العدد 3697 - السبت 20 أكتوبر 2012م الموافق 04 ذي الحجة 1433هـ

نبوءة عن الحكّام الجدد

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حتى الآن أسفر الربيع العربي عن وصول عددٍ من الحكام «الإسلاميين» الجدد إلى سدة الحكم في ثلاث بلدان متلاصقة في شمال إفريقيا.

المؤكد حتى الآن أن هذه الحركات لم تفجّر الصاعق في الربيع العربي، وإنّما فجّرها جيلٌ شبابي جديد، غير منتمٍ للحركات والأحزاب السياسية القديمة، على اختلاف انتماءاتها وتوجهاتها الفكرية. ما حرّكه هو شيوع الفساد، وانسداد منافذ الأمل أمامه بغدٍ أفضل. والكل يعرف كيف اشتعل هذا الهشيم مع إشعال الشاب التونسي البوعزيزي النار في جسده، احتجاجاً على صفعةٍ من شرطيةٍ في تلك القرية التونسية المنسية.

كان انطلاق الربيع العربي إيذاناً بولادة عصرٍ جديد، يطلب فيه الشباب أوطاناً لا تحكمها الأحزاب والقوى المستأثرة بالسلطة منذ مطلع الاستقلال، ليسود العدل والمساواة والحرية وتطبيق القانون على الجميع.

هذه الدول الثلاث، التي حسمت أمرها مع الأنظمة الدكتاتورية، مازالت في مخاضٍ عسيرٍ قد يطول. فالشعب المكبّل المقموع خرج من قمقمه، متسلحاً بروحٍ جديدةٍ تفرض محاسبة الحكّام الجدد، والتدقيق على تصرفاتهم ومراقبة أدائهم، دون انقيادٍ أو تسليم. وهكذا وجدنا مظاهر الاحتجاج ضد حركة النهضة الحاكمة في تونس، وضد حركة الأخوان المسلمين في مصر، والحكام الجدد في ليبيا.

كل هذه الحكومات تبحث عن كبش فداء، من الداخل أو الخارج، لتلقي عليه تبعات تقصيرها وتخبطها وتعثر سياساتها، لكنها تنسى أن هناك شعباً جديداً أصبحت له أنياب ومخالب للمحاسبة والمساءلة. الحكّام الجدد لن يستريحوا على تخت جمشيد كما ارتاح أسلافهم.

الرؤساء الثلاثة حكموا شمال إفريقيا، ما بين ثلاثين وأربعين عاماً، في فترةٍ من أسوأ فترات التاريخ، وتميّزت بالاستبداد وشدة القمع الداخلي، والاستسلام والهزيمة التامة أمام القوى الأجنبية. وسقوطهم السريع نسبياً كان إعلان وفاةٍ لأنظمةٍ استهلكت وظيفتها التاريخية وانتهى عمرها الافتراضي، فلما هبّت عليها ريحٌ تداعت أركانها في لمح البصر.

هذه الأنظمة كانت ترفع دائماً أرواق اعتماد شرعيتها في وجه معارضيها، فالقذافي كان يستمد شرعيته من انقلابٍ أطاح بالملك السابق، واعتبر نفسه قائداً للثورة. وحسني مبارك كان يستمد شرعيته من مشاركته في حرب أكتوبر كطيّار (وهو شرفٌ شاركه فيه مئات الطيارين). أمّا ابن علي فاستمد شرعيته من الانقلاب على سلفه بورقيبة، واعتبر نفسه قائد حركة تصحيحية كبرى. كل هذه الشرعيات الورقية تداعت واحترقت في الربيع العربي.

إننا على أبواب مغادرة حقبةٍ ودخول حقبةٍ أخرى. الحكّام «الإسلاميون» الجدد في هذه الدول، سيدخلون وستدخل معهم المنطقة العربية في حقبة «إسلاموية» بعد طيّ صفحة الحقبة القومية التي أعقبت الاستقلال، وانتهت بعد أربعين أو خمسين عاماً إلى أنظمةٍ دكتاتوريةٍ فجّة، احتاجت إلى موجة غضبٍ شبابيةٍ عارمة، تصحّح كل تلك الأوضاع الخاطئة الفاسدة.

الإسلاميون الجدد مقبِلون على دنيا جديدة، وينتقلون من السجون والمنافي ومقاعد المعارضة إلى قصور الرئاسة. كل أدبياتهم ونظرياتهم وتنظيراتهم تخضع للامتحان اليوم. قليلو خبرة. ضيّقو صدرٍ بالنقد. مسلّحون بنصوصٍ يعتبرون أنفسهم بموجبها ناطقين باسم السماء. وهناك امتيازات السلطة وإغراءاتها ومفاسدها، التي لا يصمد أمامها إلا قلةٌ كالكبريت الأحمر.

إننا أمام حقبةٍ جديدةٍ، قد تمتد ثلاثين أو أربعين عاماً، يستنفد فيها الحكام «الإسلاميون» وظيفتهم التاريخية وينتهي عمرهم الافتراضي، ليبزغ جيلٌ إنساني معافى، يُعلي من شأن الكرامة البشرية.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3697 - السبت 20 أكتوبر 2012م الموافق 04 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 5:44 ص

      الكرامة البشرية

      هم قليلو خبرة. ضيّقو صدرٍ بالنقد يعتبرون أنفسهم بموجبها ناطقين باسم السماء ، هذا اقتباس من عمودك صحيح كلامك يا استاذ قاسم حسين، اليوم يقول الشباب العربي من مصر ومن دول كثيره سيطر على مقاليد حكمها المتدينون يظنون هم رايهم راي القران وراي الله وراي مطلق لا جدال فيه و لا يسمح لشباب يقولن لا شئء اذا قال شئء قال وقوفك ضدنا يعني انت ضد الله وضد القران او مرتد وصل حالنا بسم الدين والاسلام نقمع كل صوت يعني اسهل شئء تقول هذا الشاب ضد القران يقف معك الكل هذا حلنا اصبحنا مثل القرون الوسطى ايام حكم الكنيسه

    • زائر 11 | 4:53 ص

      طفح الكيل

      هؤلاء الشباب لهم حقوق أذا لم يحصلوا عليها سوف ينتزعونها بالقوة ولن يقبلوا بالفتات كم ا الجيل السابق. وكما قلت سيد هؤلاء جيل جديد. وأعتقد إذا لم يحسن الحكام القدامء والجدد السياسة سرعان ما ستقتلعهم الشعوب.لقد طفح الكيل.

    • زائر 9 | 2:44 ص

      علا رايك

      كلام صحيح ، هناك يحكمون الاسلاميين وهنا يجب ان يحكم الولي الفقيه

    • زائر 8 | 2:02 ص

      الزرع والمزارع ومن زرع حصد

      ليس بسر أن الزراعة في أرض خصبة مع وجود الظروف الملائمة يكون المحصول زين وعدل. فالعدل يقود الى المحبة والمودة والرحمة والوئام وسام فيه والتآلف بين الأنام. بينما زرع العداوة والبغضاء بين الناس لا تقود الا الى العداوة والخصام.
      فهل من زرع الحب كمن زرع بالفتن العداوة والبغضاء سواء؟

    • زائر 6 | 1:43 ص

      إسلاميات مسلم بها

      ليس صعبا لا كنه من المحال أن يكون دموي إسلامي أو إسلام تجاري وغير أصلي.
      فقد لا توجد صلة أو علاقة بين الدم والإسلام الا في حرمة دم ابن آدم وعرضه وماله. وهنا المال ليس النقود ولا العقود لكنه يوجد في أشياء الناس المبخوسة دون إذن ولا علم من الآخرين.
      فهل أباح الإسلام ذبح الدجاج أم يحرم القتل والتعرض والتحرش بسمعة الآخرين؟

    • زائر 5 | 12:44 ص

      طاقات الشباب

      شكرا جزيلا يااستاذ قاسم على هذا المقال الرائع لكن طاقات الشباب يجب ان تستثمر في الاوطان العربية لدوران عجلة التقدم لان الربيع العربي سوف يصل لكل البلدان العربية وخصوصا في الخليج

    • زائر 4 | 12:25 ص

      ابو كرار

      للاسف ابسط الحقوق لاتوجد يعني وظيفه لاتوجد بينما يتم جلب الاميين واعطائهم البيوت والوظيفه والمواطن لا حدث

    • زائر 3 | 12:23 ص

      نعم كلامك صحيح واضيف ان هناك فتيل يشتعل من الشباب

      الشباب طاقات وحماس لا يمكن ايقافه نعم يمكن توجيهه وتصويبه لكن محاولة كبحه خطرة جدا لان الكبح سيولد انفجار ضخم
      قرأت تعليقات لبعض المغردين يقول هؤلاء لا ينفع معهم توجيه ولا غيره وانما ينفع معهم الشوزن لسلخ ظهورهم واقول كفاكم تنظير قمعي فاشل اثبت فشله وسيثبت المزيد من الفشل ومن يجرّب المجرّب فعقله مخرب.
      شباب الوطن بحاجة لحلّ سياسي يحصلوا من خلاله على مجال يبدعون فيه بحماسهم وطاقاتهم البناءة والا فسوف يخسر الجميع بسبب هذا الفكر القمعي

    • زائر 1 | 10:16 م

      حرام عليك يا سيد

      بعد فيها اربعين سنه انتظار يعني ما راح نرتاح الا في القبر.

اقرأ ايضاً