العدد 3878 - الجمعة 19 أبريل 2013م الموافق 08 جمادى الآخرة 1434هـ

... ورحل «عبدالصمد»

رحل في هدوء في زمن الوحشة بعيداً عن الصخب الإعلامي السياسي مع أنه كان من المطالبين بحق الدولة في رعايته وبحاجته الماسة لكِليةٍ تنهي مأساته التي استمرت لأشهر مع المرض وفشل الكليتين. ولكن في هذا الزمن كما أنه من الصعب أن تجد قلباً طيباً صادقا محباً لجميع الناس؛ كذلك ليس من السهل العثور على كِليةٍ صالحة تناسب المريض وفي وقت بعيد عن لحظات الحرج المرضي التي عاشها الفنان الراحل.

كانت نداءات إنقاذ حياته قد انطلقت منذ يوليه 2012، ثم قبل نحو خمسة أشهر مضت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، جاءت استغاثة أخرى من أسرته الفنية في مسرح أوال ومن محبيه لكل الناس للتبرع بكلية واحدة فقط لفنانهم الذي أمتعهم فناً في أيام الزمن الجميل قبل أن تمتلئ الأجواء قبحاً بوّاحاً، ولكن كان الزمن يجري أسرع من أي استجابة.

محمد علي عبدالرحيم البهدهي، بلا شك من جيل الرواد في الحركة المسرحية البحرينية منذ مطلع الستينات من القرن الماضي. ومن وجوه الحراك المسرحي الأوالي منذ نشأته بجانب زميليه محمد عواد والمرحوم جاسم شريدة وغيرهما. تميز في الأعمال الشعبية وبرز في التسعينات بشخصية أحبها الناس كثيراً وتعلقوا بها وهي شخصية «عبدالصمد» ذي اللكنة الفارسية من خلال حلقات «ملفى الأياويد» وبعض الأعمال الفنية والمسرحيات مثل «سوق المقاصيص». أثرى البهدهي المكتبة الفنية بالأعمال الدرامية والكوميدية من أشهرها مسرحيات: «البراحة»، «حليمة ومنصور»، «بنت النوخذة»، «سوق المقاصيص» وغيرها. وعندما أسس مع زميله راشد نجم مؤسسة المسرح الكوميدي للإنتاج الفني في العام 1983، دخل الإنتاج بدايةً بعالم الطفولة من خلال مسرحية «الأميرة والأطفال» من تأليف وإخراج حمزة محمد في فبراير/ شباط 1984. ثم قدم مع زميليه سعد البوعينين والمخرج إبراهيم بحر في نفس المؤسسة المسرحية الكوميدية «لمفهّي» عام 1997 مُجسّداً فيها شخصية «عبدالصمد» التي أحبها. وفي لحظات إنتاج ذاك العمل تم اختيار محمد البهدهي ضمن فناني البحرين المكرمين في المهرجان المسرحي الخامس لدول مجلس التعاون الخليجي في دورته التي أقيمت في الكويت في الفترة ما بين 27 مارس/ آذار - 3 أبريل/ نيسان 1997. وقد ألقى إبراهيم غلوم كلمة المكرمين قائلاً في نهايتها: «...وأعرف أنكم تدركون الدلالة العميقة أدوار... مرزوق بشير وسعد التمامي وخليفة البلوشي ومحمد البهدهي، إنكم تدركون أدوارنا جميعاً... وتدركون في ذات الوقت معني التكريم الذي نقف من أجله، هل يليق بكم وبنا وبالمسرح الذي نحن عليه وأنتم عليه؟ هل يليق التكريم والمسرح يقع على هامش الخطاب ولا يتسع له من هذا الخطاب غير فائض فائض الفائض». وكأن ذاك الخطاب يشرح الحالة التي وصل إليها الفنان المسرحي في البحرين، فبسبب ضعف سوق الإنتاج الفني البحريني بعيداً عن التسهيلات والدعم الحكومي؛ فقد توقفت المؤسسة الفنية عن الإنتاج وتحطمت أحلام البهدهي في مشروع الإنتاج الفني بشكل عام. وبقي «بو بديع» في سنواته الأخيرة عندما كنا نلتقي في جلسات مسرح أوال خصوصاً في مواسم الأعياد قبل تبدل «النفوس في الزمن المنحوس»؛ يشتكي من إهماله وتهميشه فنياً من قبل المخرجين والمنتجين مسرحياً وتلفزيونياً بعد تلك السنوات من العطاء بلا كلل أو ملل في طريق الفن البحريني. وبقي يذكرهم بأجمل أعماله الدرامية على الشاشة الصغيرة بخلاف الإذاعة أيضاً، مثل: مسلسلات «أم هلال، الوفاء، أولاد بوجاسم، شقة الحرية، ملفى الأياويد، حسن ونور السنا، عجايب زمان، سرور، الكلمة الطيبة، تالي العمر، آخر الرجال، لعبة الكبار، ليالي البنادر، عويشة، هدوء وعواصف، صور من الحياة، دروب، لحظة ضعف» وسهرات «حاجز الذكريات، وعادت الابتسامة، وثلاثية (العين)»، وغيرها.

واليوم كثير من محبيه يتذكرونه في تلك الأعمال التي ستبقى تحمل صورته الدرامية وإن غاب رسمه عن دنياكم... ومن بعض محبيه نقرأ في دفتر وفائهم له ما يأتي:

الدفتر الأول: «كنت ومازلت أفتقد تواجده في الشاشة... وهو نجم كوميديان ورسم لنا الابتسامة والضحكة ولا أحد من متابعي الدراما البحرينية ينسى دوره الشهير (عبد الصمد)... ولكن رغم كل ذلك فإن مبدعينا تائهون في أنحاء العالم كالذرات التي لا تراها العيون... يبكون بصمت ويستشعرون الوحدة، وألم التجاهل في صدورهم يتلظى كالجمر، والنحس يسد في وجوههم كل المسالك والدروب».

الدفتر الثاني: «كان قبل فترة قريبة يناشد في البرنامج الإذاعي (صباح الخير يا بحرين) مد يد العون له للعلاج... كانت كلماته غير واضحة لصعوبة الحالة الصحية... الله يرحمه».

الدفتر الثالث: «الله يرحمه... كنت دايماً أشوفه عندنا في المستشفى وكانت حالته تكسر الخاطر... افتكّ من الدنيا وبلاويها...».

العدد 3878 - الجمعة 19 أبريل 2013م الموافق 08 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 10:11 ص

      فناني البحرين

      الفنان في البحرين ياخدونة لحم ويرمونه عظم (ولكن رغم كل ذلك فإن مبدعينا تائهون في أنحاء العالم كالذرات التي لا تراها العيون... يبكون بصمت ويستشعرون الوحدة، وألم التجاهل في صدورهم يتلظى كالجمر، والنحس يسد في وجوههم كل المسالك والدروب».))

    • زائر 4 | 6:15 ص

      رحمه الله

      الله يرحمه ويغمد روحه الجنة
      ويلهم أهله وذويه الصبر و السلوان
      لفقيدهم وفقيدنا الغالي

    • زائر 3 | 2:45 ص

      الله يرحمه

      ويغمد روحة الجنة

    • زائر 2 | 1:09 ص

      الله يرحمه

      رحمه الله هذا حال البني ادم ... الحمد لله اللهم انك عفوا كريم

    • زائر 1 | 11:59 م

      الطيب يذكر .....

      إلى رحمة الله الواسعة................

اقرأ ايضاً