العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ

"حقرصة المزاج"

تعكير المزاج، أو كما يسميه البعض في الخليج "حقرصة المزاج" مشكلة الكثير من الناس خلال حياتهم. والأشخاص تتعكر أمزجتهم لأسباب مختلفة، بعضها مقبول وبعضها ناشئ بسبب إفراط الأشخاص في النظر إلى "حقرصة" المزاج. وهناك أسباب شخصية للحقرصة تهم شخص دون آخر، بينما هناك " حقرصة" مزاج عامة. فبعض الأشخاص يتعكر مزاجه لسماع صوت معين أو بسبب الاستماع لصوت السكين أثناء قطع الأجسام الخشنة، أو أي شيء آخر لا يؤثر سوى على شخص واحد فقط دون غيره. والشخص الذي "يحقرص" مزاجه لسبب ما، ربما كان من الأفضل له أن يخفي ذلك الأمر لكي لا يستخدم ضده عندما يريد شخص آخر أن يلعب بأعصابه.

وهناك طبعا ما يسمى "بالدلع"، وهو عندما يدعي شخص انه لا يستطيع القيام بعمل ما لان مزاجه يتعكر. وهناك رواية خرافية توضح هذه الحالة، وتقول أن شخصا تزوج من امرأة، إلا أن المرأة كانت ترفض دخول المطبخ لطهي الطعام لان مواجها "يتحقرص" من سماع أصوات السكاكين وأصوات أواني الطبخ وكان زوجها المسكين يذهب لمزرعته ويعمل ثم يرجع يطبخ له ولزوجته التي لا تستطيع بسبب حقرصة المزاح – أن طبخ له. غير أن الزوج المسكين فوجئ عندما اكتشف أن زوجته تتعامل مع آخرين يمتهنون سرقة أكفان الموتى. يعني سلب الأموات أكفانهم ثم المتاجرة بها من خلال بيعها كأقمشة أو تخطيها وتبيعها كثياب!

تعكير المزاج له واقع مقبول لدى أكثرية الناس، ولذلك فإن التحضير يعني أيضا أن الإنسان يظهر بمظهر لائق ورائحة طيبة وحديث يبعث النور في فكر الإنسان. فالإنسان لو ترك نفسه دون رعاية فإن منظره سيبعث على الإزعاج، ورائحته ستهرب منها الحيوانات قبل البشر الآخرين، وحديثه سيكون مملوءا بالسخافات، ومسلكه بصورة عامة "سيحقرص" المزاج، وسوف يحاول الآخرون الابتعاد عنه وعدم التقرب منه من قريب أو بعيد.

قيل أن حاتم الطائي كان لديه أخ ولكنه على النقيض منه في الكرم. فقد كان بخيلا بعكس حاتم، وكان الناس يقبلون على أخيه ويبتعدون عنه. وذات مرة حاول أن يقلد آخاه لكسب الناس إليه، إلا أن أمه التفتت إليه قائلة: لا تتعب نفسك كثيرا، فعندما كان أخوك رضيعا وكان يشرب الحليب من الثدي كان ينظر حوله وإذا رأى طفلا آخر رفض أن يشرب من الثدي حتى أقوم أولا برضع طفل القريب منه. أما أنت فقد كنت تضع فمط بقوة على الثدي وتضع يدك على الثدي الآخر لكي تتأكد ا ناي طفل آخر لن يشاركك الحليب. فلا تتعب نفسك كثيرا، لأن طبعط يختلف عن طبع أخيك.

فالمسكين اخو حاتم الطائي كان "يتحقرص" مزاجه كلما رأى إقبال الناس على أخيه، ولناس "تتحقرص" أمزجتهم من سلوكه. ولذلك فإنه يلجأ لامتهان مهنة "حقرصة" مزاج الآخرين لأنها وسيلة انتقامية سهلة كثيرا.

إذن، "حقرصة" المزاج نوعان، نوع بيولوجي يخص الإنسان وتركيبة خلاياه وبالتالي فان كل شخص قد يتعكر مزاجه من أحد الأشياء. وهناك نوع اجتماعي يتعلق بالمرء وعلاقته بالآخرين. وربما ان أكثر تطبيق عملي "لحقرصة" المزاج هي كثير من الصحف ووسائل الإعلام في بلداننا. فكل يوم يفتح المواطن الصحيفة ليشاهد نفس الصورة لنفس الشخص. وعندما يقرأ الأخبار لا يقرأ سوى زيارة هذا الشخص (المهم جدا) لأخيه (المهم جدا أيضا) والتقاء الأخير باثنين من أبنائه (المهمين جدا للمستقبل)، وقيام الأبناء المهمين بافتتاح مدرسة أو مؤسسة أو شركة، وقيام إدارة تلك الشركة أو المدرسة بتقديم الشكر والثتاء على القيادة الرشيدة التي تظهر كل يوم على الصحافة وهي تبتسم ابتسامات "تحقرص" المزاج كثيرا.

هل هناك حل "لحقرصة" المزاج؟ ربما أن هناك حلولا وحلولا، ولكنها قد تصلح للبعض وقد لا تصلح للبعض الآخر. فبعضهم يلجأ "للمخدرات" لكي "يعدل مزاجه"، والبعض الآخر "يسطل بطنه" بالخمر لكي ينسى قليلا و"يعدل مزاجه" والبعض الآخر يصم أذنه، ويغلق عينه، ويحجب خشمه، والبعض الآخر ينتحر ويتخلص من "حقرصة المزاج"... الخ.

أما البعض الآخر فيحاول أن لا يفقد عقله أو إحساسه أو أعصابه، ويعتبر أن ما يواجهه من "حقرصة" مزاج تحد مطروحة أمامه. وان هذا التحدي وجد لان هناك مجال له أن يوجد، والتعرف على أسباب "حقرصة" المزاج يساعد الإنسان على الصبر ومواجهة تلك الأسباب للتخلص منها لكي يعيش حياة هانئة دون الحاجة للركون للمخدرات، أو للانتحار، الخ.

ربما يساعد هذا الكلام من الناحية الاجتماعية، أما من الناحية البيولوجية فقد يختلف الأمر. وبما أنني لا افهم في البيولوجيا، وعندما حاولت استطلاع الأمر من هذه الناحية بدأ مزاجي "يتحقرص" وشعرت بان أعصابي بدأت تتوتر، وقررت أن ابتعد عن تحليل الموضوع بيولوجيا لإنقاذ نفسي وإنقاذ القارئ من احتمال حقرصة" المزاج، خصوصا عندما تذكرت احد الأشخاص الذي كان يقول (وربما يدعي) أن سماعه لصوت قلم الحبر أثناء الكتابة "يحقرص" مزاجه كثيرا. ولله في خلقه شئون?

العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً