العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ

الانتصار على الروتين يحتاج للإبداع المستمر

تقول أحدى النظريات أن الإنسان يبذل الجهد ويعمل لتحقيق 80 في المئة من العمل المطلوب خلال الـ 20 في المئة من الوقت المحدد لأداء العمل، بينما المتبقي. مثلا، لو قلنا ان إصدار مجلة يحتاج إلى جهود تستمر عشرة أيام، فانك ستلاحظ أن 80 في المئة من المجلة يتم إنتاجه خلال يومين، بينا يتم إنتاج الـ 20 الباقية خلال ثمانية أيام. والحديث عن الـ 80 في المئة والـ 20 في المئة، ما يوضح أصحاب هذه النظرية، حديث تقريبي بمعنى أن الثمانين في المائة قد تكون شعبين أو تسعين في المئة والعشرين في المئة قد تكون عشرة أو ثلاثين. فالاتجاه العام في العمل وبذل الجهد يؤكد أن الأعمال (عادة) يتم إنتاجها في أقل الأوقات المحددة للعمل. والباذلون للجهد يمططون العمل القليل المتبقي لملء ما تبقى من الوقت، والحديث عن الـ 80 في المئة والـ 20 في المئة تراه يتكرر في العديد من النظريات والدراسات الأخرى.
إحدى الدراسات التي أجرتها شركة فورد لصناعة السيارات تقول ان ثمانين في المئة من الوقت الذي يقضيه المهندس يتم استهلاكه في جمع المعلومات وإعادة صياغتها ولا يمارس المهندس مهنته في حل المشكلات وتطوير المشاريع الهندسية إلا بمقدار 20 ي المئة من الوقت. الثمانون في المئة والعشرين في المئة في هذه الدراسة تختلف عن الـ 80 في المئة والـ 20 في المئة المطروحة في نظرية بذل الجهد، ولكنها في الوقت ذاته تتشابه في المعنى.
ننتقل إلى دراسة أخرى أجرتها شركة الاستشارات الإداريةـ ماكينزي. تقول هذه الدراسة ان ثمانين في المئة من تكاليف المشاريع يتم أقررها خلال الفترة الأولى من بداية المشاريع. وهذه الفترة الأولى لا تتعدى تكاليفها العشرين في المئة، ومع ذلك فهي تقرر مصاريف الثمانين في المئة من التكاليف المتبقية. وهنا تتضح أهمية القرارات هي التي تحدد ما سيقوم به الآخرون الذين سيشرعون في التنفيذ.
ننتقل إلى حديث لأحد الأطباء الذي يقول بان أكثر من ثمانين في المئة من الأكل والشرب الذي نلتهمه يوميا ينتهي إلى مواد وفضلات لا يحتاجها جسم الإنسان.
ومن هنا ننتقل إلى الحديث عن أن 70 – 80 في المئة من البترول الذي نملأ سياراتنا لا تستفيد منه ماكنة السيارات ويتم حرقه وأخراجه خلف السيارات ويتم بذلك تلويث البيئة بالمزيد من ثاني أوكسيد الكربون، وينطبق الحديث على مصانع توليد الطاقة التي تحرق معظم الوقود وترميه في البيئة بدلا من إنتاج الطاقة.
بالنسبة للنظرية المذكورة في البداية، فان العديد من الاطروحات تحاول إصلاح الخلل. فقد يكون من الأفضل أن نطلب من الموظفين، مثلا، ان يبقوا في منازلهم وأن لا يحضروا إلى مكاتبهم إلا عند الحاجة. وبالتالي فإن الأشخاص سيرتاحون نفس المعاش وستقل حركة المواصلات وسيقل التلوث وستقل مصاريف المكاتب والخدمات المطلوبة لرعاية العاملين والموظفين في المصانع والمكاتب. ولكن هذا الحل ليس سهلا. لأننا نحتاج لتواجد الخبرة في أوقات قد لا نستطيع تحديدها. بمعنى، إننا نحاول تغطية المتطلبات غير المتوقعة والتي قد تحدث في أي وقت. غير أن هناك محاولات وتجارب لتطبيق هذا المفهوم. فمثلا شركة الاتصالات البريطانية وفرت المعدات المطلوبة لعدد من العاملين على جهاز البدالة لكي يبقوا في منازلهم ويقوموا بنفس الدور الذي كانوا سيقومون به فيما لو ذهبوا إلى المكاتب.
هناك من يقول انه مع استمرار هذه التجارب ونجاحها فقد ينتهي "عهد المكتب" في العقود القادمة. وسوف يتحول المكتب إلى ناد للالتقاء وشرب الشاي والقهوة والتعارف ومواصلة الأعمال التي ينبغي للإنسان القيام بها من المكتب "النادي". وفي المستقبل، قد لا تكون هناك مكاتب مخصصة للرؤساء وغيرهم، لإنهم لا يحتاجونها كثيرا، وقد تكون المكاتب مشتركة بصورة من الصور. وفي هذه الحالة، فإن الإنسان بحاجة لمساعدة تقنية المعلومات التي تسعفه عند الحاجة للمعلومات. وتزداد طاقة الإنسان الإبداعية من عشرين في المئة إلى أكثر من ذلك وقد تصل إلى مئة في المئة، بينما يترك الكمبيوتر لملاحقة وتجميع وتلخيص المعلومات. وهناك خدمات وبرامج كمبيوترية موجودة حاليا تسمى "Agent" أي "العميل" لتقوم بجزء من هذا الدور.
هذا "العميل" الكمبيوتري يستلم الأمر من الإنسان ويقوم بعملية جمع وتلخيص وتقديم المعلومات. فمثلا لو أراد شخص ما التعرف على موضوع معين، فإنه يأمر "العميل" أن يذهب إلى جميع المعلومات المتوفرة في الكمبيوتر والانترنت ويجمعها ويلخصها ويجلبها للشخص. وفي الوقت ذاته، فإن الشخص يكون مشغولا في التطوير والإبداع في مجال أخر (بينما يكون العميل الكمبيوتري يجمع ويلخص ويتعامل مع الأمور الروتينية).
الحديث مترابط في جميع الأحوال. فالأشخاص الذين يتم تفريغهم من العمل الروتيني أكثر إبداعا. والأشخاص الأكثر إبداعا يستطيعون اتخاذ قرارات عملية وذكية في بداية المشاريع (التي تتحدث عنها شركة ماكينزي). ومن أجل ضمان عدم توريط الأشخاص الآخرين المشتركين في تطوير وتنفيذ المشاريع، فإن الفريق الذي يبدأ العمل باستطاعته اليوم الاستفادة من التكنولوجيا لجمع آراء الجميع واشتراكهم بصورة فعالة في اتخاذ القرارات وتنفيذ البرامج. والمشاركة هذه هي الأساس في إنجاح الأعمال بمختلف أنواعها. والمشاركة هي الداعم الرئيسي للممارسة الديمقراطية في مختلف مجالات الحياة.
أما بالنسبة للأكل الكثير الذي لا نستفيد منه كثيرا فليس له حل شامل لحد الآن. فحتى لو كررنا المأثور "قم من الأكل وأنت تشتهيه" آلاف المرات فإننا أول من ينهزم أمام الأكل والشرب. والمثل البحريني يقول "مقابل جيش ولا مشاهد عيش"، بمعنى أن الإنسان لديه استعداد أكبر للصبر في المواجهة العسكرية من استعداده للصبر أمام مائدة الطعام. وعليه فليعذرني القارئ لعدم استطاعتي الحديث أكثر في هذا الموضوع، غير الإشارة إلى أن الذين يحسنون تناول الطعام هم الذين ينعمون بالجسم السليم والعقل السليم أكثر من غيرهم. ونسأل الله أن يوفقنا جميعا لعدم ملء بطوننا بكل ما نصطدم به يوميا.
وختاما، فإن السيارات والمصانع التي تلوث البيئة أثناء تشغيلها هي الشغل الشاغل للمتخصصين الذين يعملون على تكثير نسبة إبداعهم من العشرين في المئة الحالية. والنضال والإبداع مستمر حتى الانتصار على الظروف وعلى الروتين.

العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً