العدد 3837 - السبت 09 مارس 2013م الموافق 26 ربيع الثاني 1434هـ

فنون الخروج من الصراع

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

يروى في التراث العربي القديم، أنه عندما يريد المحارب من خصمه التنازل والاستسلام، فإنه يفتح المجال له لحفظ ماء وجهه ويضمن له كرامته، وإذا لم يفعل ذلك فإن خصمه سيقاتل حتى الموت، وهو ما يعني مزيداً من الخسائر، خصوصاً إذا كان الخصم قوياً.

حفظ ماء الوجه فنٌّ من فنون الخروج من الصراع، وهو ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في أية عملية تسوية للأزمات المختلفة؛ لأن الإنسان بطبيعته يسعى لكسب الاحترام، ويفرّ من العار، ولا يتحمل الإهانة، وقد يقدم على الموت دفاعاً عن كرامته أو سمعته أو انتقاماً ممن يتسبّب في إذلاله.

وإذا ما نظرنا إلى وضع الحوار في البحرين، فإن قبول نتائجه من الجميع مرهونٌ بالوصول إلى نقاط تحفظ ماء وجه جميع الأطراف.

والفئة التي لديها مرونة القبول بنقاط حفظ ماء الوجه، لا تلقى قبولاً أمام الفئة التي تتصلب في موقفها، رغم أن الفئة المرنة تمثل رمزاً للفئة المتصلبة، وهذا التناقض بين الرمزية والقبول دليل على حدوث خلل في جهاز التحكم للعقل الجمعي، واستمرار هذا الخلل قد يؤدي إلى الخروج عن السيطرة.

كما أن الوضع في البحرين خرج من الحالة السياسية إلى تعقيدات النفس البشرية، حيث ما يراه زيد أنه كرامة له، يراه جاسم هدراً لماء وجهه، وما يراه جاسم كرامةً له، يراه زيد إهانة له. وهو ما يعني عملياً الدخول في الحلقة المظلمة للصراع، ولا يمكن كسرها إلا بتغيير المفاهيم لقواعد الخير والشر في العقل الجمعي لكل الأطراف.

هناك قاعدتان لخيارات الخير والشر، القاعدة الأولى هي «أختار أما الخير أو الشر»، وهذه القاعدة تؤمن بها الغالبية العظمى من البشر، وهذه القاعدة هي أكبر محرك للصراع والقتل والتدمير والخراب باسم الخير.

القاعدة الثانية، هي «أختار خير الخيرين وأهون الشرين»، وهذه القاعدة هي أكبر محرك للحياة وسعادة الإنسان.

فالخيارات في الحياة ليست مجرد خير وشر، فمثلاً لو أن شخصاً مصاباً بالسرطان في الكف، ونصح الطبيب بقطع الكف حتى لا تنتشر الغدد السرطانية، فالمرض بحدّ ذاته شر، وقطع اليد أيضاً شر، وكذلك عدم قطعها شر.

ماذا يفعل في هذه الحالة؟ إذا كان من المؤمنين بالقاعدة الأولى القائلة «أختار الخير وأرفض الشر»، فإن مصيره الدخول في حلقة الموت المظلمة، لأنه لا يوجد خيار للخير، والخيارات كلها شر.

أما إذا كان من المؤمنين بالقاعدة الثانية، القائلة «أختار خير الخيرين وأهون الشرين»، فإنه سيختار قطع اليد، وهذا الخيار شر، ولكنه سيمنحه الأمل والاستمرار في الحياة.

فالقاعدة الأولى تحفز الطرفين على عدم التنازل والقتال حتى الموت، لأن الطرف الأول يعمل ما يراه خيراً، بينما يراه الطرف الثاني شراً، وما يعمله الطرف الثاني على أنه خير، يراه الطرف الأول شراً.

أما القاعدة الثانية، فتحفّز الطرفين على اختيار الأفضل من بين الخيارات، والأقل ضرراً، وتحفّز على قبول كل طرفٍ التنازل وإن وصل الأمر إلى أن يقطع كل طرف جزءاً من أطرافه، لاستمرار الحياة.

وباعتقادي أن الوضع أكثر تعقيداً، لأن الجسم في حالتنا عاجز عن قطع أجزاء منه، وبينما الجزء يمتلك القوة لفعل العكس، بسبب اختلال التوازن وضعف القدرة على التحكم في العقل الجمعي.

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 3837 - السبت 09 مارس 2013م الموافق 26 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:49 ص

      حفظ ماء الوجه

      اعوذ بالله من قتال المؤمنين لبعضهم البعض فالصلح خير ....لماذا كل هذه التعقيدات يجب اعطاء كل ذي حق حقه ومحاسبة المخالفين لان ما الوجه لا يراق باخذ كل ذي حق حقه والا الدنيا تسير بالعكس

اقرأ ايضاً