العدد 3668 - الجمعة 21 سبتمبر 2012م الموافق 05 ذي القعدة 1433هـ

50 في المئة من الحل قبل وبعد جنيف (1)

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اثنان من الأصدقاء، أحدهما ذهب لمحل صرافة لشراء ريالات سعودية بهدف التوجه للمنطقة الشرقية لشراء قطع غيار لسيارته، كطبيعة معظم أهل البحرين، لرخصها هناك كما يقولون. فقال له الصراف اعذرني لسوف تدفع 580 فلساً على الألف ريال وليس كما كان سابقاً 500 فلس فقط بسبب هبوط سعر الدينار البحريني، نقطة على السطر.

الصديق الآخر، كان في إحدى شركات المحاسبة الوطنية لاستلام أرباح بعض شهادات الأسهم التي يمتلكها ولم يتسلمها منذ مدة، فقال له الموظف، عذراً ليس هناك أرباح لمعظم الشركات والبنوك التي نتولى مسئولية حساباتها بعد عام 2010 أي عام 2011 ونصف 2012 بسبب ما يحدث في الساحة المحلية الذي أضاف هماً آخر للأزمة الدولية. نقطة ومن أول السطر.

إذا أضفنا لهذين الحدثين البسيطين في الواقع العميقين في التداعيات، مشهداً أعمق لما تكبدته الخزينة من أموال، ربما بلغت 32 مليون دولار، ذهبت هباءً منثوراً على شركات العلاقات العامة الخارجية وليس لتنمية الداخل، ناهيك عن الأموال التي تصرف على الأدوات الأمنية وأهمها مسيلات الدموع، والرصاص المطاطي، وطلقات «الشوزن»، وغيرها من سيارات وآليات أمنية وليس هناك أي إحصاء عنها. ومشهد آخر، كما كشفه أحد الحقوقيين الرسميين أخيراً لإحدى الصحف، من «أن مقر الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان ذي الأربعة طوابق في منطقة السيف يكلف 250 ديناراً يومياً، ويتسلم رئيسها راتباً يقدر بنحو 8 آلاف دينار شهرياً شاملة العلاوات، كما إن الهيئة اشترت أثاثاً جديداً بقيمة 300 ألف دينار من خارج البحرين بينما الموازنة التي تصرف للهيئة سنوياً هي 750 ألف دينار حيث تصرف على الأثاث والرواتب»، لسوف تتضح رؤيا ما يحدث وأسبابه الحقيقية.

أضف لتلك المشاهد، النزيف اليومي للمواطنين المفصولين ومن ورائهم كل أهاليهم بقطع رواتبهم وبذلك لا يستطيعون المساهمة بشكل فاعل في دعم الاقتصاد الوطني عن طريق ضخ الأموال في حركة البيع والشراء في السوق المحلي، من رواتبهم المقطوعة أساساً بل ربما هي تذهب لجيوب أناس لن يصرفوا فلساً واحداً داخل البلد بل ينقلون السيولة لبلادهم مباشرة بالعملة الصعبة. مضافاً لها أيضاً، نثر الامتيازات والعطايا والإغراءات هنا وهناك داخل وخارج البحرين، كما حدث لوعد تونس.

فأمام كل هذا لن يجدي لا مشروع مارشال لسنة ولا لسنوات مقبلة لأن النزف متواصل بلا استراتيجية واضحة في الصرف.

إذن خلاصة الأمر الآنف، يوضح بجلاء أن الأزمة الحالية هي ليست صراع بين مكونات المجتمع البحريني حتى تفرز كل تلك التداعيات وغيرها، بل هي بين سلطة وأطياف المجتمع، وهذا ما يفسر ما حدث في مجلس حقوق الإنسان في جنيف. ولو كان الأمر مجرد خلاف بين مكونات مجتمعية فقط، لما أتعبت الدولة نفسها بإرسال هذا العدد الفضائي ضمن وفدها وهي أصغر دولة تُحاسب في ملفها الحقوقي أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف. وهذا أكبر دليل على أن الأزمة لن تحل بقيام الطرف الرسمي بالتوفيق بين راسين من مكونات المجتمع في الحلال وكفى الله المؤمنين شر القتال.

لو كانت المشكلة بين مكونات الشعب فقط لما قرأنا هذا الخبر على صدر صفحات كل الصحف المحلية والإقليمية، بأن «هناك فريقاً حكومياً ضم جميع الوزارات والمؤسسات والأجهزة الحكومية المعنية بتقرير البحرين المقدم لمجلس حقوق الإنسان وتنسيقاً واسعاً بين الأجهزة الحكومية المعنية بالتقرير».

لو كانت المشكلة بين مكونات الشعب فقط كما يدعي البعض، لما أشار أحد الحقوقيين الرسميين في تصريح لإحدى الصحف المقربة إلى أنه: «لا توجد خطة استراتيجية لحقوق الإنسان للدفاع عن مملكة البحرين في مؤتمر جنيف، مشيراً إلى أن الجهات الرسمية المعنية بالملف ليست في مستوى المسئولية، فالوضع خطير جداً، وأن مؤتمر جنيف قد يمثل كارثة على البحرين».

لقد أثبتت جلسات جنيف بحضور وزيرين، وبما لا يقبل الشك، أن الأزمة هي بين سلطة وقوى مجتمعية معارضة؛ وليس في ذلك عيب في عالم اليوم لنستعرَّ منه. نعم هناك أزمة ويجب حلها حقوقياً وسياسياً وإنسانياً ومجتمعياً بين السلطة وكل أطياف المعارضة الناطقة أو المعارضة الصامتة ضمن نسيج البيت الواحد، بتفعيل الحكمة والعقل بين أفراد هذا البيت بلا غالب ولا مغلوب، بشرط أن نلغي من قاموسنا «سوف».

وقد أكدت مداخلات الدول جميعها في الجلسة أن الأزمة ليست بين مكونات الشعب المختلفة بل بين طرف حاكم وطرف محكوم، وشعب وإلا لما أيدت الحكومة في تقريرها أو أبدت عليه ملاحظات معينة، كما فعلت الدول الأوروبية الأربع مجتمعة (النمسا، بلجيكا والدنمارك وألمانيا) على لسان مندوب النمسا بقوله إنهم: «قلقون من عدم وجود أي تطور على صعيد حقوق الإنسان على أرض الواقع في البحرين، وقلقون بشكل خاص بشأن الأحكام القاسية الصادرة عن محكمة مدنية والتي أيدت الأحكام الصادرة عن محاكم عسكرية ضد عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان، وبدعوة البحرين إلى الإفراج عن جميع هؤلاء المعتقلين بسبب ممارستهم حقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي. ونجدد دعوتنا لعدم التعرض للمدافعين عن حقوق الإنسان المتعاونين مع آليات الأمم المتحدة، والانخراط في حوار ذي مغزى، ونحث البحرين بقوة على استمرار تنفيذ توصيات تقصي الحقائق».

كما أكد الحليف الرئيس للدولة مندوب الولايات المتحدة الأميركية، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشئون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل بالولايات المتحدة الأميركية مايكل بوسنر، بأن الأزمة ليست بين مكونات الشعب حين قال: «البحرين اليوم على مفترق طرق». وبدعوة البحرين مجدداً للمسارعة في تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق والمراجعة الدورية الشاملة بصورة كاملة. كما أنه لم يستمن وجود وفد المعارضة الأهلى في جنيف، بل قال: «وأنا أشجع رؤية مثل هذا التمثيل المتنوع من أفراد المجتمع المدني البحريني هنا اليوم».

كما أشارت للقضية نفسها مندوبة بريطانيا بدعوة السلطات البحرينية إلى العمل بموجب جدول زمني واضح لتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق والمراجعة الدورية الشاملة، ومحاسبة المسئولين عن ارتكاب أعمال العنف، بمن فيهم قوات الأمن. وحقوق الإنسان لجميع البحرينيين يجب أن يتم احترامها على صعيد الممارسة والمبدأ، ونشاطر مندوب النمسا رأيه بشأن الأحكام القاسية الصادرة بحق عدد من المعتقلين.

إلا أن أهم الكلمات التى قيلت في جلسة جنيف وأثبتت بشكل قاطع أُس المشكلة جاءت على لسان رئيس الوفد وزير الخارجية في قوله: «استمعنا إلى مداخلات بشأن توثيق انتهاكات لحقوق الإنسان، وأخرى بشأن ادعاءات التعذيب. لنكن صرحاء، لدينا انتهاكات لحقوق الإنسان في البحرين، ونحن نتعامل معها». والآن هل يمكن القبول بنصف الكأس أو بالكأس مملوءاً بالماء الزلال؟ للحديث بقية.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3668 - الجمعة 21 سبتمبر 2012م الموافق 05 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 4:11 ص

      المطالب هي مطالب وطنية ضرورية لا بد من تحقيقها مهما طال الزمن أو قصر

      لا توجد اي مشكلة طائفية اطلاقا وقد صرفت لها مبالغ كبيرة جدا لاظهارها طائفية وقد فشلت لماذا ؟؟؟ لانها ليست طائفية ؟ فالمشكلة هي سياسية بمرتبة الشرف.

    • زائر 7 | 3:56 ص

      بو علي

      مقالك في شي الحقيقة اولاكن نسيت اوتجاهلت المخربين في شوارع البحرين

    • زائر 6 | 3:46 ص

      يا زائر اربعه

      المخطأ من يفتعل صراع طائفي والمصيب من يقول هم لحمي ودمي المخطأ من يصطف مع هدم مسجد وقتل النفس المحرمه وترويج كذبة الطائفية والمصيب من لا زال يتكلم عن حقوق سياديه يعجز من يدافع عنهم نعتها بعدم المشروعيه

    • زائر 4 | 2:18 ص

      أخطأت

      إنكر وجود الصراع الطائفي كما يحلو لك, ولكن هذا لن يغير من الأمر شيئا. الشيعة يحاولون إعادة الصراع إلى صراع سلطة ومعارضة لإنهم في حالة ثبت صراع المكونات سيخسرون. إذا أردت أن تعرف عن الصراع فإجلس مع سنة ولا تتقوقع داخل أروقة المآتم أو غرف الوفاق وستعلم مدى الإمتعاض السني من أحداث 19 شهرا. إن كنت في شك عن الصراع ونشأته مستعد لإرسل لك صور الشعارات والعبارات وخطب مسجلة من الدوار, وإن ما زلت في إعتقادك فأكتب الجزء الثاني. دكتور ن

    • زائر 3 | 12:51 ص

      الأزمة في البحرين

      من يدعي بان أزمة البحرين هي بين مكونات مجتمعية فهو اما لا يفقه في أمور الحياة وليس في السياسة فقط او انه مقيم في جزر الواق واق وهذه مشكلته هو وحده
      الحركة الاحتجاجية جاءت بمطالب سياسية لتصحيح وضع سياسي معوج يستفيد منه كافة المواطنين ولم يطالب المحتجين بمزايا مقتصرة للطائفة ولكن المعالجة الأمنية وبخبث متعمد اقتصرت على طائفة واحدة فقط من اجل تحييييد المكون الاخر وحل الأزمة ستحمله الايام القادمة بوعي مكونات المجتمع كافة وتجاوز المهاترات الصبيانية والتركيز على المطالب الاساسية

    • زائر 1 | 12:03 ص

      شكرًا لكم

      والله مقالك ف الصميم فهل نرى عاقلا من بيده إصلاح الامور .

اقرأ ايضاً