العدد 3668 - الجمعة 21 سبتمبر 2012م الموافق 05 ذي القعدة 1433هـ

الفيلم الأميركي والإساءة للنبي محمد وردود الفعل (2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

ونواصل الحديث عن الملاحظات فالثالثة: ترتبط بتأثير الصراع الطائفي والايدولوجي المعاصر بعد انهيار الكتلتين حيث دفعت أجهزة استخباراتية دولية عناصر دينية متشددة لدى بعض قياداتها كارزما شخصية وإصرار سياسي، وضيق أفق ديني، لإحداث انقلابات وثورات في بلادها.

ووجدت في كثير من شعوبها البائسة والتي ترزح لسنوات طويلة تحت حكم استبدادي وقمعي واستغلالي، نقول وجدت ضالتها في ذلك، ومن هنا انطلقت مشاريع ما سمى بالتغيير الثوري للمنطقة العربية، ومشروع الشرق الأوسط الذي أطلقه عدد من قادة إسرائيل وبينهم السياسي الثعبان والثعلب في آن واحد شمعون بيريز، وهو داهية من دواهي السياسة مثل تاليران في فرنسا في عصر النهضة، أو مثل معاوية بن أبي سفيان الذي حول الخلافة إلى ملك عضوض، فغير من الفكر والثقافة وأساسيات الإسلام، كما جاء به الرسول محمد (ص)، وكما عبر عنه سلوكياً وعملاً الخلفاء الراشدون الأربعة أبوبكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم أجمعين، أي تحول المسلمون من دولة إلى إمبراطورية، وتحولوا أيضاً من أمة ذات فكر وثقافة إلى دول متناحرة وإن ظل مفهوم الأمة بصورة مشوهة كشعار، وليس كسلوك، وهنا تكمن المأساة بالنسبة للمسلمين الذين أصبحوا يعيشون فكر الماضي البعيد عند نشأة الإسلام، أو الماضي القريب عن نشأة الحركات الإسلامية في العقد الثالث من القرن العشرين، وتصوروا أن مفهوم الأمة الإسلامية يعني إقامة دولة إسلامية، ومفهوم الخلافة العثمانية أو حتى الأموية أو العباسية أو الفاطمية أو غيرها يتطابق مع مفهوم الخلافة الراشدة وشتان بين الأمرين حيث الفارق بينهما مثل ما بين السماء والأرض.

فالدولة عند نشأة الإسلام كانت دولة مدنية، كما يتجلى ذلك في صحيفة المدينة التي أعلنها النبي الكريم وجعل المواطنة في المدينة هي أساس العلاقات، ومدينة الرسول هي مدينة فاضلة أما المدن والدول المعاصرة فهي مدن ذات طبيعة مختلفة لتغير الزمن وتغير الناس وتغير الديمغرافية، وتغير الحدود، وسيطرة مفهوم الدولة الوطنية منذ عصر النهضة الأوروبية، فضلاً عن فارق ضخم بين مدينة أو دولة أقامتها البشر وأخرى كان الله هو ملهم رسوله لما يفعله فيها.

وهكذا عاشت النخب الإسلامية في صراع بين الطموحات والمثل العليا الإسلامية وبين الواقع الحديث الذي نعيشه ولذلك ابتكرت فتاوى تبريرية غريبة ومن ذلك فتاوى البنوك الإسلامية التي تتقاضى من العملاء أموالاً وأرباحاً أو مصروفات إدارية أضعاف الفوائد التي تتقاضاها البنوك التجارية، كذلك فتاوى الإخوان المسلمين في مصر برفض قروض البنك الدولي في عهد حكومة كمال الجنزوري الانتقالية وقبولها بعد تسليم الرئيس مرسي السلطة ورئيس الوزراء هشام قنديل. فالفتاوى تسخر وفقاً للسياسة، وهذا التناقض طبيعي، لأن كل فتوى لا تعبر عن صحيح الدين ومدى استجابة التفسير لظروف المجتمع وتغير الأحكام بتغير الزمن والأطراف والأماكن، وإنما تعبر عن مدى وجود مصلحة سياسية أو حزبية أو حتى شخصية، وليست لدى كثير منهم ثقافة علمية منهجية، وكثير من أتباعهم يكادون أن يكونوا أميين في أصول الفقه ومقاصد الشريعة وروح الشريعة، ويعيشون على قشور ما حصلوه من مشايخهم والذين يدورهم ثقافتهم ليست عميقة.

فمهما كانت قراءة الإنسان في الدين ليس كمن تخصص فيه، فالمهندس يستطيع أن يتحدث بدقة عن الهندسة ويتابع علومها الحديثة، كذلك رجل الدين، ولكن المهندس يمكن أن يكون رجلاً أو سيدة من الأتقياء وليسوا من علماء الدين، وهذه معضلة الإسلام السياسي في الخلط بين العلم الديني والثقافة الدينية العامة، التي من المفترض أن يعرفها كل مسلم، والأغرب أنهم يتجرأون على الفتوى للمجتمع، ولو أفتوا لأنفسهم فقط فلا مانع،أما كونهم يفتون للمجتمع فهذا من العجائب وخاصة عندما نعلم أن عالماً فقهياً وصاحب مذهب مثل الأمام أبي حنيفة النعمان كان يتحرج ويتجنب الفتوى ورفض أن يتولى منصب قاضي القضاة، وكان عمر بن الخطاب الورع المشهور بالعدل خائفاً عندما تولى الخلافة، كذلك كان أبوبكر وعثمان وعلي، بينما من تولى جوانب من السلطة في مصر بعد سقوط نظام مبارك بادر باقتناء السيارات الفاخرة وتعيين أقاربه وأنصاره في مناصب الدولة العليا وكان منذ أيام قلائل ينتقد نظام مبارك، وهو نقد على حق، ولكن سلوك هذا الناقد على باطل، لأنه فعل مثلما فعل خصمه ونقيضه، وحقاً قال القران الكريم: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ» (الصف: 2-3).

البعد الثالث: الخبث والدهاء الغربي بالدفع ببعض المتطرفين الدينيين في الصراع الديني ومنهم القس تيري جونز ومنهم مفكرون مثله في هولندا والدنمارك وبريطانيا وفرنسا وسويسرا وألمانيا وغيرها ممن أثاروا الشعب ضد الأقليات الإسلامية في تلك الدول، واندفع المسلمون في بلاد المهجر، كما في الأوطان الإسلامية كالثور الهائج ضد سلوك هؤلاء المعادين للإسلام ونشرهم فيلماً يسيء للنبي أو الصور الكارتونية أو محاضرة بابا الفاتيكان في جامعة ألمانية واستخدموا أداة لإذكاء للصراع الديني وهو الأمر الذي جعل الأقليات الإسلامية في بلاد المهجر في قلق وخوف، كما جعل الدول الإسلامية التي هي ضعيفة في ظروفها الراهنة في حالة خوف أيضاً وساعد على تنفيذ المؤامرة الخبيثة بتقسيم الشعوب على أساس ديني والتقسيم الفعلي الذي حدث في العراق على أساس طائفي وبلورة خطط أخرى لتقسيم ليبيا وسورية وربما تقسيم دول أخرى.

هل ندرك أننا نستخدم كأدوات لتحقيق المطامع الاستعمارية الجديدة والمؤامرات الاستعمارية في القرن الحادي والعشرين، وهي مؤامرة ذكية مثل التليفون الذكي والرأسمالية الذكية، تدمر الشعوب عن بعد بأساليب أكثر ذكاء وخبثاً، فنخرب دولنا بأيدينا جهلاً بالواقع، وبالإسلام وبالسياسة، فهل ندرك الأمر بخطة استراتيجية علمية تعبر عن متغيرات العالم المعاصر وتحافظ على دولنا؟ أم نسير كالأعمى في الظلام فندمر أوطاننا متصورين أننا ندافع عن ديننا؟ وإذا كان النبي (ص) انتقده المشركون كثيراً وسجل القرآن الكريم ذلك، ونحن نردد القرآن عبر العصور فماذا يضير النبي الكريم أن يضاف لنقد مشركي قريش ومشركي العرب القدامى أن يضاف نقد آخر من قسيس أميركي نكرة أو متعصب قبطي لأهداف الإقامة في بلاد الأميركان؟ إننا لو فكرنا وأقمنا لنا قوة اقتصادية وعسكرية فإن كل هذا العبث سيذهب، ويأتي الآخرون ليكسبوا ودناً، كما جاء قبائل العرب أفواجاً لاعتناق الإسلام بعد فتح مكة، وسجل القرآن الكريم ذلك في سورة النصر.

وأخيراً هل يدرك العرب والمسلمون الحملة الصهيونية ضد الرئيس الأميركي باراك أوباما؟ وأن الفيلم المعادي لنبي الإسلام هو جزء من هذه الحملة على رغم أن أوباما قدم الكثير من التنازلات والمساعدات لإسرائيل، ولكن الصهيونية العالمية مازالت مقتنعة بأنه يضمر نوايا مختلفة من السياسة في المرحلة الثانية، لو فاز بالرئاسة ولهذا فلابد من حرمانه من العودة للرئاسة ويتزعم هذه الحملة بنيامين نتنياهو بإعلان أن إسرائيل في خطر، وأن وجودها في خطر، وبرزت مراكز الأبحاث والدراسات الأميركية لتنشر دراسة بأن الولايات المتحدة تخطط لشرق أوسط جديد في مرحلة ما بعد انتهاء الوجود لإسرائيل، انظر على سبيل المثال دراسة المركز المسمى Information Cleaning House.

إن كثيراً من الفلسطينيين لا يعرفون أبعاد المؤامرة الصهيونية ضدهم، ولهذا انساقوا في رفض كامب دافيد الأولى وانساقوا في رفض كامب ديفيد الثانية وفي رفض اتفاق طابا العام 2000 الذي كان هدفه إقامة دولة في معظم الأراضي المحتلة لذلك استعدوا الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون الذي عمل بإخلاص لما يحقق السلام بما يضمن المصالح الأساسية للفلسطينيين والعرب وكذلك أيهود باراك الذي كان أكثر اعتدالاً من غيره من قادة إسرائيل. لقد وقع الفلسطينيون في فخ المؤامرة ضدها ولذلك تحول كلاهما ضد العرب وضد الفلسطينيين، إن المؤامرة الجديدة هي إبعاد أوباما من العودة للبيت الأبيض ونشر نتنياهو واللوبي الصهيوني في أميركا. إن وجود إسرائيل في خطر ولابد من الهجوم النووي على إيران وليذهب الشرق الأوسط كله وأميركا للجحيم طالما تم إنقاذ إسرائيل وفي تقديري أن الفيلم المسيء للنبي محمد هو حلقة لضرب الوجود الإسلامي في أميركا وفي أوروبا ولضرب المسلمين في هويتهم ومصدر قوتهم في النفط والغاز وتحقيق المزيد من إخضاعهم والاستيلاء على ثرواتهم، فهل ندرك ذلك لا أدري!

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3668 - الجمعة 21 سبتمبر 2012م الموافق 05 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً