإشكالية الواضحة التي تؤكد عدم وجود تحركات فعلية للبدء بمصالحة وطنية تنزع فتيل الأزمة، هو غياب الخطة الشمولية المتكاملة المحددة والدقيقة، والتي لا يمكن رسم خطوطها العريضة، ولا تحديد معالمها من دون التقاء جميع الأطراف المعنيين بالحوار (الدولة والمعارضة ومكونات المجتمع الأخرى) على طاولة واحدة.

أي أن المفتاح المفقود يكمن في الحوار الجاد غير المشروط، والذي من دونه لا يمكن تحقيق أي تقدم فعلي يفضي إلى معالجة جذرية طويلة الأمد للمشكلة السياسية التي يعاني الوطن منها بمرارة كل يوم. كما أنه لا توجد حتى الآن -بحسب التوصيف العام لمفهوم المصالحة الوطنية- نماذج لفض نزاعات بالطرق الهادئة، تم الاستعانة بها للاسترشاد في وضع خطة وطنية يتفق عليها الجميع.

تعطيل الحوار الآن يجري في إطار متشعب، فهناك من يرى أن على الدولة أن لا تتنازل وتقبل بالحوار قبل إدانة العنف ووقف جميع أشكاله، ويهدد بالنزول إلى الشارع إذا ما امتثلت لهذا الخيار، الذي يعتبره تنازلاً لصالح المعارضة، وفي المقابل هناك من يدفع التيارات المساند للدولة لتصعيد لهجة الخطاب، تحسباً لاستبعاد هذه الكيانات من أي حوار بين الدولة والمعارضة، وحتى لا تأتي النتائج بعكس ما يرغبه المكون الآخر من المجتمع. والمعارضة ذاتها، تتحدث عن قبولها بحوار غير مشروط في بعض الأحيان، وهناك في المقابل من يرى أن مبادئ سمو ولي العهد التي طرحت لنزع فتيل الأزمة في العام 2011، تمثل الحد المناسب للبدء بحوار جدي. هذا التشابك والتعقيد هو ما يجعل المواطن البحريني يعيش حالة من الإحباط وتشتت الذهن، في إطار إيقاع متسارع من التطورات يكاد لا يتقبله عقله وإدراكه، فالكل يقدم اقتراحات لأدوية ما بين «مصالحة» و«حوار»و «عدالة انتقالية»، وخبراء يتوافدون بين الحين والآخر ليقدموا محاضرات وندوات، تعطي شرحاً مبسطاً مستوحى من تجارب واقعية ناجحة، تخلصت على إثرها أمم من أوجه الصراع، ولكن العيب كما يبدو يكمن فينا، ففي هذا البلد الصغير نفتقد إلى وجود عزم ثابت، وإرادة حقيقة صادقة، تلجم الألسن المتطرفة، والنفوس المريضة، وأصحاب المصالح، ممن يساهمون كل يوم في تعميق الجرح، وتعطيل الحل، وإفراغ كل المبادرات من محتواها، فلا غرابة إن تخبطنا بالسير في جميع الاتجاهات، بعد أن أضعنا البوصلة.

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3599 - السبت 14 يوليو 2012م الموافق 24 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:17 ص

      ومن قال بان هذه التوصية ستنفد لونفدت توصيات بسيوني لكانت مدخل شامل لحل الازمة لكن.....؟؟؟؟؟؟

      انظر الى ظلم البعثات العام الماضي وهذه السنة سترى بان هذه التوصية تداس بالاقدام.انظر الى باب ارجاع المفصولين سترى بان هذه التوصية تهان.انظر الى باب توزيع الطلبات الاسكانية سترها مقبولة التوزيع في جميع المناطق على فئة ومقصورة الى اماكن محددة للفئة الاخرى وسترى بان هذه التوصية تعاف.انظر الى موضوع دمج جميع الفئات في جهاز الامن وسترى بان هذه التوصية يفتك بها.انظر لكثير من الامور ماكان يعمل به سرا اصبح يعمل بها جهرا نهارا دون خوف واستيحاء واخيرا انظر لطريقة فض بضع عشرات من المواطنين لمسيراتهم واحكم

    • زائر 1 | 12:45 ص

      ضلوا وأضلونا

      عرضت الحكومة عدة مبادرات من أجل حل سياسي ومقبول. الوفاق رفضتهم - بإعتراف مجيد العلوي. وتطور الأمر من مشكلة سياسية إلى مصالحة وطنية . والآن تدعون إن قوى تأزيمية هي خلف تعطيل المصالحة. قوى التأزيم هي نفسها قوى التعطيل هي نفسها من أشعل الفتيل والآن تريد أن تضع اللوم على أي أحد إلا نفسها . قوى التأزيم هي قوى الإنكار.

اقرأ ايضاً