العدد 3860 - الإثنين 01 أبريل 2013م الموافق 20 جمادى الأولى 1434هـ

المنتدى الاجتماعي العالميّ... عالم آخر أفضل ممكن

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

لتونس وجهٌ آخر بعد الثورة لا ينكره أحد، وإن كانت ألوانه وقسماته تختلف من عين إلى أخرى بحسب المنظار الذي تنظر به إلى ما حدث ويحدث في تونس. لكن، أن يجتمع فيها أكثر من 4000 جمعية ومنظمة من أكثر من 130 دولة من بلدان القارات الخمس وآلاف من نشطاء المجتمع المدني والنقابات و... فذلك يعني الكثير. قد يعني، أولاً وقبل الخوض في التفاصيل، أنّ تونس الخضراء وجهة للقاء والفرحة بالبحث عن عالم آخر أفضل ممكن من خلال انعقاد فعاليات المنتدى الاجتماعي العالميّ ولأوّل مرّة في بلد عربيّ وذلك في الفترة ما بين 26 و30 مارس/آذار 2013.

جاء في المادّة الأولى من ميثاق المنتدى الاجتماعيّ: «المنتدى الاجتماعي العالمي هو ساحة التقاء مفتوح للتفكير المتفاعل والحوار الديمقراطي للأفكار: ساحة التقاء مفتوح لصياغة المقترحات والتبادل الحر للخبرات، ولعقد الصلات من أجل النشاط الفعال. ساحة تلتقي فيها جماعات وحركات المجتمع المدني التي تناهض الليبرالية الجديدة وتناهض سيطرة رأس المال على العالم وتناهض أي شكل من أشكال الإمبريالية. ويوجّه المنتدى أنشطته إلى بناء مجتمع يشمل كوكب الأرض كله ونحو إقامة علاقات مثمرة بين الإنسان والإنسان وبينه وبين الأرض».

وللتاريخ فقد وُلدت فكرة المنتدى الاجتماعي العالمي في البرازيل في فبراير/شباط 2000 مع تصاعد النضال في دول أميركا اللاتينية ضد الديكتاتوريات العسكرية وآثار سياسات الخصخصة التي اكتوت بنارها الشعوب. وقد نشأ المنتدى الاجتماعي العالمي، كملتقى للشعوب، في مواجهة منتدى دافوس الاقتصادي العالمي الذي يعقد سنوياً بانتظام حيث تحتكر فيه حكومات الدول المهيمنة مصير العالم، «ليتحول المنتدى الاجتماعى العالمى، في مواجهته، إلى صوت للشعوب في مواجهة صوت الاحتكار عبر منظمات وجمعيات تمثل كل ألوان الطيف الديمقراطي والإنساني والتعددي ينتصر معها المنتدى لصالح الضعفاء والمهمّشين.

أمّا عن انعقاد دورته الثانية عشرة في تونس، ففيها دلالة رمزيّة على الدور المنتظر للتجربة التونسيّة الوليدة في تغيير وجه المنطقة والعالم لصالح الشعوب التي عانت أشكالاً مختلفة من الحرمان والإقصاء والتهميش. وتخوض الآن معارك باسلة للدفاع عن ثوراتها في مواجهة قوى الثورة المضادة وبناء ما أفسدته أنظمة الحكم البالية فيها.

لقد مثّل حدث المنتدى الاجتماعيّ عرساً عالمياً عاشته تونس لأوّل مرة، فمن ذا الذي خطر على باله يوماً أنّ بلداً كتونس قد ينظّم مثل هذا المنتدى، حيث لم يكن يُسمح حتى بالتفكير في مثل هذه المنتديات فكيف بالمشاركة فيها؟! لقد أصبحت ثورة الياسمين ملهمةً لكل الباحثين عن التحرّر، لذلك اختار المنظمون لهذه الدورة من المنتدى الاجتماعي العالمي أن يرفعوا شعار «الكرامة». وجاء في مقال منشور على الموقع الرسمي للمنتدى: «لقاء تونس 2013 يمثل صورة مكبرة للوجه الإنساني الديمقراطي التعددي المشرق».

وقال العضو في المجلس الدولي للمنتدى الاجتماعي العالميّ غوستياف ماسياح في تصريحاته لوسائل الإعلام التونسية: «إنّ المنظمين أرادوا الإشادة بتونس وبشجاعة شعبها، الذي أطاح بالاستبداد، والتعبير عن تضامن العالم بأسره مع هذا الشعب في كفاحه من أجل الحريّة». وهذا ما يرفع من قيمة الرأسمال الرمزي للدولة التونسية بعد الثورة، فضلاً عمّا تعكسه هذه الثقة في قدرة تونس، دون غيرها من الدول العربية التي شهدت تغييرات جذريّة، على تنظيم المنتدى؛ فما تتميّز به تونس من قوة المجتمع المدني وحسّ المواطنة لدى أبنائها يجعلها أهلاً لاستقبال مثل هذه التظاهرات العالمية، وهو ما يجعلها مرةً أخرى في امتحان صعب تتحدّى معه كل العراقيل لتثبت جدارتها بتنظيم المنتدى كأول دولة عربية منذ انطلاق هذه المنتدى.

وتميّزت الدورة الحالية من المنتدى بجلسات نقاش واسعة حول موضوع حقوق الإنسان في العالم العربي، في أجواءٍ من الحرية المطلقة في تناول كل المواضيع؛ من ذلك الجلسة العامة للمنتدى التي ناقشت وضعية حقوق المرأة في دول الثورات العربية، إضافةً إلى التحديات التي تواجهها هذه الدول مثل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة جرّاء تغوّل الرأسمالية الليبرالية الفاسدة وتوسّع الهوة بين الفقراء والأغنياء. كما ناقش المنتدى في تونس دور الشباب في الحياة العامة وضرورة إعطائهم فرصةً لتحمّل مسئوليات متقدّمة في دول الربيع العربيّ نظراً لدور الشباب الكبير في إنجاح مسيرة التغيير فيها، كما دعا المنتدى أنظمة الحكم الحالية في مصر وتونس وغيرها من الدول التي شهدت إصلاحات ديمقراطية أن لا يُكتفى بالديمقراطية من حيث المفهوم على أنها فقط حكم الأغلبية، وإنما نادى المنتدى بالأخذ بمفهومها الواسع الذي لا ينفصل عن مفهوم التنمية المستدامة في أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وتوجّه المنتدى نحو البحث عن البدائل لمواجهة الأخطار التي تهدّد الحياة على كوكب الأرض وحرمان مليارات البشر من فرص التمتّع الحر بموارد الطبيعة.

واحتلت فلسطين مكانةً بارزةً في هذا المنتدى، حيث كانت لها المساحة الأكبر بطرح العديد من القضايا في ورشات العمل مثل حق العودة والقدس والاستيطان وغيرها.

واختتم المنتدى أعماله يوم السبت 30 مارس بمسيرة شعبية ضخمة تعبيراً عن مدى التضامن مع الشعب الفلسطيني إحياءً لذكرى يوم الأرض (30 مارس 1976) حين قتلت سلطات الاحتلال ستة فلسطينيين أثناء تظاهرات احتجاج على مصادرة أراض فلسطينية. وقد جابت المسيرة شوارع العاصمة التونسية في اتجاه سفارة فلسطين، وشكّل المشاركون في المنتدى بمختلف جنسياتهم لوحةً عالميةً في الشوارع التونسية تنادي بتحرير الأراضي الفلسطينية.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3860 - الإثنين 01 أبريل 2013م الموافق 20 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 7:06 ص

      حدث كبير في وطن عربي

      فعلا جميل أن تحتضن تونس هذا الحدث
      تونس مفخرة بتنظيمها المنتدى الاجتماعي

    • زائر 3 | 12:41 م

      رائدة

      لا شك أن تونس لها ريادة عربية في بعض الأمور ونرجو أن ينجح تحولها السلمي حتى يرتد يرتد الكائدون لها على أعقابهم

    • زائر 2 | 9:36 ص

      مقال جميل

      شكرا على التعريف بالمنتدى الاجتماعي
      حقا لم أكن أعرفه

    • زائر 1 | 9:29 ص

      تونس أكثر اخضرارا بعد الثورة

      لتونس وجهٌ آخر بعد الثورة لا ينكره أحد، وإن كانت ألوانه وقسماته تختلف من عين إلى أخرى بحسب المنظار الذي تنظر به إلى ما حدث ويحدث في تونس

اقرأ ايضاً