العدد 3608 - الإثنين 23 يوليو 2012م الموافق 04 رمضان 1433هـ

الشعوب وإرادة التغيير!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

شعوبنا العربية تعودت الشكوى من حكامها، فالحكام - بحسب ما يقولون - هم من يظلم الشعوب في أرزاقها وحرياتها وهم - أي الحكام - من يخضع للغرب والشرق على حساب مصالح شعوبهم، وهم من يتواطأ مع الصهاينة أو الأميركان على حساب مصالح شعوبهم وتطلعاتهم إلى الحرية والديمقراطية والإصلاح.

وهكذا لا يكاد المرء يجلس مع الآخرين إلا ويسمع مثل هذا الكلام، وكأن المتحدثين يريدون القول: إنهم بريئون من كل ما يجري في بلادهم من عيوب، وأنهم يضعون اللوم كله على حكامهم، وكأنهم بهذه الرؤية الخاطئة يريحون ضمائرهم من الشعور بالذنب بإحالة مشاكلهم إلى غيرهم.

الذي أعتقده أن الشعوب تتحمل الجزء الأكبر مما يصيبها، لأن مسئوليتها أكبر بكثير من مسئولية حكامها، فالحاكم يخرج من رحم أمته، وهو يمارس سلطاته الظالمة بوساطة رجال شعبه، فجيشه وحراسه ومرافقوه منهم، ووزراؤه وكل موظفيه منهم، وكل هؤلاء يأتمرون بأمره وينفذون أقواله حتى ولو كانت ضد مواطنيه!

عشرات الآلاف الذين استشهدوا في ليبيا لم يقتلهم القذافي مباشرة وإنما قتلهم أبناء الشعب الليبي ذاته، فهل كان القذافي قادراً على إجبارهم لو أنهم رفضوا ارتكاب تلك الجرائم؟!

وما حدث في تونس ومصر وما يحدث حالياًّ في سورية ينطبق عليه ما ينطبق على الحالة الليبية التي استشهدتُّ بها أو ما قد يحدث مستقبلاً من محاولات إصلاح في هذا البلد أو ذاك قد يخضع للقاعدة نفسها. فهل نكتفي باتهام الحكام بأنهم وراء كل هذه المجازر من دون أن نضع أكثر اللوم على أولئك اللذين قاموا فعلاً بارتكابها من أبناء الشعوب؟!

ربنا سبحانه يقول بكل وضوح: «إِنَّ الله لا يُغيِّرُ ما بِقومٍ حتَّى يُغيِّروا ما بِأَنْفُسِهِم» (11: الرعد)، فإن لم تتغير الشعوب وتدرك مصالحها جيداً فإنها ستبقى كما هي فريسة لرغبات بعض حكامها الذين لا يقيمون لشعوبهم وزناً وإنما تهمهم مصالحهم مهما كلفهم الثمن من دماء هذه الشعوب.

لا يجب أن يلام الحاكم قبل أن تقوم الشعوب بواجباتها أولاً، فإن فعلوا ذلك فإن كل شيء سيتغير... ورمضان شهر التغيير والإصلاح والجهاد، ففيه حقق المسلمون أهم انتصاراتهم، وهذا الشهر فرصة لشعوبنا العربية لتغيير واقعها إلى الأفضل، وهي إن فعلت ذلك فسيتغير حكامهم إلى الأفضل وستصبح حياتهم أكثر صلاحاً ورخاء واستقامة.

شعوبنا تقيم حرباً مذهبية بين مختلف طوائفها، وقد يصل بهم الأمر إلى تكفير بعضهم بعضاً وإلى تحذير هذه الطائفة أو تلك من التعامل مع الطائفة الأخرى مع أنهم جميعاً مسلمون ولا نرى مثل هذا التحذير المسيء للجميع يحدث مع أصحاب الأديان الأخرى، فهل يقبل مثل هذا التصرف امرؤ فيه عقل أو دين؟! وفي وسائل الاتصال المجتمعية نرى حرباً مستعرة بين السنة والشيعة وكل يسيء إلى الآخر بطرق متنوعة بينما يصمت الجميع عمّا يحدث لهم جميعا من أعدائهم وأعداء دينهم، فأي عقل أو منطق يبيح لهم مثل هذا التصرف؟!

إن التغيير الحقيقي يجب أن يبدأ من نفوسنا؛ فنزكيها ونطهرها، ومن عقولنا؛ فنعرف أننا أمة واحدة مهما اختلفنا، وأن أمامنا أعداء نشترك جميعاً في أهمية مقاومتهم وعندما نفعل ذلك سنجد الحكام يتغيرون إما بإرادتهم وإما على رغم أنوفهم، لأنهم سيجدون أنهم يحكمون شعوباً واعية تدرك مصالحها وتعرف حقوقها وعندها سنجد أننا نعيش في مجتمعات صالحة، متعايشين مع أنفسنا ومع من حولنا.

وإن لم نفعل هذا في هذا الشهر الكريم؛ شهر الجهاد والتغيير والإصلاح والأخوة، شهر تنزل القرآن؛ فإننا لن نفعل ذلك في سواه وعندها علينا أن نلوم أنفسنا ونعرف أن ما أصابنا هو من كسب أيدينا ولا شيء سواه.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 3608 - الإثنين 23 يوليو 2012م الموافق 04 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 9:34 ص

      ياريت

      المقال جميل ولكن من يطبق

    • زائر 3 | 9:25 ص

      متى

      الشعوب اولا ولكن هذه الشعوب تحتاج الى تثقيف

    • زائر 2 | 6:43 ص

      تغيير ارادة الشعوب أم ارادة شعوب تحتاج تغيير

      من البديهي أن من لديه ارادة لديه القدرة على اليسطرة على نفسه ورغباته و حتى شهواته ... لكن يصعب أن تكون لدى الشعوب مثل هذه الارادة ما لم تكن قبلوبهم ليست شتى بل مجتمعة على شيء واحد.
      متى كانت من اسباب اشعال الحروب بين الشعوب ناقة أو أشياء أخرى أقل منها بكثير مثل قيل وقال واشاعات لا أصل لها.
      فهل توجد للشعوب ارادة؟ ام مسلوب الارادة لا يمكنه مقاومة المال الأعمال والتجارة والجاه والمصلحة ..و .. ؟

اقرأ ايضاً