العدد 3698 - الأحد 21 أكتوبر 2012م الموافق 05 ذي الحجة 1433هـ

المثقف «العضوي» والمثقف «النفعي»

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

«المثقف العضوي» هو أهم مؤلَّف كتبه المثقف اليساري جرامشي، وتُرجم إلى عدة لغات ومنها العربية. وقد كتبه في السجن في عهد الحكم الفاشستي لبنيتو موسوليني، والذي ذهب إلى مزبلة التاريخ، وبقي جرامشي حاضراً في قلوب البشرية وضميرها.

ترتكز رؤية جرامشي في دور المثقف التقدمي بأن يكون ذات ثقافة شاملة تلمّ بقضايا شعبه وقضايا البشرية الكبرى، وأن يجمع النضال الفكري بالنضال العملي الميداني. وقد جسّد جرامشي ذلك بفكره التجديدي في الماركسية من خلال الممارسة العملية، ونشط في صفوف المقاومة ضد الفاشستية، لكنه قُتل في السجن قبل أن يرى ثمار نضاله ونضال المقاومة الإيطالية، حيث شُنق موسوليني وتحرّرت إيطاليا من حكمه الفاشستي لتؤسس لديمقراطيةٍ راسخةٍ حتى الآن.

في وطننا العربي الكبير هناك عددٌ من المثقفين العضويين، ولا أريد أن أذكر أسماء حتى لا أبخس آخرين حقهم، وبفضلهم اليوم يزدهر الربيع العربي في كل هذه البلدان في الوطن العربي، حيث إنه لأول مرة في تاريخنا المعاصر تنبثق ثورات وانتفاضات ذاتية فجّرها وقادها الشباب العربي، وتشارك فيها النساء بكثافة، وينخرط فيها بحماس مثقفون تخلوا عن امتيازاتهم وخاطروا بحياتهم، ونشروا فكرهم خارج القفص الرسمي، وفي الفضاء الإلكتروني الرحب. ينزلون إلى الساحات والمسيرات ويتعرّضون للقتل والتعذيب والاعتقال والفصل من العمل والملاحقة حتى النفي، لكنهم صامدون ومستمرون.

وعلى الضد من ذلك، ففي حمأة الصراع الذي اجتاح الوطن العربي منطلقاً من تونس، فقد كشف الكثير من المثقفين عن جوهرهم الانتهازي النفعي. هؤلاء «المثقفون» المتخدلقون عاشوا في الضبابية والتمويه والحذلقة الفكرية، مبرّرين دائماً عدم انحيازهم لشعوبهم وقضاياها بخصوصية المثقف، واستقلالية المثقف، وعدم تسييس الثقافة... لكنهم في الواقع كانوا يسهمون في تكريس الواقع الآسن الفاسد الذي ثارت عليه الشعوب.

وعندما احتدم الصراع كشفوا عن جوهرهم، وتحوّلوا إلى أبواق للسلطات، ومنفذين لمخططاتها. رجعوا إلى جوهرهم كمستَخْدَمِين لا أكثر، أو على حد قول علي الوردي «شعراء بلاط»، وأضحوا ممن يحرّضون السلطات ضد رفاقهم من المثقفين والأدباء والفنانين، ويشيعون الكراهية، ويستنفرون الطائفية والقبلية، ويروّجون لأكثر القيم تخلفاً مثل طاعة الحكام، والولاء القبلي والطائفي، ويبرّرون أكثر الممارسات استبداداً ووحشية، مزيّنين الاستعباد مقابل الحرية، والاستبداد مقابل الديمقراطية، والتبعية مقابل الاستقلال.

المثقفون النفعيون يشعرون في أعماقهم بالدونية، ولذلك فهم في هياجٍ ممن يشعرون وينادون بقيم العزة والكرامة. ويستكثرون على شعبهم مطالبته بالحرية والمساواة والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. إنهم يريدون أن يجرّوا الآخرين إلى مستنقعهم الآسن... ولكن هيهات فالشعوب العربية خرجت من قمقم الاستكانة إلى فضاء الحرية.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3698 - الأحد 21 أكتوبر 2012م الموافق 05 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:17 ص

      أخوي ابو منصور

      اكول يا خوي بومنصور خذني على كد فهمي حاولت ان اعرف معنى المثقف العضوي والمثقف النفعي وبالقوة تبين لي ان المثقف العضوي هو إلي يستخدم أعضائه هو فقط اما المثقف النفعي إلي يستخدم أعضاء غيره وعرفت هالحقيقة من كلمة كلتها المار كسية قلت في نفسي اكيد ابومنصور يقصد هالمعنى

    • زائر 3 | 12:55 ص

      تعال لاعلمك العلم لتأكل به اللوزينج

      اللوزينج هو نوع من البقلاوة او الحلاوة التركية وقد جاء على لسان احد المعلّمين السابقين انه يقترح على احد متعلميه ان يعلمه العلم لكي يأكل به اللوزينج ويعني ذلك ان الهدف من تعلم هذا هو فقط لكي يحصل على مردود مادي دون النظر الى افادة الناس والبشرية من علمه.
      لذلك هؤلاء المثقفون وامثالهم انما يتعلمون ويستغلون ما منحهم الله من قدرة على التعلم الى نفعهم الخاص فقط وجيبهم الخاص وبذلك يتخلّون عن كل المباديء والقيم. من هنا امرنا الله في كل شيء ان يكون الهدف قربة الى الله تعالى

    • زائر 1 | 11:52 م

      باعوا أنفسهم بابخس الاثمان

      ما ترى في مثقف ومفكر أعطى له من الاراضي ما تبنى عليها مدينة ومن المال ما
      يشبع بطون الالاف من فقراء الوطن واعطي له لقب وز... ومن أفراد عائلته مثله
      رايته يمشي بل رضي ان يمشي خلف الموكب الرسمي ينظر الى الارض ويصافح
      من يعلم انهم على غير ما يرضي الحق والذوق والقيم وقد بلغ من العمر عتيا
      ومن مثله في كل حقل ومجال من مجالات الحياة في التجارة والرياضة والفن والتعليم والدين وووووو
      لكن ثق بان هؤلاء لايخلفون لا بنائهم سوى العار العار

اقرأ ايضاً