العدد 3709 - الخميس 01 نوفمبر 2012م الموافق 16 ذي الحجة 1433هـ

النهج الجديد لدبلوماسية «مجلس التعاون» كتعبير عن القوة الناعمة الصاعدة (2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

ونتساءل ما هو الدافع لحدوث التغيير في الدبلوماسية الخليجية التي عرفت تقليدياً بأنها دبلوماسية هادئة وناعمة وتميل للتوافق وليس للتعبير القوى عن المواقف؟

إن ذلك في تقديري مرجعه ثلاثة أمور:

الأول: اختلاف منهج التربية والنشأة الخليجية للجيل الخليجي الجديد من الدبلوماسيين عن التكوين المهني وظروف النشأة للجيل الأول الذي كانت تسود تصرفاته قدر كبير من البساطة والبعد عن اتخاذ مواقف قوية بصورة علانية، والسعي للوصول إلى توافقات من وراء ستار. وربما كان ذلك انعكاساً لطبيعة الأحداث في تلك الفترة والشخصيات التي برزت على الساحة، وأذكر أن عميد الدبلوماسية المصرية طوال أكثر من نصف قرن منذ قيام ثورة 23 يوليو، محمود فوزي، كان نموذجاً واضحاً للدبلوماسية الهادئة، ثم سار على نهجه أحمد عصمت عبدالمجيد فيكاد المرء يرصد أن كلاهما كان يعد على أصابعه عشر مرات قبل أن ينطق بكلمة. وأيضاً السفير جمال نجيب وهو من تلاميذ محمود فوزي، وقد تشرفت بالعمل معه فكانت له حكمة عندما كان يجد مني كدبلوماسي شاب بعض الاندفاع في التعبير عن آرائي، فيقول: «اكتب ما تشاء ثم احتفظ به ليوم أو يومين، ثم أعد قراءته بتروٍ، وبهذا يمكنك تجنب المزالق».

وبعد ذلك ببضع سنين عملت في مكتب عصمت عبدالمجيد عندما كان نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للخارجية، وكتبت مقالاً نشر في مجلة «الأهرام» الاقتصادي آنذاك انتقدت فيه السياسة الخارجية المصرية وبعض أعضاء وزارة الخارجية، كما انتقدت منهج محمود فوزي في العمل الدبلوماسي، وقرأ عصمت عبدالمجيد المقال ولم يعلق، وعندما اشتكى بعض أعضاء الوزارة ضدي، اضطر للفت نظري بطريقة هادئة فعرضت عليه أن أتوقف عن الكتابة في الصحف، فقال: لا، اكتب ما تشاء، ولكن أعد قراءته في اليوم التالي لكي تتعرف على كل أبعاده وآثاره. فاقترحت عليه أن يقرأ المقال قبل نشره فرفض، وقال اكتب ما تشاء.

وفي مناسبة لقاء فكري مع محمود فوزي في اجتماع حضرته مع السفير جمال نجيب وأستاذ العلوم السياسية بهجت قرني في حوار لأكثر من ثلاث ساعات، كنت مستمعاً جيداً آنذاك معظم الوقت، واقترحت بإلحاح عليه نشر مذكراته، ولكنه أبى واستعصم. ومن وجهة نظري أنه أضاع على تاريخ وأجيال الدبلوماسية المصرية والعربية معرفة الكثير من أسرار العمل العربي والمصري خوفاً من عواقب نشر ما يعرفه، ربما نتيجة الحكمة اليابانية التي تعلمها عندما عمل دبلوماسياً شاباً في اليابان.

الثاني: إن جيل الشباب الدبلوماسي في البحرين والإمارات تعلم في الخارج، ولذلك اختلف منهج تفكيره عن المنهج العربي التقليدي، وتأثر بمنهج الدبلوماسية الأميركية التي تصدر الكثير من التصريحات في مختلف المواقف، وهي دبلوماسية أكثر علانية وقوة وإقداماً من غيرها من الدبلوماسيات التقليدية التي سادت في القرنين التاسع عشر والعشرين، ولذلك وضعت قضية حقوق الإنسان في مقدمة أولوياتها منذ عهد الرئيس جيمي كارتر في السبعينيات، كما وضعت في أواخر القرن العشرين قضية معاداة السامية في تقاريرها، ثم قضية الديمقراطية، والتغيير السياسي في العالم، ابتداءً من أوروبا الشرقية إلى الشرق الأوسط الكبير، غير عابئة بما يوجهه الآخرون من نقد لها.

إن الدبلوماسية الأميركية تعبر عن مصالح وعن نهج معين، ولا تهتم كثيراً بردود فعل الدول الأخرى. هذا النهج الدبلوماسي أثّر في فكر ومنهج الدبلوماسية الخليجية الصاعدة من خلال الجيل الدبلوماسي الجديد الذي أشرت لنماذج منه.

الثالث: بروز القوة الصلبة الخليجية في الأمن والدفاع إزاء التحديات والتهديدات الإقليمية والدولية إذ شعرت الدول الخليجية، بأنه ما لم تكن لديها دبلوماسية مقدامة وجريئة تساير صعودها الاقتصادي والمخاطر الأمنية والدفاعية التي تهددها، فإن ذلك يمثل مصدر ضعف، ويقلّل من مصداقية ذلك الصعود. لقد تحوّلت الدبلوماسية الخليجية منذ أواخر القرن العشرين، وبصورة أكثر وضوحاً مع بداية القرن الحادي والعشرين إلى ما أسميه بالدبلوماسية المناضلة Militant Diplomacy أنها صاحبة قضية وعليها أن تنشط بكل الطرق، ومختلف الوسائل للتعبير عنها، وهذا ينطبق بدرجة أكبر في هذه المرحلة على الدبلوماسية البحرينية من غيرها من دول الخليج، كما أنه انطبق في التسعينيات على الدبلوماسية الكويتية في مواجهة الغزو العراقي للكويت. إن هذا كان منهج الدبلوماسية المصرية والعربية بعد ثورة 23 يوليو 1952 وعلى الأخص بعد العام 1967 لمواجهة آثار الهزيمة المنكرة والعمل من أجل تحرير الأراضي المصرية والعربية التي تم احتلالها آنذاك.

تلك بعض ملامح التغيرات في منهج الدبلوماسية الخليجية وفي أسلوب عملها وفي تنوع مواقفها دفاعاً عن قضاياها والتحديات المعاصرة التي تواجهها.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3709 - الخميس 01 نوفمبر 2012م الموافق 16 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً