العدد 3878 - الجمعة 19 أبريل 2013م الموافق 08 جمادى الآخرة 1434هـ

الدراما الإيرانية: إشكالية النص عربيّاً

ينظر إلى الدراما الإيرانية لدى المؤسسة العربية الرسمية بشقيها المدني والديني على أنها نتاج نظام ثيوقراطي شمولي ذو نزعة توسعية، وهي تعد بذلك وسيلة اختراق للفضاء الثقافي العربي بما يمكنها من التأثير عليه، وخصوصاً عندما تقترب هذه الدراما من قضايا مسكوت عنها في الفكر والثقافة العربية فضلاً عن أن تكون مبرمجة في أجندة وسائل الإعلام العربية المختلفة.

وعلى رغم أن صناعة الدراما الايرانية بلغت أوجها في الأعوام الأخيرة «بفضل التقنيات والمهنية العالية والإخراج الاحترافي الذي لا تكاد تبرز إلا في سينما هوليوود» بحسب الكاتب باسل النيرب، فإن هذه الجماليات التقنية قابلها توجس من «النصوص الدرامية»، التي بقيت اشكالاً عصيّاً على الاستيعاب لدى المتلقي الرسمي العربي واذرعه النخبوية والشعبوية التابعة له التي تحاول قدر الامكان وقف زحف أي امتدادات ثقافية لا تمثل الذائقة والذهنية السائدة في المجتمع العربي.

مما لا شك فيه أن الدراما بشكل عام تعتبر اليوم إحدى القنوات المهمة في تمرير فكر أو قيم معينة تستهدف قطاعات عريضة من الجمهور، مستخدماً من النص والصورة حجباً وظهوراً في صياغة وتسويق فكرته، ولذا نرى أن الحكومات العلمانية التي حكمت تركيا كانت تفرض على المسلسلات والافلام الا يسمع صوت الاذان في خلفياتها ولو في شكل عرضي غير مقصود، كما ذكرت ذلك الكاتبة ثريا الشهري في صحيفة «الحياة»، ومن هنا يرى البعض أن المخاوف العربية من رسالة الدراما الايرانية لها ما يبررها في ظل ترسانة اعلامية ايرانية تقدر بأكثر من 40 قناة، منها قناة متخصصة في دبلجة المسلسلات والأفلام من اللغة الفارسية الى اللغة العربية، وكل هذه القنوات تشرف عليها هيئة الاذاعة والتلفزيون الوطنية الايرانية التي تأسست العام 1966، لكن هل ترتقي تلك المخاوف كي تصل إلى مستوى مواجهة النص باعتباره اشكالية مؤرقة للفضاء المعرفي العربي وخصوصاً إذا اكتشفنا هيمنة النص الايراني وكأنه صورة حية تتفرع منها عشرات الصور النابضة بالحياة؟

وقبل الشروع في فهم هذه الاشكالية ومسوغاتها يجدر بنا أن نلقي نظرة خاطفة على هذه الدراما التي تشكل جزءاً من ثقافة شرقية تتصل بقضايا تاريخية وسياسية وفلسفية عميقة، والوقوف على ملامح الدراما الايرانية بعد انتصار الثورة الاسلامية في فبراير/ شباط 1979.

لا تعاني الدراما الايرانية اليوم من «أزمة نص» لا كمّاً ولا كيفاً مثلما هو الحال في العديد من الدول العربية الرائدة في الدراما والتي تعاني منذ فترة ليست بالقصيرة من أزمة نص، ولم تمنع الرقابة المشددة في إيران على النصوص من أن تصاب هذه الدراما بفقر دم نصي، بل على العكس كانت لهذه النصوص ديناميكية هائلة للالتفاف على الرقابة، بحيث نظن أن ثمة تواطؤ خفي بين شبهة النص والرقابة (سنبين ذلك لاحقاً في في تفكيك نص مسلسل المختار).

وهذه الدراما تنقسم إلى ثلاث أنواع، الدراما الاجتماعية، وهي التي تنقل تفاصيل دقيقة للمجتمعات الايرانية ومشاكلها اليومية البسيطة والمعقدة، والنوع الثاني دراما الحرب التي تستعرض أحداث حرب السنوات الثماني (1980-988) بين العراق وايران وأبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأخيراً نصوص الدارما التاريخية التي تتعرض للتاريخ الفارسي القديم، إضافة الى دراما تتناول شخصيات دينية وعلمية فارسية واسلامية مثيرة للجدل في بلد متعدد الاعراق والأديان والأفكار.

لم تشكل الدراما الاجتماعية الايرانية أي هاجس أو خطر داهم لدى المتلقي العربي في المستقبل المنظور على الأقل، كذلك الأمر ينطبق على دراما الحرب، فهي تمثل غالباً وجهة نظر المؤسسة الرسمية الايرانية ويتم تسويقها للداخل اكثر منها للخارج حيثى تجيب على الاسئلة المصيرية المعلقة مذ انتهاء تلك الحرب، لكن الذي شكل هاجساً لدى المتلقي العربي هي الدراما التاريخية وهي النوع الثالث، وإذا كان النص يشكل «معنى ويؤسس مرجعية» على حد تعبير الناقد المغربي محمد خرماش، فإنه يُنظر إلى هذه الدراما باعتبارها دراما موجهة تستبطن تشويه الذائقة التاريخية لدى المتلقي العربي الخاضع أساساً لمنظومة اجتماعية ترى في التاريخ العربي والاسلامي (الرسمي) جوهراً لا يمكن المساس به في أي حال من الأحوال.

لكن هناك مفارقة ربما تشكل استثناء في تعاطي المتلقي العربي الرسمي بإيجابية مع ما يمكن ان نطلق عليه الموجة الأولى من النصوص الايرانية وذلك عبر دبلجة العديد من المسلسلات التاريخية والدينية للغة العربية، فعلى سبيل المثال كانت قناة «ابوظبي الفضائية» أول قناة رسمية تعرض مسلسل مريم العذراء، كذلك فعلت قناة «السودان» إضافة الى قنوات شبه حكومية عرضت مسلسلات يوسف الصديق وأهل الكهف وابن سينا، وقد لاقت تلك المسلسلات استحسان جمهور عريض من قبل المشاهدين العرب بمختلف انتماءاتهم الفكرية، وهكذا مرت هذه الموجة بسلام.

أما الموجة الثانية من الدراما التاريخية الايرانية، فقد جاءت محملة بالاشكالات التاريخية الممتدة الى الف عام مضى، وتحديداً منذ صدر الاسلام الأول، وهو ما جعل المتلقي العربي يستنفر كل أجهزته الدينية والنخبوية ذات الميول القومية لتكون المواجهة أبعد من خلاف فقهي حول إباحة او حرمة تجسيد شخصيات الآل والأصحاب إلى موضوع أعمق يتعلق بإعادة قراءة الموروث التاريخي واستنطاقه مجدداً، من خلال نص مسلسل الإمام علي وغريب طوس والمختار وغيرها من المسلسلات ما أوجد اشكالية للنص أمام المتلقي العربي وهو ما يقودنا بالضرورة إلى تفكيك هذه الاشكالية من جهة وإلى قراءة موضوعية وتفكيكية للنص الايراني من جهة أخرى، قد توصلنا إلى معرفة الآخر المجاور لنا جغرافيّاً وتاريخيّاً.

العدد 3878 - الجمعة 19 أبريل 2013م الموافق 08 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً