العدد 3797 - الإثنين 28 يناير 2013م الموافق 16 ربيع الاول 1434هـ

فرنسا... عودة إلى الاحتلال!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

في نهاية القرن الخامس الميلادي، أعلن البابا أربان الثاني من فرنسا عن بداية حرب صليبية على المسلمين بحجة تخليص المسيح (ع) من أيديهم، وأمر أتباعه بالتوجه إلى بيت المقدس فاستجاب له جمع عظيم من معظم دول أوروبا، واستمرت تلك الحرب قرابة مئتي عام وانتهت بالقتل الذريع.

واليوم تعيد فرنسا صيحة البابا أربان الثاني، ولكن إلى «مالي»، بحجة تخليصها من المسلمين المتطرفين، أو «الإرهابيين» كما يحلو لها أن تسميهم، ولكي تحافظ على وحدة بلاد مالي من التمزق! ووجدنا أن دولاً أوروبية سارعت إلى إعلان موافقتها على هذه الحرب وتقديم المساعدة لفرنسا لتسهيل مهمتها!

وإذا كنت أتفهم سر تلك المبادرات وبعيداً عن مجلس الأمن (الألعوبة)، فإني لا أستطيع تفهم مساعدة بعض الدول العربية والإسلامية لهذه الحرب التي لا تمت إلى مقاومة الإرهاب بل إلى مقاومة الإسلام ومحاصرته بكل الطرق حتى بالحرب والإبادة. ولكن استهتار بعض قادة العرب بشعوبهم وحرصهم على كسب رضا أسيادهم جعلهم يتخذون تلك المواقف المخزية، فيقدمون الدعم لقتل المسلمين وتشريدهم.

أكاذيب فرنسا لا يمكن أن يصدّقها أحد، فمن يصدّق أن الفرنسيين سيضحون بأموالهم ورجالهم من أجل وحدة مالي؟ ومن يصدق أن «الإرهابيين» سيصلون إلى فرنسا ويهددون استقرارها؟ هذه الخرافات يستحيل تصديقها لأن العالم اليوم تقوده المصالح، ومصلحة فرنسا في مالي وغيرها من الدول التي خضعت لاستعمارها طويلاً ولم تخرج منها إلا بعد ترتيب مصالحها شديدة الوضوح، فشركاتها تعمل هناك، وهي تريد التوسع باستمرار وعلى حساب أهل البلد الأصليين! ولأن فرنسا تعرف أن ثوار مالي لن يخضعوا لشروطها مثل غيرهم، فقد بادرت إلى قتالهم من أجل المحافظة على مصالحها، وكل ماعدا ذلك فمحاولةٌ لتحسين صورتها، وما كان لهذه الصورة أن تتحسن والعالم يرى الفظائع التي ارتكبتها كما يرى آلاف اللاجئين الذين بدأوا بالفرار من بلادهم في كل اتجاه.

جمعيات حقوقية فرنسية أكدت ارتكاب جيش مالي جرائم حرب ضد العرب والطوارق، وكل ذلك بتأييد مطلق من فرنسا! والجيش الفرنسي يقصف المدن والمباني بلا تمييز بين مقاتل وسواه، والقتل يطال الجميع، فعن أية وحدة يتحدث القادة الفرنسيون؟

المسلمون في العالم كله أنكروا هذه الحرب الظالمة، فأصدر علماؤهم بيانات منددة بها، وكتب آلاف من مثقفيهم يطالبون بوقفها ومحاسبة المعتدين، وتطوعت بعض الحركات الإسلامية المعتدلة والمتطرفة بالوقوف إلى جانب ثوار مالي، وهذا إن حصل، فسيزيد رقعة التطرف. بل إن بعض المعتدلين سيتحوّلون إلى متطرفين حينما يرون أن الغربيين يقتلون إخوانهم في الدين لمجرد كونهم مسلمين لا لشيء آخر! وقد ثبت ذلك عند غزو أميركا لأفغانستان والعراق، فقد تسبب هذا الغزو بزيادة كبيرة لأعداد المتطرفين، وهذا ما سيتكرّر في مالي وضد الفرنسيين هذه المرة، فهل ما فعلته فرنسا حالياً يساعد على تحجيم المتطرفين كما تدعي؟

ومن دلائل تخبط الفرنسيين اتهام بعضهم لدولة قطر بمساعدة «المسلمين المتشددين»! وسبب هذا الاستنتاج قول رئيس وزراء قطر إن القوة لن تحل المشكلة في مالي، وكأنهم يريدون من الجميع السير في ركابهم وموافقتهم على جرائمهم وإلا أصبحوا متهمين في رأيهم!

فرنسا ومن معها قد يستطيعون قتل الآلاف وتدمير الممتلكات، لكنهم لا يستطيعون قتل إرادة الشعب الذي يدافع عن أرضه ودينه. فالأرض أرض مسلمي مالي وهم أحرار في اختيار طريقة حياتهم، قد يكون من بينهم متطرفون، ولكن التطرف لا يعالج بالقتل والتدمير، وليست فرنسا هي المسئولة عن علاجه.

صحراء مالي الواسعة وبحار رمالها الهائلة قد تكون مقبرة للفرنسيين الغزاة، وما كنت أحب لفرنسا التي تتحدث عن الحريات وحقوق الإنسان أن تخالف أقوالها ويكون هذا مصير بعض أبنائها.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 3797 - الإثنين 28 يناير 2013م الموافق 16 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 9:21 ص

      عدو ارحم من اخ

      اثبتت الايام والتجارب ان الاسعمار الاجنبي ارحم الف مره من حكم العربان الظالمين ..
      كان الاسعمار الانكلينزي اكثر عداله وانسانيه ..
      الفرنسين ارحم من السلفين المتوحشين والقاعده السفاحه .. شوف ايش عملو السلفين قبل ان يهربو من شمال مالي , لقد احرقو مخطوطات اسلاميه لا تقدر بثمن ..

    • زائر 6 زائر 4 | 9:40 م

      يخوي نسيت بشار يريتك جبته مثل

      يخوي نسيت بشار يريتك جبته مثل للتوحش والتغطرس وانه سفاح

    • زائر 2 | 3:52 ص

      احسنت

      تحسنت مقالات كثيرا في الأيام الأخيرة بالمقارنة مع أسلوبك السابق، ولكن كيف تقول بأن البابا أربان الثاني حشد لحرب صليبية على المسلمين في نهاية القرن الخامس الميلادي مع ان الدين الاسلامي ظهر الى النور في القرن السابع الميلادي؟

    • زائر 5 زائر 2 | 9:39 م

      حاط دوبك ودوب الرجال والله انه كاتب ومتميز وا

      حاط دوبك ودوب الرجال والله انه كاتب ومتميز وانا اشهد له

اقرأ ايضاً