العدد 1556 - السبت 09 ديسمبر 2006م الموافق 18 ذي القعدة 1427هـ

الأسطورة الميتة...

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

لأنه شعب متدين، جله مسيحيون يرتادون الكنائس، شأنهم في ذلك شأن غيرهم، كان لثلة المحافظين الجدد أن تستقوي، وأن تتحكم، وأخيراً أن تحكم.

ولأنه شعب، يحب عسكره، إمبراطورية جديدة، إمبراطورية كان لها في فيتنام درس كبير آلمها، عالجته رويداً رويداً، فاكتمل الفتح في أفغانستان، بعد أن مست كرامتهم في غزوة 11 سبتمبر/ أيلول، كان المحافظون الجدد صُناع النصر، فكان للمستقبل، والمستقبل الجديد، وكان للشرق الأوسط، بجديده، وكبيره، وأكبره أن يكون «فكرة» مستساغة.

«بعد سلسلة من المباحثات المعمقة، قررنا أنا ودونالد رامسفيلد أن الوقت قد حان لوضع قيادة جديدة على رأس البنتاغون (وزارة الدفاع)...».

خطاب الرئيس الأميركي الخاص بقبول استقالة وزير الدفاع رامسفيلد

وحين أتى المستنقع «العراقي» ليمحو الأسطورة، الجيش الهوليودي تقهقر، بات يختبأ في الصحراء خوف الموت. أتى إلى الحكاية يومها الأخير، خرج المحافظون الجدد من أبواب كانت لهم، وانتهى العهد الكبير، فلم يبقَ دينهم، ويسارع الباقون في دعوات سحب «العسكر» المهزوم من قارعة بغداد.

يحتاج الأميركيون إلى خريطة طريق، فمن يصنعها لهم...؟

بات جيمس بيكر، بوب غيتس، برنت سكوكروفت، ريتشارد هاس، ولورنس إيغلبرغر من يلعبون أدوار التصدي للسياسة الخارجية الأميركية هذه الأيام، الأول فيهم وعبر «لجنة بيكر لدراسة العراق» يبدو مصراً على لملمة ما أراقه رامسفيلد من ماء وجه، ويبدو الحل الدبلوماسي مدركاً لأبعاد أخرى هي رئيسية، كالصراع العربي الإسرائيلي وأزمة إيران النووية، يدعمه في ذلك توجه بريطاني ملفت نحو احتواء إيران وسورية، عبر سلات عروض عوض السلة الواحدة.

يذهب الباحث السياسي علاء بيومي إلى أن «رؤية المحافظين الجدد للسياسية الخارجية الأميركية تمثل تحولاً ضخماً عن مواقف الجمهوريين التقليدية التي تميل إلى العزلة الدولية واليأس فيما يتعلق بنشر الديمقراطية والقيم الأميركية على المستوى الدولي (لوس أنجلوس تايمز، 1 سبتمبر 2002)».

هذا النفوذ من المحافظين الجدد عززه يوم من أيام الولايات المتحدة المشهودة، هو يوم الحادي عشر من سبتمبر، ففي ذلك اليوم لم يكن بمقدور أحد - أي أحد - أن يقف أمام الصعود القوي لنجم وزير الدفاع الشجاع دونالد رامسفيلد، الذي كانت الكاميرات التلفزيونية تنقل على الهواء مباشرة مشاركته الشخصية في مساعدة ضحايا مبنى البنتاغون، وكذلك هو الحال بالنسبة إلى مساعده بول ولفوفيتز، ونائب الرئيس ديك تشيني وغيرهم ممن اصطلح على تلقيبهم بالمحافظين الجدد، وكان على البقية - خصوصاً وزير الخارجية آنذاك كولن باول - أن يمارس عادة الصمت.

وبحسب بيومي فإن الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان هو من قام بالصعود بهؤلاء لسدة القرار الأميركي، فريغان هو من قام بزيادة موازنة الدفاع فجأة وبصورة خيالية، وهو من قام بفتح مكتب لنشر الديمقراطية بأفكار المحافظين الجدد، وهو من أمر بتعيين بعض أهم قادتهم في إدارته مثل إليوت إبرام، وريتشارد بيرل، وبول ولفويتز، أما السبب في ذلك فهو الخروج بنظام جديد للخارجية الأميركية، قوامه الابتعاد المطلق عن سلبية الديمقراطيين وواقعية الجمهوريين التقليدية، كان هذا المشهد جاهزاً للحضور بعد محاضرة في لوس أنجيلس أغرت الرئيس، وسلبت لبه.

وبدأت مع حوادث سبتمبر مرحلة الرواج، ومرحلة التنفيذ للسياسة الجديدة، من لدينا هنا مع الرئيس جورج بوش في سدة الحكم، فلنرى: نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني ومساعده لويس ليبي، وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ومساعده بول ولفويتز. العلاقة بين رباعي الموت هذا يصفها جون دونلي وأنطوني شاديد ( بوستون جلوب، 10 سبتمبر 2002) بقوله: «إن العلاقة بين الشخصيات السياسية الأربعة المهمة هي علاقة وثيقة تكونت على مدى ثلاثة عقود على الأقل، تشيني ورامسفيلد عملا معاً في العام 1969 في إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون، عندما عمل رامسفيلد مديراً لمكتب الفرص الاقتصادية، وعمل تشيني الشاب ذو الثمانية والعشرين عاماً مساعداً له. كما عمل رامسفيلد رئيس تشيني في مناصب أخرى بإدارة نيكسون وفورد، كما يتشابهان في خبراتهما العملية إذا عملا كنواب كونغرس ورؤساء لموظفي البيت الأبيض ووزراء دفاع في إدارات مختلفة. وبالنسبة إلى العلاقة بين لويس ليبي وبول ولفويتز فقد كان الأول أحد طلاب الثاني في جامعة يل الأميركية، وعمل ليبي أحد مساعدي ولفويتز خلال إدارة ريغان وخلال إدارة بوش الأب. وفي الإدارة الحالية يعمل ولفويتز نائباً لرامسفيلد وزير الدفاع ويرى المراقبون أن رامسفيلد يميل بطبيعته إلى الجوانب التنفيذية الإدارية وأن ولفويتز يمثل بالنسبة إلى رامسفيلد المفكر الاستراتيجي والمنظر القيمي الذي يمد رامسفيلد بالرؤى الكبرى التي يمكن أن يبني عليها أفكاره. أما تشيني فهو ساعد بوش الأيمن وحامل أسرار ومستشاره رقم واحد في الشئون الدولية، ويعتمد تشيني على لويس ليبي بشكل كبير ويوكل له مهمة تطوير وتنفيذه رؤاه وأفكاره السياسية».

أضف إلى اللائحة إليوت إبرام الذي يعمل مستشاراً بمجلس الأمن القومي، وريتشارد بيرل الذي يحتل منصب رئيس مجلس سياسات الدفاع التابع لوزارة الدفاع الأميركية، ويعتبر بيرل أحد أكثر المحافظين الجدد تأثيراً، وقد وصفته بعض الصحف بأنه أكثر مناصري غزو العراق في الإدارة الحالية (واشنطن بوست، 6أغسطس/ آب 2002). لقد عبر المحافظون الجدد عن رؤيتهم للعالم الجديد قبل حوادث سبتمبر، ولا يمكن اعتبارهم طارئين على السياسة الأميركية، ويصف علاء بيومي «مشروع القرن الأميركي الجديد» (www.newamericancentury.org) الذي أسس في العام 1997 للبحث في سبل دعم القيادة الأميركية للعالم بأنه أهم منتج وضح المحافظين الجدد ورؤيتهم الحقيقية للعالم، ويرأس المشروع ويليام كريستول، ويضم من بين الموقعين على إعلان مبادئه الأساسي مجموعة من كبار قيادات المحافظين الجدد وكبار رجال السياسية في الفترة الراهنة على رأسهم ديك تشيني، ودونالد رامسفيلد، وجيب بوش، وإليوت إبرام، وفرانسيس فوكوياما، ولويس ليبي، ودان كويل، وبول ولفويتز.

كانت الانطلاقة بعد حوادث سبتمبر انطلاقتين، انطلاقة المحافظين الجدد ورؤيتهم الجديدة للعالم وللولايات المتحدة الأميركية على السواء، وكانت انطلاقة الجيش المجروح في فيتنام، استغرقت جهود إعادة الثقة بهذا الجيش الكثير، ولم تكن حرب الخليج الثانية (تحرير الكويت) بالدليل الكافي على أن الجيش الأميركي هو القوة الأبرز فعلاً. يقف خلف هاتين الانطلاقتين برجان تساوا بالأرض، وكرامة في البنتاغون الشامخ قد مسها الضر.

كانت الفرصة المثالية والتاريخية للانطلاقة الكبرى، وكان للولايات المتحدة أن تمشي في مسارين اثنين، المسار الأول هو المسار العسكري، فكان لها أن تبدأ بتأديب «القاعدة»، وتأديب «القاعدة» كان يقتضي أن تجمع الولايات المتحدة عدتها وعسكرتها الحديثة قبالة دولة العصابات، وفعلاً كان النجاح ساحقاً، وكانت شعبية الرئيس الأميركي في أوجها، استطاع الأميركيون أن يحققوا نصرين حينها، نصر إعادة الثقة بالنفس، ونصر الجيش القوي، الجيش الذي هو الذراع التي سيضرب بها المحافظون الجدد أعداء الإمبراطورية الجديدة.

المسار الثاني كان المسار الدبلوماسي، كان كولن باول مزعجاً في عدم انصياعه لضمان سير المسار الثاني قبالة المسار الأول بالتوزاي، كان لهذا الرجل الجمهوري التقليدي كما وصفه المحافظون الجدد رؤية مختلفة، ومنهج مختلف، سقط ضحيته بعد ذلك.

كوندوليزا رايس قالت حينها عباراتها التأسيسية: «لقد دعمت الولايات المتحدة نظماً دكتاتورية في الشرق الأوسط وفرخت لها مجموعات إرهابية، ولابد من الإصلاح والانتقال نحو الخيار الديمقراطي». مرحلة إعادة الاعتبار إلى الإنسان في الشرق الأوسط بدأت، هكذا فهمت شعوب المنطقة هذا الخطاب، وهكذا خرج شاكر النابلسي ورفاقه في ما أسموه بالليبراليين العرب الجدد، الجميع بلع الطعم، كوندوليزا رايس نفسها صدقت اللعبة.

الشرق الأوسط الجديد، ثم الكبير، والأكبر، شروق وسطى متعددة الصور والتنظير، القاسم المشترك بينها جميعاً هو ممارسة فعل «الانتظار» لها بلا جدوى. منتدى المستقبل الأول، والثاني، البعد الاقتصادي أيضاً دخل بقوة، الاتفاقات الاقتصادية الثنائية بدأت تزداد وتيرتها، بات الجميع مقتنعاً بأن الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية هو مفتاح اللعبة السحرية للديمقراطية، الجميع يلاحق المستقبل، ولا أحد يصل.

نحن الآن على مشارف بغداد، المسار العسكري يسير من إنجاز إلى آخر، النجاحات تبدو تاريخية، الجيش الأميركي يحرر العالم والعراق من صدام حسين الدكتاتور المجرم. العراقيون في الشوارع ي صفقون ويرقصون، ويسرقون، إنها الأيام الأولى من الحرية كما عبر عن ذلك رامسفيلد، صدقناه، لكنها أيام لم تنتهِ. مازال العراقيون في يومهم الأول حتى اليوم.

الانتصار الكبير انتهى بدولة العصابات، أخفق الشيعة والأكراد في ضبط الدولة، أربعة أعوام مرت وتراجيديا اليوم الأول لم تنتهِ، أقيمت الانتخابات، وأسست 3 حكومات، العراقيون يموتون أكثر، والأميركيون كذلك. مروحية تسقط هناك، ودبابة هنا. سيارة مفخخة تغتال 50 عراقياً، 100 عراقي، 200 عراقي... الأرقام تزداد، ومعها فضيحة الحرية والأمن والمستقبل.

العراقيون كانوا يدركون أسباب الموت، صدام حسين هو بوابة الموت لمن استعجل الرحيل، اليوم، حفلات الموت بلا سبب، قد ينتهي كل شيء في لحظات، المحافظون الجدد وعسكرهم تورط أكثر مما تورط العراقيون أنفسهم، هل هذه «فيتنام» أخرى؟، يكون مزعجاً هذا التاريخ حين يعيد نفسه!. رامسفيلد لا يستمع لأحد، وكذلك أعوانه في البنتاغون. تجاوز الأميركيون مقتل جندي، اثنين، مئة، مئتين، ألف... من أغرق الأميركيين في ورطة لم يتجاوزوها في فيتنام إلا بعد جهود 25 سنة من البناء وإعادة الثقة؟ المجرم سيعاقبه الناخبون الأميركيون! الذين يصفهم المحافظون الجدد الآن بأنهم «لا يعرفون مصلحتهم»!

أتى الحسم في الأيام الأولى من نوفمبر/ تشرين الثاني، ليقف المحافظون الجدد في ساعة حساب عسير، البديل الجاهز يتوثب لاختطاف المجلس تلو الآخر، الولاية بعد الأخرى، خرج المحافظون الجدد وبيتهم الجمهوري بخسائر فادحة، الأميركيون أفاقوا من سبتمبر، أفاقوا من حلم رامسفيلد ورفاقه في الرباعي المجنون.

رامسفيلد قدم استقالته، الآخرون هادون. الديمقراطيون ينتظرون معركة البيت الأبيض على 2008 ليخرج البقية. هل يلملم المحافظون الجدد أوراقهم، أم أن دورة الحياة انتهت، بعد أن انتهى الحلم، وانتهت الأسطورة؟

فلنعد جميعاً، إلى العاشر من سبتمبر.


دونالد رامسفيلد

من مواليد شيكاغو 1932 لأب من أصل ألماني، من منطقة قرب مدينة بريمن شمال ألمانيا. عمل طيارا في البحرية الاميركية خلال الفترة (1954 - 1957) وبعد خروجه من الحياة العسكرية عمل في عدد من اللجان والمجالس الاتحادية الى أن انتخب في العام 1960 عضوا في مجلس النواب الأميركي عن إحدى مناطق ولاية الينوي.

في العام 1973 عين سفيرا للولايات المتحدة لدى منظمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل ومن ثم عين في إدارة الرئيس الأميركي السابق جيرالد فورد وزيرا للدفاع (1974 - 1975).‏

عين في إدارة الرئيس ريغان خلال الفترة (1983 - 1984) مبعوثا خاصا للشرق الأوسط، إذ عمل كقناة خاصة للاستخبارات العسكرية الاميركية مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين خلال الحرب العراقية الإيرانية.‏

مع وصول الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش الى السلطة في 20 يناير/ كانون الثاني 2001 تم تعيينه مرة أخرى وزيراً للدفاع وظل في منصبه حتى إعلان استقالته قبل مدة.‏

رامسفيلد السياسي هو جمهوري مزمن عمل، كما اشرنا، مع ثلاث إدارات جمهورية وهو أكثر من ذلك التجسيد الابرز لنهج الهيمنة والاستبداد والغباء للمحافظين الجدد الذين اختطفوا القرار في الولايات المتحدة الأميركية منذ وصول الرئيس الأميركي جورج بوش الى السلطة في 20/1/2001 وحاولوا اختطاف القرار الدولي والسيطرة على العالم بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول العام 2001 في الولايات المتحدة الأميركية تحت عنوان الحرب على الإرهاب.

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1556 - السبت 09 ديسمبر 2006م الموافق 18 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً