العدد 3797 - الإثنين 28 يناير 2013م الموافق 16 ربيع الاول 1434هـ

محمد آل مكباس... «سادن» التراث البحريني

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

لقد دوّن ابن سلام الجمحي (ت 232 هـ / 847 م) شهادته عن البحرين التاريخية الكبرى فقال: «في البحرين شعر كثير جيد وفصاحة». وعندما قرّر البحاثة العراقي المعروف حسين علي المحفوظ (ت 2009) أن يضع دراسةً عن مصادر دراسة تراث البحرين كتب «إن في البحرين علماً جماً، وأدباً عظيماً، وتراثاً كبيراً، ومؤلفات تملأ الخزائن».

اثنان وعشرون عاماً هي رحلته في تحقيق التراث العلمي لفقهاء البحرين الأقدمين، وقد بدأت هذه الرحلة مع كتاب «مسألة مقدمة الواجب» للعلامة السيدماجد بن هاشم الجدحفصي البحراني (ت 1028 هـ/ 1618م) في العام 1990. ثم تواصلت وتوالت جهوده في هذا المضمار، حتى حقّق ما يزيد على اثني عشر مخطوطاً، بعضها كان متعدد الأجزاء بسبب حجمه الكبير، كمصنفات المحقق البحراني المعروف الشيخ سليمان بن عبدالله الماحوزي (ت 1121هـ/ 1709) والتي تقع في خمسة وعشرين مجلداً، وكذلك كتاب «سلاسل الحديد في تقييد أهل التقليد» للعلامة الكبير أبوالمكارم هاشم بن سليمان التوبلاني البحراني (ت 1107 هـ/ 1695)، وكتاب «مختصر في تعريف أحوال سادة الأنام محمد وآله» للعلامة الشيخ راشد بن إبراهيم بن إسحاق الجزيري البحراني (ت 605 هـ / 1208). بالإضافة إلى مجموعة من التحقيقات كـ «الذخائر في جغرافيا البنادر والجزائر» للشيخ محمد علي بن محمد تقي آل عصفور البحراني، و «معين النبيه في بيان رجال من لا يحضره الفقيه»، للشيخ ياسين بن صلاح الدين بن علي بن ناصر بن علي البلادي البحراني، و «سلاسل الحديد في تقييد بن أبي الحديد»، للشيخ يوسف العصفور صاحب «الحدائق»، و «ثبات قلب السائل في جواب التسع المسائل» للعلامة الشيخ عبدالله بن صالح السماهيجي (ت 1135 هـ/ 1723) وغيرها من المصنفات النفيسة الأخرى، لعلماء أهل البحرين».

ويحتفظ الشيخ المكباس في مكتبته الخاصة بما يقارب الـ 500 مخطوط من بين ما يقارب الثلاثة آلاف مخطوطة، فالشيخ سليمان الماحوزي وحده لديه ما يقرب الـ 300 مخطوط!

وحيث إن هجرة علماء البحرين إلى إيران على اختلاف دوافعها حدثت على مراحل تاريخية طويلة، فإن من الطبيعي أن تضم إيران عدداً وافراً من نفائس المخطوطات العلمية البحرينية. نجدها متناثرة في عدة مدن إيرانية: إصفهان وشيراز وهمدان وطهران ويزد وتبريز ومشهد وبوشهر وقم وقزوين ورشت وزنجان.

ويؤكد أحد الباحثين والمهتمين بتراث البحرين العلمي أن إيران لوحدها تضم «ما يزيد على الثمانين في المئة من تراث علماء البحرين، ولا تكاد تجد مكتبة مخطوطات في إيران تخلو من نسخة خطية لأحد علماء البحرين التي كانت تشمل جزيرة البحرين المسماة بأوال والخط وهجر أو ما يعرف اليوم بالقطيف والأحساء؛ وأن المكتبة الغربية في مدرسة الآخوند في مدينة همدان تضم ما يزيد على العشرة آلاف كتاب خطي احتضنت بين نسخها مجموعة نفيسة مهمة متنوعة من كتب علماء البحرين الخطية نسرد ذكر مصنفيها». (من كلمة للشيخ محسن آل عصفور في مؤتمرٍ نظمته جمعية الآثار والمفاخر الثقافية في إيران في مايو/ أيار 2007).

ولا يقتصر تواجد المخطوط البحريني على إيران بالطبع، إذ يوجد تراث علمي بحريني لايزال مجهولاً ولم ينفض عنه الغبار في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة ومدينة الحلة وسواها بالعراق. كذلك يوجد تراث علمي بحريني في العاصمة البريطانية (لندن)، والعاصمة الألمانية (برلين)، وفي تركيا ودمشق، وبالطبع المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية وأيضاً في المكتبة الخديوية بمصر ومكتبة الجامع الكبير باليمن.

والشيخ المكباس المولود عام 1967، درس في المدارس الحكومية، ثم التحق بجامعة البترول والمعادن في الظهران بالمملكة العربية السعودية، ومنها لكلية الخليج التكنولوجية، ولم يكمل الدراسة الجامعية، إذ سرعان ما التحق بالحوزة العلمية في قم المقدسة، وحاز على شهادة البكالوريوس من الحوزة العلمية. وقد نشر مجموعة من الأبحاث في بعض الدوريات والمجلات. وبالإضافة إلى ما ذكر، فإن له من المؤلفات والتحقيقات «إجازات علماء البحرين»، و «فوائد الأسفار في وصف مخطوطات علماء البحرين»، و «مراسلات علماء البحرين»، و «موسوعة شعراء البحرين» (4 أجزاء) وغيرها.

أما ما ينتظر الطبع فهو كثيرٌ، وأبرزه «القرآن وعلومه في تراث علماء البحرين»، و «المدارس العلمية في البحرين»، وعمله التحقيقي الضخم «مصنفات المحقق البحراني الشيخ سليمان الماحوزي» (25 مجلداً)، و «مراقد علماء البحرين في الخارج»، و «موسوعة أوال الكبرى» وغيرها.

وقد صدر مؤخراً للمكباس «موسوعة مقتل الإمام الحسين» وهي موسوعة توثيقية لواقعة الطف شملت المقاتل التي صنفت منذ القرن الأول إلى القرن العاشر الهجري. وتقع الموسوعة التي تعد أول موسوعة تضم أهم الكتب الكلاسيكية التي تناولت واقعة الطف في مجلدين و1878 صفحة من القطع الكبير، وشملت 31 من كتب المقاتل في الفترة التي تغطيها الموسوعة (القرن الأول إلى القرن العاشر الهجري).

وقد صدرت الموسوعة عن دار آل مكباس للطباعة والنشر، وهي الإصدار التاسع عشر في سياق اهتمام الدار بإحياء التراث الإسلامي، مع عناية خاصة بتراث علماء البحرين، وجاء هذا الإصدار ضمن سلسلة إصدارات أخرجتها الدار في السنوات الأخيرة.

يؤكد المكباس «إنني أمام مسئولية وطنية وعلمية ودينية وتاريخية وضميرية قبل كل شيء، تحتم عليّ حفظ هذا الكم الهائل من التراث العلمي الغزير، الذي تركه لنا علماء البحرين الكبار منذ مئات السنين».

أعتقد أن مسئولية الحوزات العلمية في البحرين - وقد مر على تأسيس بعضها أكثر من خمسين عاماً في ظل خمول ثقافي غير مبرر - والمراكز الثقافية بشقيها الرسمي والأهلي، تتمثل في دعم هذه الطاقات المخلصة التي قدّمت الكثير ومازالت. ولجنة إحياء التراث في الأوقاف الجعفرية غير معفاة أيضاً من هذه المسئولية، فعليها أن تضطلع بدور ملموس في هذا الاتجاه، فقد خطت قبل سنوات خطوات خجولة، لكن طموحاتها تقهقرت فيما يبدو، وحفظ التراث العلمي للبلد ليس من الأعمال الترفيهية بل هو على رأس الأولويات لأي شعب يحترم هويته وتاريخه، وخصوصاً أن هناك من الكفاءات الوطنية من له اليد الطولى في هذا المضمار، والشيخ محمد المكباس في رأيي يأتي في صدارة هذه الكفاءات التي تحتاج إلى الدعم والمساندة لتشبيك هذه الجهود الفردية المتشظية في إطار مؤسسي جامع.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 3797 - الإثنين 28 يناير 2013م الموافق 16 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 3:50 م

      مقال رائع كعادة الأستاذ وسام

      أحسنت أستاذ وسام على مقالك الطيب .. ولكن لا أدري لماذا لم نسمع بكتب الأخ المؤلف في أي مكااان.

    • زائر 3 | 6:59 ص

      شكرا

      اشكرك على المقال ولكن لماذا لا يستعين المحقق بمحققين من البحرين فهنالك من له اليد الطولى في هذا المجال واقدم منه

    • زائر 2 | 3:42 ص

      شكرًا للكاتب والمحقق

      اعتقد جازما بان تاريخ وفاة الشيخ راشد الجزيري غير صحيح، كما ان الكاتب اغفل سهوا ذكر المكتبات التي تحتوي على مخطوطات بحرانية داخل البحرين. ثم ارجو من الوسط بذل الجهود من اجل طباعة الكتب المحققة وإخراجها الى النور وشكرا

اقرأ ايضاً