العدد 3820 - الأربعاء 20 فبراير 2013م الموافق 09 ربيع الثاني 1434هـ

بيننا من ينتمي إلى بيئات ما قبل معرفة الخجل!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

الصراخ في كثير من الأحيان جرس عجز وفشل وقلة حيلة وإفلاس في كل شيء بدءاً بالإرادة وليس انتهاء بفك الارتباط بينك وبين ما تنتمي إليه من نوع أو جنس؛ وخصوصاً إذا كان منطلقاً من فراغ ويُراد له أن يصل كائنات وأمكنة وعوالم من فراغ.

الذين ينتفضون بالأمر من قِبل من يملك قوّة الترغيب والترهيب ولا يخجلون من نسيان سوءاتهم حين يطعنون الناس في معتقداتهم وقناعاتهم، ليحاولوا التمرير على الأمة أنهم الأمل فيما هم الارتهان إلى الموجِّه لقناعاتهم، وحين تُمرر إليهم كذبة ووهم أنهم ينعمون بالنموذج الفريد من ديمقراطية الأرض والسماء ويتم إعلانها صريحة من دون إحساس بوقاحة أرواحهم أنهم في صف سكّان الكهوف بفارق وجودهم في عصر من المفترض أن يكون حديثاً: ضد حكومة منتخبة وأخذ رأي الناس في مصائرهم وما يريدون أن تكون عليه.

لا توجد مخلوقات في الدنيا حتى في كهوف جنوب شرق آسيا؛ إذ الانفصال الكلي عن الحضارة إيقاعها وسحرها وفتنها، ومجاهل إفريقيا؛ إذ النموذج الأول الذي لم يتغيّر إلا بفارق يشبه الفارق بين الألِف بهمزة أو من دونها، يمكن أن يمرر تصريح كروش انتفختْ، وبطون ترهّلتْ، وعقول عطبتْ، وذمم تقيحتْ، وضمائر عدمتْ، من دون أن يوفر طاقة لُعابه ادّخاراً لتصريح عار بذلك المستوى من الاستخفاف بمن تبعها ممن طموحه أن تتوافر له سوق شعبية في حيّه يديرها قوم لم يُجبلوا على الوجع والذهاب بكرامة إلى العناء؛ فقط نكاية بالذين يذهبون إلى العناء والعذاب بكرامة بعيداً عن رسالة نصية توجّهه إلى أي قبلة يمضي، وإلى أي مقهى يستريح أو منتجع يستجمّ.

يمكن قبول ذلك في الغابة؛ إذ ديمقراطية القوة بحسب أثرها وترويعها؛ بمعنى إقناع تلك القوة غصْباً لمن هو دونها بالدخول في سلطتها ومنظومتها. قبل سنوات عرضت قناة «national geographic» فيلماً وثائقياً لنوع من القردة التي تملأ المعابد والشوارع وبعض المنازل المهجورة وتعيش على الخروج في جماعات لسرقة الباعة الذين يفترشون الأرصفة وحتى أولئك الذين ادّخروا طعام غذائهم في طريقهم الطويلة إلى العناء - بمناسبة الحديث عن سرقة عناء وشقاء وتعب الناس - في الفيلم نفسه يحدث إشكال بين من يهيمن ويسيطر على من، في ظل وجود ذكَرَين من تلك الكائنات.القوة تحدد من يهيمن على القطيع، وتذهب به إلى الوجهة التي تريد إلى جنة أو جحيم لا فرق. تتحقق ديمقراطية القوة والانحياز إليها في عالم كذاك.

لسنا قردة ولن نكون كذلك. نعم في غابة من نوع آخر ولكننا لسنا مُجبرين تحت أي ظرف من الظروف أن نكون خاضعين لهمجيتها وعبثها.نعلم بالبداهة أنه لا ديمقراطية في الغابات. الوعي بتلك القيمة يحتاج إلى أن تكون الكائنات منحازة إلى روح الحقوق للمجموع من حولها وبأخلاقيات عالية. ومثلما لم يعرف الإنسان الخصوصية في بدائيته لأنه لم يعرف الأخلاق ونظامها، ولم يعرف الخجل أساساً، ولأنه لم يعرف ذلك كله لم يشعر بحرج قط في تناسله وعُرْيه ومشاع العلاقات فيما بينه كما البهائم، لا يمكن أن نتصور بمعادلة بسيطة أن يكون أدرك ووعى معنى أن يشعر بضرورة وقيمة أن يحيا في بيئة ديمقراطية.

في انحياز لحال الاستسلام التي يُراد تعميمها لا تتردد تلك المجموعات في حيّزنا البشري في أن تقتفي وتستنسخ الثابت في بيئات لا إرادة لها في أن تكون كما تريد؛ بل كما يُراد لها أن تكون من قبل أطراف لا يمكن لها أن تحيا وتمتدّ وتتسلّط من دون تكاثر انقيادها وموهبتها في عدم طرح الأسئلة المُكْلفة، ومن دون أن تكلّف نفسها عناء أن تفكّر أساساً؛ وسيكون الاحتجاج على سياسة هنا، وإجراء هناك، وتجاوز هنالك، ضرباً من الذهاب إلى الغُول الذي لا نعرف أين يقيم هو الآخر. ربما في بيت من وهْم يناسب الذين أفردوا له مساحات في مخيَّلاتهم وعقولهم تتجاوز المساحات التي يأوون إليها في حيّزهم الخاص.

في منطقتنا وحدها؛ إذ نقيم وننام ونصحو وننشط ونكسل ونحتج ونداهن ونفرح ونحزن ونتعاطف ونشمت، ونقوى ونضعف ونعترف ونتنكّر، يطلع علينا في حيّز إنساني بشري مُكرّم من الأعلى من يرى الديمقراطية إهانة للجنس البشري، والانتخابات أول علامات الساعة، وفتنة لها أول ولا آخر لها؛ فيما ذلك الذي يشعر بالإهانة من ديمقراطية لا يريدها يتناسى أنه استعرض الذي هو أعلى وأسفل ممن ضمن «نَعَمَهم» وهم «آلاف مؤلّفة» ليشهر سيف أغلبية اصطنعها في منامه أو كوابيسه، ولا يرى في تلك الأغلبية أثراً بعد تقريره وذهابه حتى النَفَس الأخير إرغاماً لها في طريق الانتحار الأخلاقي والقيمي، من دون أن يكون معنيّاً بأخذ رأيها في ذلك الانتحار بتقريره، أن خيارها تهْلكة وورود إلى جحيم لا غنائم وعطايا فيه طبعاً.

في حشْر يُدْعى إليه الناس، قسراً أو اختياراً- لا فرق - يتوقع كثيرون أن يكون الانحياز إلى خيار الإنسان وفطرته. تتفاجأ مخلوقات في حكْرها وحبسها وأقفاصها من سذاجة بعض المخلوقات المُكرّمة، حين تصرخ في ذلك الحشر متخليّة عن حقها وقيمتها في الامتياز عن الذين في حكْرهم وحبسهم وأقفاصهم: اللعنة على الديمقراطية ذلك الشر المستطير، ولا نريد انتخاباً لحقنا في الوجود والقيمة والكرامة وما يتبعها من «فتن وقلاقل فارغة»!

من قال إن الإنسان الأول وحده من لم يعرف الخجل والخصوصية والأخلاق، بحكم بدائية ترابطه وتعارفه، وبحكم البيئة التي خلقت شيوعاً في كل شيء؟ في القرن الواحد والعشرين وفي العام 2013، لا تتردّد كائنات في التصريح بأنها تنتمي إلى تلك البيئات بامتياز.

خلاصة: بيننا من ينتمي إلى بيئات ما قبل معرفة الخجل!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3820 - الأربعاء 20 فبراير 2013م الموافق 09 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 8:48 م

      ابو احمد

      انا اتعجب منكم كيف تحاولون اقناعهم انهم ليسوا خصما فقط هم من يقتلوا وهم يعذبوا وهم من يعتقلوا النساء فكيف تخاطبوهم بلغة الانسان غريب امركم
      السلطه ارادة ان يكون الحوار والجدل مع فصيلها المتكون في هذه المجموعات وانتم الان تحققون ما ارادتة السلطه

    • زائر 9 | 7:07 ص

      مشفقون عليهم

      والله قلوبنا مشفقة عليهم من قوله تبارك وتعالى : {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) وهم يعرفون هذه الآية: (وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب)

    • زائر 8 | 5:36 ص

      تمييز

      لو عمل تصويت وإتضح ما تفضل الاستأذ الاديب جعفر من أفكار ودراسة للواقع المرير من مسخ للقيم الاخلاقية لحاز الاستاذ على المقال المميز حقا والمبدع في آن واحد..

    • زائر 7 | 3:58 ص

      صحيح

      هائلاء الشكال من بني البشر اليوم اصبحوا موجودون بيننا وهم من الناس الينه ترعروا في عبوديه الانسان ويلبسون لباس الدين اكثرهم ويعيشون على قطع ارزاق الذينه لمجرد الاختلاف معهم وفي حين يتطرق أحد الى المطالبه بحقوقه الذي شرعها له الخالق والاعراف والقوانين الدوليه وهذا كله يسلب منهم الامتيازات الذي يحصلون عليهاء بالكذب والنميمه على الاخرين.

    • زائر 6 | 3:44 ص

      كم جميل هذا المقال

      أخي الكاتب بارك الله فيك وكم جميل محتوى هذا المقال وياليت يؤثر هذا الكلام في القوم فالقوم ابناء القوم كم جريمة لبسوها ثوب العفاف والعفة بما فيها من جرم واضح وصريح . السن خرست عن نطق الحق بل بطون شبعت من الحرام فاسكتتها البطون المشبعة من الحرام عن قول الحق .
      الخجل هو نوع من الرد الفعل على عمل غير سوي ...اين تريد للخجل أن يكون له موقع عند قوم ارتهنو الباطل بل قامت امجادهم على عشق الباطل ومنابذة الحق
      القوم ابناء القوم

    • زائر 5 | 2:22 ص

      انا....

      مسير انا غيير مخير , محير معير , مدورا مكور , اطار تم ثقبه بخنجر , فكيف يتحرر؟ , ارجوك لا تكرر , علمت ما تريد يا غضنفر ,
      هذا ان يا جعفر
      فكيف اتحرر؟؟

    • زائر 4 | 2:19 ص

      هم يريدون جرّ الناس جرا الى حيث يؤيدونهم في ظلمهم وفسادهم

      لا لن يخضع هذا الشعب للترغيب والترهيب فقد انتهى ذلك العصر ولم يعد شعب البحرين قاصرا لكي تكون هناك وصاية عليه من احد
      نعم هناك من يريد ذلك فله ان يبقى كذلك هذا شأنه اما نحن فانتهى الامر بالنسبة لنا وحسم

    • زائر 3 | 1:48 ص

      الكرامة مفهوم حتى البهائم تعقله

      استاذي،، الحرية والكرامة ثوب لا يدرك كنهه من تعود جسمه على العُري

    • زائر 2 | 1:38 ص

      كلام فقيه لمن يفقه

      والله لن يعلموا ما تقوله،فهي طلاسم لهم. فقه الكلام في مكنونه،ومكنون الكلام في من يفهمه. اختزل كلامك حتى يستطيعوا أن يفهموا ما لا يفهمون. فان فهموا فإنهم لن يفهموا. لأنهم لا يريدون الفهم. من أضاع ماضيه أضاع مستقبله أن وجد!!

    • زائر 1 | 11:42 م

      هم كذلك

      أجدت في اختيار العنوان

اقرأ ايضاً