العدد 3829 - الجمعة 01 مارس 2013م الموافق 18 ربيع الثاني 1434هـ

اللهجات في البحرين: التطور الصوتي في الأفعال الرباعية

التطور الصوتي هو أحد الآليات التي يتغير بها شكل اللفظ عبر الزمن، وقد ارتبط هذا التغير باللهجات العربية، سواء في القديم أو الحديث، يقول إبراهيم أنيس: «أما الصفات التي تتميز بها اللهجة فتكاد تنحصر في الأصوات وطبيعتها، وكيفية صدورها. فالذي يميز بين لهجة وأخرى، هو بعض الاختلاف الصوتي في غالب الأحيان» (أنيس 2003، ص 16). فآليات التطور الصوتي تؤدي لعملية إحلال لفظ محل آخر، إلا أنه ليس بالضرورة أن يرتبط هذا الإحلال باللهجة؛ وذلك لأن بعض أنواع هذا الإحلال أو الإبدال يحدث للفظة واحدة فقط؛ ويقول إبراهيم السامرائي عن ذلك في كتابه «في اللهجات العربية القديمة» (ص 191): «لا يمكن أن تكون كلمة واحدة ظاهرة لغوية صوتية». إلا أن الإبدال لا يظهر وينتشر بصورة عشوائية بل، في الغالب، تحكمه قوانين صوتية، وأحياناً تعجز قوانين اللغة على تعليل تطور صوتي معين، كحدوث نوع غريب من الإبدال بين حرفين غير متقاربين، وفي مثل هذه الحالة لابد أن يكون هناك اتفاق بين أفراد المجتمع على تداول هذا اللفظ الجديد المتطور، وهذا الاتفاق يحدث لا شعورياً ولأسباب مجهولة؛ فالإبدال «عملية لا إرادية ترتبط بالتاريخ والزمن الطويل. بحيث يجد المتكلمون باللغة أنفسهم أمام كلمات متعددة يدل تشابهها على أنّ إحداها قد تعرّضت لمثل هذا التطوّر خلال السنين، وليس من حق أي إنسان أنّ يقوم هو بإحلال صوت محل آخر» (الجندي 1983، ص 348). إذاً فهناك عدة آليات للتطور الصوتي، منها ما تجيزه قوانين صوتية محددة تم وصفها، ومنها ما ينتج عنها ظواهر صوتية ترتبط باللهجة، ومنها ما يحدث في لفظة واحدة فقط لا يمكن تعليله بالقوانين الصوتية الموضوعة؛ وعليه فيمكن أن نقسم التطوّر الصوتي في اللهجات إلى قسمين الأول التطوّر الاتفاقي أو غير المطَّرد والثاني التطور المطّرد.

التطوّر الاتفاقي (غير المطرد)

ويعتبر هذا التطور نوع من الإبدال غير الشائع؛ حيث يتم فيه إبدال حرف مكان آخر في كلمة واحدة (أو ربما أكثر)، وليس في كل كلمة وقع فيها هذا الحرف، فلا يوجد قانون يعلل هذا الإبدال، بل هو في الظاهر حصل اتفاقاً، أما في الباطن فينبغي أن يكون لحصول هذا الإبدال سبب، إلا أنه غير معروف. وعادة ما يمثل لهذا التطور بظاهرة الاستنطاء، أي تحول كلمة أعطى إلى أنطى، حيث تم استبدال حرف العين بحرف النون، وهو إبدال لا يمكن تعليله بحسب قوانين اللغة. فللإبدال قوانين محددة تحكمه ويمكن تطبيقها على الكلمات التي حدث فيها إبدال، ينظر في ذلك على سبيل المثال كتاب الإبدال للسحيمي وبحث «التعليل الصوتي لظاهرة الإبدال» لهدى رشيد (2010م)، وكل إبدال لا يمكن أن يعلل ضمن هذه القوانين يتم اعتباره بدل اتفاقي أي اتفقت عليه جماعة من الناس وأصبحت الكلمة المبدلة ذات خصوصية بجماعة معينة لكنها لا تمثل ظاهرة صوتية لاقتصار الاستبدال بكلمة واحدة.

ثانياً: التطوّر المطّرد

وعادة ما يكون هذا التطور هو المقصود بالتطور الصوتي وهو الأكثر تناولاً في الدراسات الصوتية. ويقسم هذا النوع من التطور إلى قسمين، تطور صوتي تاريخي أو مطلق وتطور صوتي تركيبي أو مقيد.

التطور الصوتي التاريخي

وهي تبدلات تصيب الأصوات نتيجة التطور الذي تخضع له خلال الزمان. وهذه التبدلات تكون مطلقة بمعنى أنها إذا أصابت صوتاً ما فإنها لا تصيبه في تركيب دون تركيب آخر، بل تصيبه في كل تركيب من تراكيب اللغة (الإنطاكي بدون تاريخ، ص 211 و217). وهذا النوع يعتبر خاصية من خصائص اللهجات، على سبيل المثال، تتميز اللهجة البحرانية بعدد من التطورات الصوتية التاريخية مثل إبدال الحروف (ث، ذ، ظ) بالحروف (ف، د، ض)؛ فهذا النوع من التطور ليس خاصاً بلفظة معينة بل بجميع ألفاظ اللهجة البحرانية، وعليه لن نتناول هذا التطور ضمن الأفعال الرباعية لأنه يحدث لكل لفظة من ألفاظ اللهجة.

التطور الصوتي التركيبي

وهذه التبدلات تصيب الأصوات نتيجة تماسها واحتكاك بعضها ببعض في الكلام كالتبدلات الناتجة عن تجاور الأصوات أو تلك الناتجة عن تقارب الأصوات في الصفة، وبعض هذه التطورات مرتبطة باللهجة مثل الكشكشة وقد تناولناها بالتفصيل في فصول سابقة. ويمكن أن يُفسر التطوّر بأكثر من قانون طالما وجدت علاقة صوتية (ينظر في ذلك مطر 1981، ص 241 - 303 ومحي الدين 2008، ورشيد 2010) ومن هذه القوانين: قانون المماثلة (يعلل الإبدال أو تبدلات الحروف)، قانون المخالفة (فك التضعيف وإضافة حروف معينة)، قانون الأصوات الحنكية (إبدال حروف في مواضع معينة مثل الكشكشة)، القياس الخاطئ أو التوهم، العادات اللغوية (سمات اللهجات الحضرية والبدوية).

التطور الصوتي في الأفعال الرباعية

جميع آليات التطور السابقة يمكننا أن نجدها في الأفعال الرباعية التي تطورت ضمن اللهجات في البحرين عن الأصل في اللغة العربية الفصحى، ويضاف لتلك الآليات آلية جديدة وهي إضافة حروف معينة في أحد المواضع الأربعة التالية: في بداية الفعل أو بين الحرف الأول والثاني أو بين الثاني والثالث أو في آخر الفعل (انظر الفصول السابقة). وسنتناول في هذا الفصل عمليتي القلب المكاني والإبدال التي ربما تكون تطوراً تركيبياً أو تطوراً اتفاقياً.

1 - قلب الهمزة عيناً

تقول العامة في البحرين «طَعطَع» بمعنى انحنى وانثنى، والشيء يتطعطع أي يتثنى، وأصل الفعل طأطأ بالهمزة. وقلب الهمزة عين ظاهرة صوتية معروفة في اللهجات العربية القديمة وتعرف بالعنعنة وقد اشتهرت بها قبيلة تميم وأسد وقيس عيلان (خلف 2007، ص 74).

2 - قلب الدال شيناً

تقول العامة في البحرين، وبالخصوص اللهجة البحرانية، «فلان شِخدِب» أي سمين أو غليض ومنها الفعل شَخدَب أي سَمُن وغَلُض، وأصل اللفظ في الفصحى «دخدب» بالدال؛ جاء في معجم لسان العرب مادة (دخدب): «جارِيةٌ دِخْدِبَة ودَخْدَبَة بكسر الدَّالين وفتحهما مُكْتَنِزَة». ولم يذكر فيما أعلم إبدال الدال شيناً في كتب اللغة المتقدمة منها أو المتأخرة. والدليل على أن أصل الكلمة بحرف الدال أي «دخدب» هو أن العامة في البحرين تحرف هذا اللفظ بصورة أخرى فتقول «دخدخ» بمعنى سمن و«مدخدخ» أي سمين، وهذا نوع آخر من تطور الأفعال الرباعية يندرج تحت قانون التضعيف وسنتناوله في الفصل المقبل.

3 - قلب القاف طاء

تقول العامة في البحرين خربط الشيء ولخبط الشيء بمعنى أفسد نظامه، ويرجح أحمد رضا في كتابه «رد العامي إلى الفصيح» أن أصل هذا اللفظ من الفصحى «خربق» فقلبت القاف طاء؛ والقاف والطاء يتعاقبان في الفصيح مثل أحاط به العذاب وحاق به، ويقال أيضاً خلبط بقلب الراء لاماً ولخبط بالإبدال والقلب المكاني (رضا 1981، ص 150). وفي اللهجة البحرانية مازال يستعمل الفعل خربق بمعنى أفسد نظام الشيء ومنه يقال «فلان خربوگ» بمعنى الغبي وغير المنظم أو الذي يفسد الأمور بغبائه.

4 - القلب المكاني

هناك عدد من الأفعال الرباعية التي تطورت بالقلب المكاني إلا أن التطور حدث منذ القدم وتم توثيقه في المعاجم، من مثل لفظة بحلق وقد ذكرت هذه اللفظة في «تاج العروس» وقيل هي لفظة عامية، والبعض يرجع أصلها إلى حملق وقد تطورت بالإبدال والقلب المكاني. كذلك تقول العامة في البحرين «درعم الرجل» أي دخل بسرعة وبدون استئذان، وفي الفصحى يقال درعم ودعرم (بالقلب المكاني)، والدِّرْعِمُة والدَّعْرَمَة هي «قصر الخَطُوِ وهو في ذلك عَجِلٌ» (معجم لسان العرب المواد درعم ودرمع).

العدد 3829 - الجمعة 01 مارس 2013م الموافق 18 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً