العدد 3787 - الجمعة 18 يناير 2013م الموافق 06 ربيع الاول 1434هـ

إهمال حكومي... و«الصحة» في غيبوبة

هاني الفردان hani.alfardan [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

شهدت البحرين يوم الجمعة (11 يناير/ كانون الثاني 2013) حادث حريق مأساوي بكل معنى الكلمة، ذهب ضحيته كالمعتاد عمالة آسيوية (13 عاملاً)، في مبنى مكون من 3 طوابق بمنطقة المخارقة في المنامة.

هذا الحادث المأساوي سبقه في العام الماضي، وتحديداً في يوم الأحد (27 مايو/ أيار 2012) وفاة عشرة عمال آسيويين اختناقاً، إثر اندلاع حريق داخل المسكن الذي يقطنونه بمنطقة الرفاع الشرقي.

أغرب ما في الأمر؛ أن وزارة الصحة وبعد 24 ساعة من وقوع الحادث تصدر بيانها الأول عن الحادث، وتعد بتقرير مفصل عن الحريق «لاحقاً»، فقد عجزت الوزارة عن معرفة أعداد المصابين، وأسباب الوفاة وحتى إعلان جنسياتهم، وهي فضيحة كبرى عاشتها وزارة الصحة في ذلك اليوم وحتى الآن.

مضى على حادث الحريق تسعة أيام، ولاتزال وزارة الصحة في غيبوبتها، تبحث عما تقوله في تقريرها المفصل الذي لم يصدر بعدُ، وفيما تتناقل الصحف الأخبار والمعلومات عن السفارات الأجنبية، وعن صحف بنغلاديشية وهندية، فإن الجهات الرسمية لدينا لاتزال لا تعرف شيئاً، أو لا تريد أن تقول شيئاً.

الدول المتقدمة في مثل هذه الحوادث، تتعامل بكل شفافية مع الرأي العام، فتخصص غرفة عمليات طارئة، وتزود الإعلام بكل المستجدات، وآخر التطورات، سواء على صعيد الحريق، أو الوفيات وجنسياتهم، أو أعداد المصابين وحالاتهم.

بالطبع ذلك في الدول المتقدمة، أما لدينا فنحن أفضل منهم، ويجب أن يتعلموا منا التقدم، وسياسة السلطة «ليس كل ما يعرف يقال»، هذا إن كان يُعرف.

بعد مضي تسعة أيام على الحادثة؛ لا توجد أية قاعدة معلومات دقيقة عنها، أو عدد الوفيات بشكل دقيق، والمصابين وجنسياتهم وأوضاعهم القانونية.

السلطة تحدثت منذ اللحظة الأولى عن وفاة 13 آسيويّاً فقط من دون أن تفصح عن جنسياتهم، أما الصحف البنغلاديشية فتحدثت عن ارتفاع في أعداد الوفيات، ووفاة اثنين متأثرين بجروحهما، ووزارة الصحة لدينا صامتة، وربما لا تعلم شيئاً عن ذلك أيضاً.

وزارة الداخلية بدورها سارعت لتؤكد أن «تكرار هذه الحوادث المؤسفة يتطلب وقفة جادة من جانب كل الجهات المختصة لتحديد أسبابها واتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجتها»، وهو الكلام الذي نسمعه من سنين وبعد كل حادث بلا جديد.

في كل الأحوال، بعد الحادث الأخير، وبعد حادث مايو/ أيار 2012، وبعد كل حوادث وفيات العمالة الآسيوية في البحرين، كلام الحكومة واحد لا يتغير، وهو إجراء تحقيق مستعجل بشأن ملابسات الحادث، واتخاذ ما يلزم لعدم تكراره.

قلتها في مقال سابق في الثاني من يونيو/ حزيران 2012 بعنوان: «حريق البحرين وحريق قطر»، إن ما شهدته منطقة الرفاع من وفاة عشرة عمال آسيويين اختناقاً ليس الحادث الأول من نوعه، ولا أعتقد أنه سيكون الأخير، وخصوصاً أن الجهات الرسمية لاتزال تعتمد النهج نفسه في التعامل مع مثل هذه القضايا وفق «ردّات الفعل المرحلية» وسرعة «التبرير».

وبالطبع... صدرت التوجيهات لمنع تكرار مثل هذه الحوادث، وأخذت طريقها للتنفيذ، لكن في الاتجاه المعاكس، إذ كل حادث تشهده البحرين يزداد عدد ضحاياه، ما يؤكد أن الجهات الرسمية المناط بها مهمة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث قامت بعملها على أكمل وجه.

في 30 يوليو/ تموز 2006 وقع حادثٌ مشابه، في منطقة القضيبية تسبب في مصرع 16 عاملاً آسيويّاً وجرح 11 آخرين، ورأينا الخطوات الحكومية والتوجيهات الرسمية ذاتها التي نشهدها الآن، وبعد ست سنوات، اللغة ذاتها في البيانات والعبارات، التبريرات ذاتها، المسئولين ذاتهم، المواقف ذاتها، والإجراءات ذاتها، مع تكرار الحوادث وتزايد الوفيات.

وزارة العمل سارعت لإسداء النصح ودعت أصحاب العمل إلى مراعاة تطبيق اشتراطات الصحة والسلامة المهنية في المساكن التي يقطنها عمالهم، وأهابت بالعمال - بغض النظر عن استيفائهم اشتراطات الإقامة المطبقة في البحرين - ضرورة أن يراعوا اشتراطات الصحة والسلامة في مساكنهم وذلك لسلامتهم الشخصية وسلامة محيطهم، ومن دون الحديث عن دورها الرقابي في هذا المجال، وكأن الأمر لا يعنيها.

بعد حريق يوم الجمعة سمعنا أخيراً عن توصيات تقرير حريق الرفاع الشرقي في مايو 2012، وقد نحتاج إلى حريق آخر وضحايا أكثر - لا سمح الله - لنسمع بعده عن توصيات لجنة التحقيق في حريق المنامة، والتقرير المفصل بشأنه من قبل وزارة الصحة.

إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"

العدد 3787 - الجمعة 18 يناير 2013م الموافق 06 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 11:31 ص

      مقاول بلادي

      مقال ممتاز وفي الصميم ، ونتمني من الجهات المعنيه الاخذ بهذه الكلمات وان كانت قاسيه علي البعض إلا ان ارواح البشر غاليه واهالي الضحايا لهم قلوب مفجوعه ولهم هموم ولهم مأسي فلا تزيدو النار حطب وحاولو النزول الي الميدان يا وزراء ويا مسئولين خصوصا مسئولين الوزارات التي تعني بالجانب الخدماتي والصحي والحقوقي

    • زائر 12 | 7:44 ص

      هذا الحال في جميع دول

      قبل هذا الحادث بشهر انفجر مصنع في .... وأودى بحياة 6 ستة عمال وكثير من الجرحى ولكن الخبر لم يتعدى النشر في بعض الصحف في اليوم التالي فقط.
      دول وحكومات لا تتحرك من ذاتها ولا تتحرك إلا إذا لاحقتها دول أخرى لها صوت مسموع مثل بريطانيا وأمريكا وغيرها، وإلا فهم لا يتحركون من ذواتهم أبدا.
      إذا كانت حياة المواطن لا تنعني لهم شيئا، فكيف بحياة العامل الأجنبي الفقي؟ ببساطة حياة الإنسان لا تعني لهم شيئا في الجزء من العالم

    • زائر 9 | 3:21 ص

      هل تغير شيء في الحكومة

      هل تغيرت الحكومة حتى يتغير شيء؟ مافي وزير شجاع يقول أنا المسئول... الكرسي وما يفعل ياخووي

    • زائر 7 | 2:52 ص

      لا يوجد لدينا أزمة قوانين ولكن..

      هناك أزمة متابعة وتنفيذ علي الارض . هل سمعت عن حريق في مصانعنا الكبري كشركة بابكو والبتروكيميات وبناغاز حيث يتم تكرير آلاف الاطنان عتي مدار الساعة لمواد سريعة الاشتعال. الجواب لا لان متابعة وتنفيذ لشروط السلامة من جميع القوي العاملة من مشغلين الوحدات وعمال الصيانة وسواق وعمال المقاولين وباق الاقسام الهنذسية والفنية هي مسؤلية الجميع. ليس من العدل ان نلقي باللوم علي وزارة الصحة فقط ..انها مسولية الدولة والمجتمع واهمها منظمات المجتمع المدني

    • زائر 6 | 2:50 ص

      جميل جدا

      مقال جميل جدا .وهو ما عهدناه دائما..نتمنى تناول موضوع آخر هام عن تراجع خدمات مستشفى السلمانية ..فكثير من الاجنحة تهمل المرضى..وفي الطوارئ الاطباء لا يتمكنون من التشخيص الصحيح لحالات بسيطة رغم اخذ اشعة وتحاليل

    • زائر 4 | 2:10 ص

      يا حبيبي الوزارة كلها تحت إمرة أشخاص ليس لهم علاقة بالصحة

      في الوقت ليس المطلوب صحة المجتمع بقدر تحديد من هو موالي للنظام و ترقيته و من الخائن و اقصاءه. فمن يمسك بزمام الامور في الصحة هو ...

    • زائر 3 | 12:27 ص

      تم بسرعة وماذا عن ما سبق ؟

      عمدت الجهات المختصة في أجهزة الدولة إلى هدم مبنى المخارقة الذي أودى بحياة 13 آسيوياً إثر حريق اندلع فيه بشكل مفاجئ كما تم التحفظ على احد ورثة المبنى على ذمة التحقيق ولكن ماذا تم عن حريقي الرفاع الشرقي الذي اودى بحياة 10 عمال و القضيبية 16 وعدد من الجرحى ؟

    • زائر 10 زائر 3 | 4:18 ص

      صح ،،

      هل تم التحفظ على اصحاب مبنى الرفاع ؟!!

    • زائر 2 | 11:47 م

      أخ هاني التركيز على الجانب الامني يفقدهم السيطرة على باقي الاجهزة

      من الطبيعي اذا سخّرت كل امكانيات البلد ووضعت بخدمت الهاجس الامني وخصص لها اكبر قدر من الميزانية بحيث تصبح ميزانية الامن من اكثر دول العالم والتي لا تصل اليها حتى الدول التي تدخل الحروب. فمن الطبيعي ان يكون ذلك على حساب باقي
      مفاصل الدولة، ولا بد ان يكون هناك تقصير وقصور في باقي اجهزة الدولة.
      دولة مبنية ومركبة على طريقة التعامل البلوسية وتستبعد خيار رجالاتها العاملين في تخصصاتهم لأنهم من طائفة معينة فماذا تريد ان يصبح الحال من هذا الى اردى

    • زائر 1 | 9:07 م

      غيظ من فيض

      لو ذكرت كل الحوادث المماثلة تصل الى نفس النتيجة. صرخات و تصريحات عند وقوع الحادث و ثم لا شيء. ماذا حدث من محاكمة الباخرة السياحية التى غرقت فى البحر؟

اقرأ ايضاً