العدد 3629 - الإثنين 13 أغسطس 2012م الموافق 25 رمضان 1433هـ

في عيدها الوطني... المرأة التونسية وهاجس الحقوق

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

بين منشغل وغير عابئ بوضعية المرأة في تونس، في ظل مشاريع القوانين الجديدة، يطلّ عيد المرأة على التونسيات والتونسيين في 13 من أغسطس/ آب ككل سنة والجدل يأخذ في الاتساع والاختلاف يوشك أن يصبح خلافاً. غير أن الأكيد هذه المرة أن صورة هذا العيد السنوي تختلف عمّا كانت عليه في زمن زوجة المخلوع حينها كانت هذه الأعياد المُسقطة لا تمثّل إلاّ النّساء على شاكلة المستهترة ليلى بن علي وجلّ الاتحادات النسائيّة التي أحدثتها زمرة من النساء زيّن وصفّقن لها طويلاً لترقص على جثث المتمسّكات بكرامتهن وأخلاقهن ودينهنّ أو مبادئهن السياسية والحقوقية. لكن ما أصل هذا العيد في تونس؟ وما أبرز مميزاته هذه العام؟

ذكرى العيد الوطني للمرأة التونسية يأتي بمناسبة الصدور الرسمي لمجلة «الأحوال الشخصية» في تونس، في الثالث عشر من أغسطس من العام 1956، حيث برزت على الساحة التونسية سابقة دستورية في العالم العربي هي مجلة الأحوال الشخصية وهي عبارة عن سلسلة قوانين أصدرها بعد خمسة أشهر من استقلال تونس عن فرنسا الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة لفرض المساواة أمام القانون بين المرأة والرجل في العديد من الميادين. وهذه القوانين التي لا مثيل لها في العالم العربي تمنع مثلاً تعدد الزوجات وتقرّ الزواج المدني والطلاق عبر القضاء. وقد تجذّرت هذه القوانين في المجتمع وأصبحت المرأة التونسية حاضرة في كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية والاجتماعية.

ويعتبر كثيرون أن هذه المجلة صمام أمان لحقوق المرأة التونسية، التي تتمتع بحرية ربما تحسدها عليها المرأة في باقي الدول العربية.

غير أنّ عيد المرأة هذا العام في تونس يأتي مشحوناً بالتجاذبات الدستورية والسياسية إلى درجة تحويله عن مساره الحقوقي النسائي الصحيح ليصبح فرصة للخصوم السياسيين لتوظيفه لمزيد إرباك حكومة النهضة وشريكَيْها: حزب المؤتمر وحزب التكتل، وشحن خاصة التونسيات وعامة التونسيين لغايات انتخابية قادمة.

وقد بدأت التجاذبات في المجتمع بعد ثورة 14 يناير/ كانون الثاني2011 حيث برزت دعوات توصَفُ بأنها رجعية من قبل بعض المتشددين الدينيين تعتبر المكاسب التي حققتها المرأة طيلة عقود تجاوزاً للتعاليم الإسلامية وجب التصدي لها وذلك اعتماداً على تفاسير ضيقة ومتطرفة للدين الحنيف. لكن بالمقابل رشحت دعوات أخرى ليست أقل تطرفاً من بعض الجمعيات النسائية التغريبية لإبعاد المرأة عن هويتها ومحيطها الاجتماعي والثقافي بدعاوى التحرر الكاذبة ولاشك أن إثارة قضية المساواة في الميراث المفتعلة تدخل في هذا الباب إذ لا يمكن للمرأة التونسية المسلمة أن تبتعد عن مقومات دينها وأن تتبنى ثقافة أخرى هي غريبة عنها.

ثم ما لبثت أن تحوّلت هذه التجاذبات داخل أروقة المجلس التأسيسي وبعد مشاورات ماراثونية، صادقت يوم الجمعة 3 أغسطس 2012 لجنة الحقوق والحريات بالغالبية على الفصل 28 الذي يهم حقوق المرأة، والذي ينصّ على أن «الدولة تضمن حماية حقوق المرأة ودعم مكتسباتها باعتبارها شريكاً حقيقياً مع الرجل في بناء الوطن، ويتكامل دورهما داخل الأسرة «. وقد رأت فيها عديد الجمعيات المدنية والمنظمات النسائية والأحزاب السياسية استنقاصاً من كرامة المرأة ومن دورها في المجتمع، حيث تمّ تعويض كلمة مساواة بكلمة شريكة، ولكن الفصل لم يحدد أي نسبة من الشراكة، ومردّ الخوف عند المعارضين على مشروع الفصل الدستوري أن تنال فقط نسبة ضئيلة لا تفي المرأة حقها، ولا تجعلها من الفائزين في هذه الشراكة. ووصل الأمر إلى درجة مطالبة رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات أحلام بلحاج بسحب هذا الفصل الذي يشكّل على حدّ قولها: «اعتداء على مكاسب المرأة وإنسانيتها».

وينتظر التونسيون تحركات شعبية كبيرة يوم الإثنين 13 من أغسطس الجاري في شكل مسيرات شعبية وندوات ثقافية وغيرها... ولا يستبعد تحويل هذه المسيرات عن مقاصدها لغايات سياسية.

وفي المجمل فإن المرأة في تونس وجدت الطريق معبدة بعد الاستقلال بفضل مجلة الأحوال الشخصية حيث كان للرئيس بورقيبة الفضل في أن يمنح المرأة - على جهلها آنذاك وقلة وعيها - حقوقاً لم ترقَ لها إلا بعد عقود من التنوير والتحرير لكن في مناسبات كثيرة انحرف هذا الخط التنويري التحرري عن مساره الصحيح ووظفت تلك الحقوق في سياقات جعلت صورة المرأة التونسية أيضاً محل انتقادات عديدة من هنا وهناك. ومن هنا صار لزاماً اليوم على المرأة التونسية مهما كان طيفها السياسي أن تثبت أولاً جدارتها بتلك الحقوق التي منحت لها سابقاً وأن تواصل العمل على مزيد اكتساب حقوق جديدة وتفعيل هذه وتلك على أرض الواقع لأن هذه التشريعات لن تجدي نفعاً طالما الشريك في تفعيلها أي الرجل لم يستوعب ضرورتها في التنمية البشرية المستدامة، والمرأة موضوع التشريع لم تستوعب روح هذه التشريعات واكتفت فقط بظاهرها الزائف وهذا جانب من التحديات التي تواجه المرأة في عيدها.

ومن التحديات الحقيقية على المرأة التونسية أيضاً في هذا العيد أن تجمع شمل كل النساء في أرجاء البلاد، كل الشرائح النسائية على طاولة واحدة للاحتفال بهذا العيد حتى تختلط البسمة بدمعة القهر والجوع والشّقاء، ونظرة البؤس بنظرة التّعالي وتتشابك الأيادي النّاعمة بتلك المقرّحة بفعل العمل والحفر في الصّخر لتحصل على لقمة العيش للأبناء حتى يكون حقاً عيداً للمرأة التونسية لا للنخبة النسائية التونسية.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3629 - الإثنين 13 أغسطس 2012م الموافق 25 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 5:17 م

      تحدّ كبير نرجو أتن تقدر عليه

      ومن التحديات الحقيقية على المرأة التونسية أيضاً في هذا العيد أن تجمع شمل كل النساء في أرجاء البلاد، كل الشرائح النسائية على طاولة واحدة للاحتفال بهذا العيد حتى تختلط البسمة بدمعة القهر والجوع والشّقاء، ونظرة البؤس بنظرة التّعالي وتتشابك الأيادي النّاعمة بتلك المقرّحة بفعل العمل والحفر في الصّخر لتحصل على لقمة العيش للأبناء حتى يكون حقاً عيداً للمرأة التونسية لا للنخبة النسائية التونسية.

    • زائر 7 | 2:15 م

      المرأة العربية

      في حاجة لحقوق لكن ليس بمثل ما في تونس

    • زائر 6 | 8:41 ص

      هذه حقوق ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

      وهذه القوانين التي لا مثيل لها في العالم العربي تمنع مثلاً تعدد الزوجات وتقرّ الزواج المدني والطلاق عبر القضاء.

      الحمد لله أن لامثيل لها في العالم العربي

      هههههههههههه

    • زائر 5 | 6:15 ص

      ضروري أن ....

      تثبت جدارتها بهذه الحقوق
      أن يكون الرجل في مستوى التحديات لإثبات قدرته على تقاسم الحقوق والواجبات بالتساوي مع المراة

    • زائر 4 | 5:22 ص

      13 أغسطس

      شكرا للمرأة التونسية

    • زائر 3 | 5:19 ص

      المرأة التونسية وهاجس الحقوق

      عليها أن تناضل حتى تفتك حقوقها لاأن تجدها على طبق منذهب كما كان سابقا

    • زائر 2 | 5:17 ص

      صحيح نحسدها علىهذه الحقوق

      ويعتبر كثيرون أن هذه المجلة صمام أمان لحقوق المرأة التونسية، التي تتمتع بحرية ربما تحسدها عليها المرأة في باقي الدول العربية.

    • زائر 1 | 5:10 ص

      عيد سعيد

      لكل نساء تونس عيد سعيد

اقرأ ايضاً