العدد 3769 - الإثنين 31 ديسمبر 2012م الموافق 17 صفر 1434هـ

من شعراء الثورة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم يكن الشعراء العرب كلهم مداحين ولا متسلقين ولا مطبلين، بل كانت هناك نخبة منهم حملت راية الرفض والاحتجاج على الأوضاع السياسية المعوجة في الدولة الإسلامية منذ القدم.

كان الشاعر يقوم بوظائف الاعلام الرسمي في هذا الزمان، يدافع عن الحكم ويبرّر أخطاءه ويسوّق سياساته ويدفع بوجه معارضيه، تفنيداً وتشويهاً، ويقبض بالمقابل صُرراً من الدراهم والدنانير المقتطعة من المال العام.

كثيرٌ من الشعراء كانوا يعملون خَدَماً في القصور، وقليلٌ منهم من انحاز إلى الحق وسلطة الضمير، ومن بين هؤلاء دعبل الخزاعي، الذي ارتبط اسمه إلى الأبد بالإمام الرضا (ع)، ثامن أئمة أهل البيت النبوي الشريف.

ولد دعبل في الكوفة العام 148 هـ، في بيت متمرس بالشعر، فجده وأبوه وعمه وبعض إخوانه من الشعراء، ومن هذه البيئة تشرب الشعر، ولم يُظهر نتاجه إلا بعدما استجاده أحد شعراء زمانه. وكان محباً للتنقل والسفر، فسافر إلى الحجاز وخراسان وعاد العاصمة بغداد أيام مجدها وعنفوانها وسلطة خلفائها، فاختلط بالشعراء والكتاب والأدباء، فأغنى تجربته الشعرية.

في تلك الفترة، نحو المئتين للهجرة، كانت الدولة تشهد حركة الترجمة من الثقافات الأجنبية، وتعج بأكثر من 15 مدرسة فقهية، أقرت السلطة العباسية بعد قرنٍ، أربعة منها كمذاهب رسمية، في الوقت الذي كانت تواجه عدداً كبيراً من الحركات الثورية على أطرافها. وكانت هذه المدارس والحركات تحتاج إلى الشعراء لينافحوا عنها ويتكلّموا بلسانها كما يفعل التلفاز هذه الأيام. وكان دعبل في الجانب الآخر المعارِض، فانتقد ابن الزيات، وكان وزيراً شديد الوطأة، وهجا الخليفة المأمون نفسه، وأخذ يذكّره بدور قبيلته (خزاعة) في القضاء على أخيه اللدود الأمين وتنصيبه مكانه، بقوله:

إني من القوم الذين سيوفهم....

قتلت أخاك وشرّفتك بمقعد

وكما ألف القصائد في هجاء الحكام، ألّف أخرى في مدح أئمة البيت النبوي ودعم طروحاتهم وتوجهاتهم، رغم ما كانوا يتعرضون له من حصار ومضايقات وملاحقات، فكانت هذه القصائد القوية النابعة من إيمان، تتردّد على ألسنة الأصدقاء والأعداء. كما ألّف في الشعر والأدب والتاريخ، وترك كتاباً مرجعياً بعنوان «طبقات الشعراء». وحين سمع المأمون إحدى قصائده في مدح أهل البيت قال: «إن دعبل وجد والله مقالاً ونال ببعيد ذكرهم ما لا يناله في وصف غيرهم»، وهي رؤية أثبت التاريخ صحتها، فقد خلدت هذه القصائد اسمه عبر العصور.

من أروع هذه القصائد الخالدات، «مدارس آيات خلت من تلاوة، ومنزل وحي مقفر العرصات»، التي تُطربنا وتُحزننا بعد كل هذه القرون، حيث يستعرض ما تعرّض له أبناء الرسول من نكبات. وقد تلاها لأول مرةٍ على الإمام الرضا (ع) في خراسان، عام 198 هـ:

ديار عفاها جورُ كل منابذٍ...

ولم تعفُ بالأيام والسنوات

ديار رسول الله أصبحن بلقعاً...

وآل زياد تسكن الحجرات

فلما أتمها قال له: يا خزاعي، لقد نطق الروح القدس على لسانك.

ظل دعبل بعد المأمون ينتقد الخلفاء العباسيين غير الراشدين، وينشد كلما هلك أحدهم: خليفةٌ مات لم يحزن له أحد. وآخر قام لم يفرح له أحد. عاش حياة مديدة، وكان يقول: «إني أحمل خشبتي على ظهري منذ خمسين سنة لست أجد أحداً يصلبني عليها». ومات مسموماً بحربةٍ على ظهر قدمه، ضربه بها رجلٌ استٌؤجر بعشرة آلاف درهم، في دسيسةٍ لأحد الولاة.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3769 - الإثنين 31 ديسمبر 2012م الموافق 17 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 12:39 م

      الله يرحم و الديك

      ذكرتني بشاعر الشنطة الحلواجي ما هي اخبارة مناسبات عديدة لم نسمع لة شعراً

    • زائر 11 | 5:45 ص

      سنابسيون

      شعراء اليوم حتى المتردية والنطيحة يمدحوها لكن الغبي اللي يصدق ان صفات المدح تخصه وهو على النقيض من ذلك ،ما ادري هو غبي لو الشاعر الللي يمدحه هو الغبي

    • زائر 13 زائر 11 | 6:15 ص

      اثنينهم

      اثنينهم يا خوك واتلم المتعوس على خايب الرجا

    • زائر 10 | 2:40 ص

      من الشعراء العصر الحالي رحمة الله عليهم

      عطية الجمري و بن فايز و حسن الدمستاني وهاؤلاء يتفنن بهم الخطباء على المنابر في جميع الدول العربية في رثاء الحسين ع ومقتله ومقتل اولاده وانصاره وتجدد الكلمات والاشعار عام بعد عام فهنيئا لهم

    • زائر 9 | 2:33 ص

      قبل

      طلع قبل التشيع أوبعده

    • زائر 14 زائر 9 | 8:19 ص

      التشيع وجد قبل التسنن يا صاحبي

      سؤالك ليس في محله والتشيع موجود من أول يوم، ولك في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام لعلي أسوة: يا علي أنت وشيعتك ....

    • زائر 7 | 2:05 ص

      في كل العصور وفي عصرنا الان وليس فقط في التاريخ

      هذا هو حال الانسان الشريف التجاهل والاهمال ثم القتل ولكنه لو استخدم شعره لمدح الولاة الجائرين لسكن القصور ولبلغ مبلغا في الحياه

    • زائر 6 | 1:37 ص

      شاعر يقول كلمة الحق ويحمل خشبة صلبه على ظهره في المقابل وآخر عكس ذلك

      المتزلفون والمنافقون هؤلاء وكثير من امثالهم من المتطفلين الذين يعيشون كما تعيش الطفيليات.
      دعبل الخزاعي كان احد الصادحين بالحق وكان يدفع من اجل ذلك روحه فقد كان مطاردا ودمه مهدور ولكن ذلك لم يخيفه ولم يمنعه من ترديد صوت الحق.
      هكذا هم بني آدم فريق في الجنة وفريق في السعير وطريق الجنة محفوف بالمكاره
      وطريق النار محفوف بالملذات والاموال وبذلك امتحن الله عباده

    • زائر 5 | 11:56 م

      وين؟

      ما تكمل المقال وتخبرنا وين اندفن الشاعر دعبل الخزاعي؟؟

    • زائر 3 | 11:03 م

      التاريخ فيه وفيه

      التاريخ فيه وفيه رجال وأشباه الرجال فاليختر المرء لنفسه ما يختار ويحب ان يوسم به في حياته وبعد مماته

    • زائر 2 | 10:40 م

      رحم الله دعبل

      الشاعر الخزاعي علم من اعلام الشعر الغزير وقد اثبت ذلك بقصيدته التائية المعروفة .. وكل الفخر والشرف له بمدح اهل البيت عليهم السلام فبيت واحد من شعر في حبهم تغني عن الدنيا ومافيها .

    • زائر 1 | 9:36 م

      و هكذا كان

      مات القاتل و من موله و حرضه من أصحاب النفوذ و بقى دعبل فى التاريخ. هكذا الحال دائما. عندما يكونون أحياء لا أحد يعرفهم و بعد فنائهم، الوالى ينسى و لا يبقى له أثر و المفكر يبقى و يخلد. مع هذا لا نتعلم الدرس !!

اقرأ ايضاً