العدد 3693 - الثلثاء 16 أكتوبر 2012م الموافق 30 ذي القعدة 1433هـ

أجل لدينا فساد... لكن لا يوجد فاسدون!

عيسى سيار comments [at] alwasatnews.com

-

أكدت تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية العتيدة وعلى مدار السنوات الثماني الماضية، أن حجم الفساد في مملكة البحرين بلغ مبلغه إلى الحد الذي بات فيه سافراً بحيث أصبح لا يزكم الأنوف فحسب بل يصيبك بالغثيان أو ربما بالسكتة والعياذ بالله! فقد ارتكب مسئولون المخالفات والتجاوزات الإدارية والمالية جهاراً نهاراً، أي عيني عينك، من خلال هدر المال العام أو الاستيلاء عليه من غير وجه حق أو توظيف أو ترقية من لا يستحق أو توظيف الشخص غير المناسب أو «تطفيش» أو إزاحة المسئولين والموظفين الشرفاء الذين قاوموا الفساد ومغرياته، لأنهم قرّروا الانتصار لوطنهم ومبادئهم.

كل ذلك يتم وبعد مرور عقد من الزمان على المشروع الإصلاحي، وفي ظل برلمان طُعن في رجولته ووزراء فوق المحاسبة التشريعية والقانونية، ومع عدم تحريك دعوى قضائية من الجهات المختصة ضد أي مسئول، على رغم الصيد الدسم الذي يقدّمه سنويّاً ديوان الرقابة المالية على طبق من الألماس!

وهذه الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة؛ لم تنشرها تقارير منظمات الأمم المتحدة المنحازة إلى المعارضة! ولا دول معادية للبحرين تضمر لها الشر! وإنما ديوان الرقابة المستقل التابع إلى الجهات الرسمية، وكنا نتمنى من ديوان الرقابة أن يبرز في تقاريره مسائل مهمة؛ مثل: حجم الفاقد من المال العام المهدر على تنفيذ مشاريع البنية التحتية والمعيشية والحيوية من حيث الكم والنوع، وبالتالي على حياة المواطن وتأثير حجم الفاقد (المهدر) على النمو الاقتصادي السنوي وانعكاسات حجم الفاقد على الاقتصاد الوطني.

إذن إذا كان لدينا فساد بهذا الحجم؛ بحسب ما أظهرته تقارير ديوان الرقابة العتيدة وتقارير لجان التحقيق البرلمانية كثيرة العدد قليلة الفائدة؛ فأين الفاسدون؟ هل هم يعيشون على كوكب آخر؟ بالله عليكم أفيدونا يا أولي الألباب؟.

وحتى تاريخه وكما يعلم الجميع؛ فإنه لم يتم تحريك أية دعوى قضائية واحدة ضد أي مسئول ارتكب مخالفات مالية أو إدارية، وهذا أمر غريب ومريب ونحن نعيش في دولة القانون والمؤسسات. والمواطن يتساءل بحرقة وفي فمه ماء: أين الدستور والقوانين والجهات الرسمية من هذا الفساد الذي أهلك البلاد والعباد، ولسان حاله يقول الشكوى في هذا البلد لغير الله مذلة؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال المشروع الذي يتصدر ألسنة المواطنين ويتداولونه يوميّاً بشكل عام وبعد صدور تقرير الديوان بشكل خاص؛ نود أن نستعرض بعض حالات الفساد الإداري والمالي؛ بعضها قضايا رأي عام، والآخر وصلتني من مواطنين تضرّروا من هذا الفساد العام.

أولاً - إحدى المواطنات كانت تعمل رئيسة قسم الشئون المالية في وزارة خدمية، وهي من الكفاءات المشهود لها علماً وخبرةً في المجال المالي والقانوني، حُوّل إليها موظفٌ من وزارة خدمية أخرى وقامت هذه المواطنة بتدريبه، وبعد أن انتهت من تدريبه قامت بتحديد مهامه في القيام بحسابات المشاريع، إلا أنه رفض القيام بها واكتفى بالقيام بالحسابات البسيطة. هذا الموظف صرف عليه لتدريبه ما يقارب 27 ألف دينار ولم يفلح في دراسته، وعندما رفعت تقارير عن أدائه السلبي وإهماله في العمل وجاهرت بشكواها، قيل لها ان هذا الموظف تربطه علاقة رضاعة مع عائلة المدير! ولما استمرت في الشكوى من أدائه شكلت لجنة تحقيق داخلية للتحقيق معها لم يكن ديوان الخدمة المدنية ممثلاً فيها، وتمت محاصرتها و»تطفيشها» وتهميشها إلا أنها قدمت استقالتها من الوزارة والتحقت بوزارة أخرى. ولم يكتفِ مسئولو الوزارة التي كانت تعمل فيها بذلك؛ بل أرسلوا كتاباً إلى الوزارة التي بدأت العمل فيها مصدقاً من ديوان الخدمة المدنية على أن هذه الموظفة صدرت بحقها عقوبة إيقاف عن العمل لمدة عشرة وخصم من الراتب تم التوقيع عليها من قبل الوكيل في شهر أغسطس/آب 2011، وقمة الفساد الإداري هنا: إن هذا الوكيل صدّق على كتاب الإيقاف قبل صدور قرار تعيينه في منصبه في أكتوبر/ تشرين الأول 2011! ونترك الأمر لأولي الأمر.

ثانياً - إحدى السكرتيرات لأحد المديرين في إحدى الوزارات الخدمية؛ انتقلت مع مديرها إلى وزارة خدمية، وبقدرة قادرٍ تم تعيينها رئيسة قسم على رغم اعتراض ديوان الخدمة المدنية على تعيينها بسبب عدم حصولها على المؤهل الجامعي (تحمل الشهادة الثانوية فقط) الذي يؤهلها لكي ترأس القسم، إلا أن ديوان الخدمة المدنية تراجع عن اعتراضه وبلع لسانه بسبب ضغوط مسئولي الوزارة.

ثالثاً - قضية فساد ألبا – الكوا التي تورّط فيها مسئولون كبار، رفعت فيها قضيتان، واحدة في القضاء الأميركي والأخرى في القضاء البريطاني، وقد طالعتنا الصحف المحلية مؤخراً بأن شركة الكوا وافقت على تسوية الأمر مع حكومة البحرين من خلال دفع تعويض قدره 82 مليون دولار أميركي، ويقال إن حجم الرشا والفساد في هذه القضية يصل إلى مليار دولار أميركي، وعلى رغم كل هذا؛ فإن حكومة البحرين فضلت الصمت على قاعدة «إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب». وحتى تاريخه لم تتم إحالة أي مسئول بحريني إلى القضاء، وكأن لسان حال الحكومة يقول: أجل لدينا فساد لكن ليس لدينا مسئولون فاسدون.

رابعاً - قضية فساد مستشفى الملك حمد الجامعي حيث كانت كلفة المشروع حوالي 18 مليون دينار بحريني، ووصلت بقدرة قادر إلى 120 مليون دينار، والتي على خلفيتها تم إعفاء وزير الأشغال السابق من منصبه في إجراء لايزال يلفه الغموض. وكالعادة تناولت الصحف القضية كل بحسب مصالحه، وثارت حمية نواب الزوابع وشكلوا لجنتهم العتيدة، وذهبت فزعتهم وتقرير لجنتهم - وكالعادة - أدراج الرياح، حالها حال لجنة حصر الأراضي وطيرن الخليج...الخ، ولكن ما مصير هذه القضية؟ ومن المتورط فيها؟ وأين نتائج تقرير اللجنة البرلمانية في هذه القضية؟ ولماذا لم تحرك دعاوى قضائية حتى الآن؟ كل ذلك نتركه لأولي الأمر.

خامساً - الاستيلاء على أكثر من ستين كيلومتراً مربعاً من مخزون الأراضي من غير وجه حق، وهذا الفعل يتساوى في درجة الجرم مع الاستيلاء على المال العام، فأراضي الدولة هي ملكٌ للشعب البحريني، وتوزيع أكثر من ستين كيلومتراً مربعاً على عددٍ من المتنفذين بعدد أصابع اليد؛ أمرٌ خطيرٌ جدّاً، ويتناقض تماماً مع أبسط مبادئ الإصلاح. والتساؤل المشروع: كيف تم توزيع تلك المساحة الكبيرة جدّاً من الأراضي والتي تقدّر بمليارات الدنانير في ظل دولة القانون والمؤسسات؟ وما هو مصير تلك الأراضي بعد أن شكلت الحكومة لجنة وزارية رفيعة المستوى للتحقيق في هذا الاستيلاء الجائر والفاضح على الأراضي العامة؟ وهل أصبح هذا الملف نسياً منسيّاً، حاله حال ملفات الفساد الأخرى؟ نترك الأمر لأولي الأمر.

إن ما ذكرناه من قضايا فساد هو غيض من فيض، فقد نحتاج إلى مجلدات لكي تسع قضايا الفساد في البحرين، ويكفي القول إن البحرين تسجل سنوياً التراجع تلو التراجع على مقياس منظمة الشفافية العالمية، والذي يتكون من عشر نقاط بالنسبة إلى الدول الأقل فساداً والدول الأكثر فساداً، وتحتل البحرين مرتبة أقل من المنتصف. لقد وقّعت البحرين على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد العام 2010 وأنشأت إدارة لمكافحة الفساد بوزارة الداخلية، وهذا أمر محمود، لكننا لانزال نسمع فقط جعجعة مكنة الطحان بالنسبة إلى جهود مكافحة الفساد ولا نرى طحيناً... فمن يرفع الشراع؟

إقرأ أيضا لـ "عيسى سيار"

العدد 3693 - الثلثاء 16 أكتوبر 2012م الموافق 30 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 5:47 ص

      داود

      بسنا فساد شبعنا ... نبي فاسدين ماعندنا

    • زائر 17 | 5:23 ص

      اريد شراء ارض من الدولة 50×50

      لا يوجد طريق لذلك
      لكن مخططات تطلع ملك ناس لا تعلم من اين
      يمصون دم الشعب

    • زائر 15 | 4:42 ص

      نحن من يرفع الشراع معك

      ياأستاذ سيار,عجل الانتفاضه منذو 18شهرا حتى الان على ماذا اليست لمكافحة الفساد والامرالثاني لماذا الاصرار من قبل القيادة بتمسك بالحكومه ولاتنازل عنهاء؟ لوكلف قتل الشعب كله وما تلاحظ في بعض تصريحات منتسبي الجمعيات السياسيه خجوله وتطالب بحكومه محدودة المده,الاء يقول الميثاق او دستور العدل بأن الشعب مصدر السلطات؟.فأذا لماذا تتركون أناس من الشعب تضحي بلغالي والنفيس من أجل ارجاع الحق المنهوب من الشعب؟ فهل هم بس المنهوب حقهم؟أم الجميع عدا المتنفدين؟ ارجوا الاجابه من الاستاذ سيار

    • زائر 13 | 3:16 ص

      مثل مارحتي

      أنا ما قريت الموضوع لأني مستعجل .. بس العنوان يكفي
      واقول بأن هناك تقارير تقول ان المفسدين جائو مع بطل فلم الأطفال الذي اسمه على ما أعتقد ( تي تي) صلحو لي الإسم إذا انا غلطان .. وفسدو وأفسدو وعملوا في البلد فساداً ورجعوا إلى كوكبهم وأبقو فقط ( تي تي ) وعلى هذا الاساس ظهر المثل الشعبي: تيتي تيتي مثل ما رحتي ايجيتي .. وشكراً

    • زائر 12 | 3:02 ص

      بسنا فساد

      الوطن أمانة وبسنا فساد

    • زائر 11 | 3:02 ص

      بسنا فساد

      الوطن أمانة وبسنا فساد

    • زائر 10 | 3:00 ص

      عسكريم - يزيدك من الفساد بيت

      ...
      تصدق؟ قبل شهر صكوا المرحلة الثانوية في إحدى المدارس الخاصة بحجة عدم وجود رخصة للمدرسة التي بدأت قبل أكثر من 15 سنة !!!! بعدها اتضح إن المدرسة مرخصة طبعاً وحتى المرحلة الثانوية كانت اجراءاتها ماشية حسب المعتاد .... اتضح أيضاً ان مسئولاً كبيراً زعل من كشف موظفة سابقة في الوزارة انضمت حديثاً للمدرسة عن فساد في الوزارة. هذا القرار الأ..... وضع الطلاب في مهب الريح بعد شهر ونصف من بدء الدراسة! تصور ؟

    • زائر 9 | 2:42 ص

      العنوان يكفي

      فهوا يتكلم عن فحوى المقال ، ورسالة بالغة المعنى . نريد تعليقها على مباني الوزارات ( ونسخة بالبنط العريض ) على مبنى البرلمان .

    • زائر 8 | 1:59 ص

      تلخيص وضع البحرين

      قوانين شكلية للزينة فقط
      غياب الية تنفيذ القوانين
      غياب المسائلة في جميع انواع الانتهاكات
      تجاهل الكفاءات وأصحاب الشهادات
      دور المحسوبية في التوظيف والتوزير
      أبعاد الشرفاء من مواقع صنع القرار واستبدالهم بالمطبلين
      توجيه التهم وتشويه سمعة كل من طالب بحق
      رعاية الفساد والمفسدين وتوفير كل انواع الحماية لهم
      تأجيج الفتن وتمزيق نسيج المجتمع

    • زائر 7 | 1:29 ص

      أنت بحاجة إلى مجلدات لتدوين أوجه الفساد عندنا.

      وماذا عن قضية بنك الإسكان ومديره السابق وسيارة اللكسز والتي بيعت بدينار له وتم غلق القضية. وماذا عن الفساد المالي المستشري في جامعة البحرين كل هذه المخالفات وردت في تقارير ديوان الرقابة المالية ، الفساد في الوزارات حدث ولا حرج ولو أردت أن تعد أوجه الفساد لاحتجت إلى مجلدات ، لكن السؤال مافاذة تقارير ديوان الرقابة المالية ، هل هو للشو فقط

    • زائر 14 زائر 7 | 3:32 ص

      تصحيح

      أرجو تحري الدقة، فهذا ليس بمزاد والكل يرفع سعره، مدير بنك الاسكان حكم عليه بعشر سنوات وأرجع إبحث في القوقل رجاء - بوعيسى

    • زائر 20 زائر 7 | 8:09 ص

      الحل موجود

      لمواجهة الفساد ان تكون لدينا حكومة منتخبة وبرلمان كامل الصلاحيات وبذلك نستطيع حماية الوطن

    • زائر 6 | 1:13 ص

      ماشاء الله

      والله انكم ياكتاب الوسط اشرف من الشرف

    • زائر 4 | 12:45 ص

      ما هو هذا اللي بط البرمة يا ولد الحلال

      فساد بلا مفسدين وعنصرية بلا عنصريين وغيرها بلا غيريين
      البلد يعج بالفساد وكل انواع.... ولكن لا يوجد مفسد ولا غيره ولا يمكن الكلام بكل ما يعرف ونقول اخربوا البلد واقعدوا على تلتها

    • زائر 2 | 11:59 م

      وحسرتاه

      وجعت قلبي من الصبح اشعر بالالم والحسرة ويسألونا ليش رحتوا الدوار كل هالفساد وتبونا نسكت
      اتمنى تناقش الفساد التربوي الذي تقوم به وزارة التربية التي تضغط على المعلمين والطلبة بمناهج لتطفشهم من التعليم ويبقى الشعب جاهلا

    • زائر 1 | 11:03 م

      الفساد المعنون بعنوان الدين

      دور رجل الدين تقييم الافعال اخلاقيا ان كانت سياسية او في الانشطة و المبادئ الاقتصادية و لكن حين يتحول رجل الدين و المؤسسة الدينية الى مفرخة للفساد.

اقرأ ايضاً