العدد 3785 - الأربعاء 16 يناير 2013م الموافق 04 ربيع الاول 1434هـ

الحوار وعراك الطفولة

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يتذكر الكثير منا أيام الطفولة عندما نتعارك فيمسك أحد منا الآخر من رقبته فيلقيه أرضاً، في حين يمسك الآخر زميله من شعره فيصرخ الإثنان من شدة الألم، داعياً كل طرف زميله الآخر ليفك قبضته أولاً لإنهاء العراك.

ويستمر الحال هكذا حتى يقتنع أحد الأطراف بفك قبضة يده عن زميله لكون الألم المتبادل قد أضر بالطرفين على حد سواء.

في البحرين كثر الحديث عن الحوار والمصالحة الذي تكرره الأطراف المتصارعة باستمرار، من دون بارقة أمل لحوار جاد يخرج البلد من أزمته.

فما هي الأسباب التي تحول دون قيام كل طرف بفك قبضات يده التي تخنق الوطن؟ إن ما نشاهده على الساحة مع الأسف هو شبيه بعراك الطفولة الذي يدعو كل طرف الآخر بوقف تجاوزاته أولاً قبل بدء الحوار.

فالطرف الحكومي ومن ورائه شريحة من الجمعيات السياسية تضع وقف عنف الشارع كشرط قبل بدأ الحوار، بالإضافة إلى شروط أخرى معطلة لأي حوار تتداولها جمعيات سياسية متشددة.

والمعارضة ترد بخطاب يدين أعمال العنف من أي طرف وتدعو لحوار غير مشروط، وتتخندق تكتيكياً خلف وثيقة المنامة التي تتوحد حولها.

من الواضح أن أطراف الصراع أصبحت متعددة من حيث المصالح والامتيازات التي تحول دون الوصول إلى نقطة التوازن المطلوب للتوافق. فهناك أطراف استغلت الصراع لتحقق مكاسب لا تحلم بها على حساب الآخرين خلال السنوات الماضية.

هذه الشريحة التي تمت صناعتها وإقحامها في الصراع وفقاً لنظام الفزعة لا يمكن الآن تجاوزها. فحجم المكاسب أصبحت من المغريات التي لا يمكن التضحية بها حتى لو تضرّر النظام والوطن.

التحدي الآخر يكمن في تكرار المقالب التي خلفت حاجزاً نفسياً لدى جميع الأطراف، متمثلاً في انعدام الثقة بينها. فمنذ الخلاف على تفسير مواد جوهرية في ميثاق العمل الوطني، مروراً بعجز المعارضة عن تحقيق إنجازات ملموسة عند خوضها غمار التجربة التشريعية، ثم الخروج منها وبدء الطلاق مع النظام السياسي القائم، حتى برز تيار معارض مختلف رفع شعارات قادت إلى واقعة الدوار وما تلاها من إجراءات انتقامية شاملة طالت الجميع، حتى قوّضت الآمال وخلّفت دماراً نفسياً لا يمكن تجاوزه بسهولة.

إن تجاوز هذا الحاجز النفسي وترميم الثقة المفقودة أصبح من الأمور الأساسية التي يجب أن يسعى لها الطرفان قبل بدء أي حوار.

والمفارقة هنا تكمن في تكرار الرغبة في الحوار بالتزامن مع إجراءات انتقامية تطال أرزاق الناس العاديين، فتعزّز من مواقف قوى التأزيم والتطرف، وتقوّض من قوى الاعتدال المؤهلة للانخراط في مشروع حوار جاد.

وهذا الوضع الشاذ لا يتناسق ومتطلبات تهيئة المسرح والتي من أبرزها استعادة بعض من الثقة المفقودة.

التحدي الآخر هو غياب خطة عمل أو خارطة طريق متفق عليها يسترشد بها في جميع مراحل الحوار. إن الفشل في وضع خطة عمل متفق عليها يؤكد عدم الرغبة في تجاوز الحاجز النفسي ويعزز الشكوك في عدم توفر الرغبة الصادقة في المصالحة من خلال حوار جاد يخرج الوطن من أزمته. وقد يفهم البعض من دعوات الحوار بهذه الطريقة على أنها محاولة تربص أخرى للإيقاع بالآخر، وأنها تكتيك مؤقت استجابةً لرغبات أطراف دولية. وفي هذه الحالة لن يسعفنا الحوار للخروج من أزمتنا الوطنية.

قد ينظر البعض إلى أزمتنا الوطنية من منظار محلي بحت يطمئنه إلى إمكانية حسم الصراع بطريقته الخاصة لصالحه، وفي ذلك تبسيط للأمر. فأزمتنا لم تعد ذات بعد محلي أو حتى إقليمي، بل أصبحت ذات بعد عالمي بعد أن فشلنا في احتوائها محلياً وإقليمياً. من هنا فإن استمرارها من دون معالجة أو حل سيجعلها ورقةً للمساومات من قبل أطراف إقليمية ودولية ترى في هذا الاستمرار فرصةً للتدخل المباشر في شئوننا الداخلية.

من هنا فإن الدعوات التي انطلقت مؤخراً لبدء حوار وطني هي بذرة أولية توجب على جميع الأطراف رعايتها بتهيئة الظروف للسير في طريقها من خلال البدء بخطوات إيجابية من قبل جميع الأطراف المعنية. هذه الخطوات الإيجابية تتمثل في إرسال إشارات تعيد بعضاً من الثقة بوجود رغبة في الخروج من عنق الزجاجة وتجنب الوطن ما لم يكن في حسبان أحد.

إن إنهاء الصراع على طريقة «إنت هد أول» كما في مرحلة الطفولة، له أثمان باهضة. فإرخاء قبضة اليد من عنق الوطن هو واجبٌ على جميع الأطراف المتصارعة بشكل متزامن ومن دون شرط مسبق لكون الطرفين هما الخاسران من سياسة ليّ الذراع هذه. نأمل أن نتعلم هذه المرة من أخطائنا، وأن تكون الدعوة للحوار فرصة صادقة لمعالجة خلافاتنا بأنفسنا وجب اغتنامها كي لا تمر مر سحاب من دون غيث.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 3785 - الأربعاء 16 يناير 2013م الموافق 04 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 1:45 م

      خارطة الطريق

      أي خارطة طريق ...! الفلسطينية ...اللبنانية..هذه النماذج من التسميات أصبحت مرتبطة بالتشاؤم وعدم الرغبة في الحل واللف والدوران والموت البطيء وكأن القضية غير واضحة وملامحها غير محددة ..كل القضايا السياسية لها حلول إذا رغبت الاطراف المعنية في هذا الخلاف في التوافق على حله وإيجاد مخرج له ..أن المعضلة الاساسية تكمن في النهج والأسلوب المتبع و في اختيار الاطراف المعنيين في إدارة حل هذا الخلاف ..أمام عودة اللحمة والتوافق الوطني ترخص كل التضحيات ,,مع التحية...س.د

    • زائر 3 | 1:30 م

      محب

      رحم الله والديك علي هالمقال الرائع كنا بانتظارك يااستاذ

    • زائر 1 | 12:16 ص

      القرار السياسي هو الحل

      هذه الازمة السياسية ليست بحاجة الى حوار لمضيعة الوفت انها بحاجة الى قرار سياسي فالحوار هو لكسب الوقت وتعقد المشكلة

اقرأ ايضاً