العدد 3615 - الإثنين 30 يوليو 2012م الموافق 11 رمضان 1433هـ

نختلف ولكن لنتفق...!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

يتردد على بعض الألسن أن اختلاف الأمة رحمة، ويقول الكثيرون: إن اتفاق الأمة على قضية واحدة أمر مستحيل، وإن الأصل هو الاختلاف ولو لم يوجد لوجب أن نعمل على إيجاده لكي تكون حياة الأمة طبيعية في كل جوانبها.

فلسفة الاختلاف تدور على ألسنة الكثيرين، ومع أنني أحد هؤلاء إلا أنني أرى أن الاتفاق على بعض القضايا ضرورة ملحة وأن المجتمع سيقف عاجزا عن تقديم تقدم حقيقي في حياته إذا كان سائر شئونه تخضع لدائرة الاختلاف المطلق...

ولإيضاح هذه الفكرة أقول: هناك مجتمعات عربية يعيش فيها مسلمون ونصارى ويهود وكلهم مواطنون (البحرين مثلا ) ودول عربية أخرى بطبيعة الحال. وهناك دول ينقسم فيها المسلمون إلى سنة وشيعة، والسنة ينقسمون إلى عدة تيارات مذهبية (شوافع، حنابل، مالكية، أحناف) وهؤلاء ينقسمون إلى مجموعة من التيارات الفكرية (أخوان، سلف، ليبراليون، علمانيون، الخ...) والشيعة أيضا عدة أقسام (أصوليون، اخباريون، شيرازيون، الخ...) وفي المملكة العربية السعودية اسماعيليون، كما أن هناك طوائف متعددة في دول عربية أخرى...

هنالك اختلاف لاشك فيه بين هذه الطوائف، قد يقل كثيراً بحيث لا يشعر به أهله مثل الاختلاف الفقهي بين المذاهب الأربعة، ولكن قد يصبح هذا الاختلاف أكبر وقد يصبح قابلا للتمدد كما هو الحال بين السنة والشيعة، أما الاختلاف بين أصحاب الأديان فهو غير قابل للالتقاء في جميع الأحوال...

ولكن أليس بالإمكان أن يتعايش المواطنون في بلد تجتمع فيه كل الطوائف على اختلاف توجهاتها؟ وإذا كان الأمر مستحيلا كما يقول البعض فما هو البديل المطروح؟!

دعوني أحصر الأمر في البلاد التي تعيش فيها السنة والشيعة لان هاتين الفرقتين هم الأكثرية في التعدد في بعض البلاد العربية، ونحن نعرف جميعا أن هناك اختلافاً بين هاتين الطائفتين ولكن هذا الاختلاف قد يضخمه البعض حتى يبدو أن الاتفاق على شيء مهما صغر يبدو مستحيلا وقد يضعه آخرون في مكانه الصحيح فيبدو لكل أحد ان التعايش الحقيقي بين الجميع أمر سهل وأنه هو الوضع الصحيح الذي يجب أن نحرص عليه...

ولكن لماذا يكون التعايش أمراً لابد منه؟ في رأيي أن البديل عن التعايش هو الاختلاف الدائم الذي قد يوصل إلى الاقتتال وهذا أمر مرفوض بكل المقاييس.

قلت: إن الاتفاق غير ممكن، كما أن التقارب أمر غير ممكن أيضا لان التقارب يعني غالبا أن يتنازل كل فريق عن بعض ما يعتقده لصالح الطرف الآخر حتى يتم التقارب وهذا أمر غير ممكن أيضا وهنا لن يبقى الا التعايش لان أبناء هاتين الطائفتين يعيشون في بلد واحد وهم أبناء هذا الوطن وينبغي أن يكون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات...

وهنا ولكي نحقق هذا الهدف يجب أن يحترم كل فريق معتقدات الفريق الآخر قولا وعملا سرا وجهرا، فلا يصح أن أحدا من هذا الفريق يطعن في معتقدات الفريق الآخر أو علمائه، كما لا يصح الطعن في رموز الفريق الآخر من الصحابة أو المعتقدات بكل الصور، وفي جميع الحالات..

من المؤسف أن الإعلام الحديث أصبح مكانا محببا لكلا الفريقين للحط من قيم وأخلاق ورموز الفريق الآخر، كما أن بعض المساجد والحسينيات أصبحت مكانا لبث الفرقة والبغضاء بين أتباع المذهبين بدلا من استخدام هذه الأماكن لجمع الكلمة وتوحيد الصف وهذا العمل السيئ يوسع دائرة الاختلاق كما أنه يشق اللحمة الوطنية ويؤدي في نهاية المطاف الى إضعاف الوطن ومعطياته، من حق الجميع أن يختلفوا ولكن في الإطار السليم وعلى الجميع إدراك أن لكل واحد منهم حق المواطنة الكاملة في وطنه وبدون هذا الفهم فإن حياة الجميع ستكون جحيما لا يطاق.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 3615 - الإثنين 30 يوليو 2012م الموافق 11 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 2:56 ص

      علماء

      اشكرك انسيابيه في الحديث \\وانا احمل علماء المذاهب بتمسكهم بلمناصب

    • زائر 5 | 8:36 ص

      الخلاف والاختلاف في العقود والمواثيق الخلاف والاختلاف في العقود والمواثيق

      الضياء يكشف الظلام والشر يكشف الخير وهكذا التوافق لا يظهر إلا بالاختلاف.
      فقد لا يظهر التوافق في الاتفاقيات والمواثيق الدولية والمحلية وحتى عقود الايجار وعقد الزواج وغيره من العقود.
      فاذا كان معلوم أن 2/1 (نصف) الدين في الزواج، والدين عند الله الاسلام. فأين النصف الآخر؟
      ام نحتاج الى اتفاقية سلام لا سلام فيها؟

    • زائر 4 | 8:22 ص

      لا يظهر اتفاق بين التقوى و التوافق لكنه توفيق من الله

      الاختلاف لا يعني المخالفة ولا الاختلاط يعني المخالطة. فهل الإتفاق يعني التوافق، أم أن شبه الحق يعني الحق؟
      الاتفاق له قواعد وشروط وعقد مكتوب، بينما التوافق له قانون ثابت ينظمه فلا خلاف ولا إختلاف ولا يختلف فيه ولا يتفق عليه.
      فما جاء به الانبياء والرسل (ع) ومنهم كليم الله موسى ، والروح القدس عيسى والمصطفى محمد إلا "دين واحد" أعلنه النبي ابراهيم بأن الفرد الواحد مسلم وجمعه "مسلمون".
      فلما الناس اختلفوا وتخالفوا في الدين الله الواحد؟

    • زائر 3 | 6:49 ص

      عافاك

      عافاك الله كلام سليم التوقيع شيعية

    • زائر 2 | 3:44 ص

      جيد و لكن

      لقد أغفلت دور السلطات في هذا الامر!

    • زائر 1 | 1:27 ص

      نِعمَ القول ...

      اقتباس:
      ((يجب أن يحترم كل فريق معتقدات الفريق الآخر قولا وعملا سرا وجهرا)).

      بوركت يا أستاذي الكريم

اقرأ ايضاً