العدد 3892 - الجمعة 03 مايو 2013م الموافق 22 جمادى الآخرة 1434هـ

في «معجم العين»... المحروس يوثق رحلة الخان من الصورة إلى السيرة

الخان يتصفح سيرته مع محمد بن إبراهيم كانو
الخان يتصفح سيرته مع محمد بن إبراهيم كانو

بشغف المهووس بالصورة والمأخوذ بالسيرة، يلذّ للباحث حسين المحروس أن يتكشّف عوالم الفوتوغرافي عبدالله الخان يوماً بعد يوم، وصورةً بعد صورة، ليخرجها من المخبوء لفضاء التداول مشروعاً بعد مشروع وكتاباً بعد كتاب.

في لحظة من لحظات اليأس التي تلمُّ بالمبدع أحياناً قال الخان لمريده: « شوف أخوي حسين. أنا لا أحبّ أن يعرفَ أحدٌ أنّي مصورٌ فوتوغرافي. ولا أؤيد تدوين سيرتي في التصوير. ولا أريد أن يتعلّم أحد من أولادي التصوير. وهذه الصور التي عندي سوف أحرقها، زين، زين؟ مع السلامة»، وكاد هذا اللقاء الجاف ربما في لحظة يأس أن يقتل أملاً قادماً وكتاباً لمّا يتشكّل بعد، وتنتهي الحكاية إلى هذا المفصل، ولا تكون هناك سيرة بعد سيرة للخان، لكن نضارة الأمل وجرأة الإصرار لدى المحروس ما زالت طرية قادرة على تحمّل لحظة يأسٍ عابرة، ربما بدت صادمة الآن لكنها حتماً ستكون فيما بعد مضحكة بل وغريبة بعد أن تمتلئ بأنس المعرفة وحلاوة الإنجاز، وانجلاء غشاوة اللقاء الأول، وجهل من لا نعرفه فلا نقدره.

هكذا راح حسين المحروس يسرد سيرة الخان فتكون لكل صورة حكاية وكلما استوقف الخان لحظة ما من لحظات الزمن وأخذها بين عينيه، كان للمحروس أن ينثرها قصة تتولد منها قصة أخرى حتى تم هذا الكتاب (عبدالله الخان: معجم العين) تأليف حسين المحروس، من خلال 522 صورة ترجمت الكتاب فاطمة الحلواجي، بمشاركة محمد الخزاعي، وفيشواز رويت، ومراجعة كل من حسن كمال وفضيلة الموسوي وآمال الخيّر، وخط عنوان الكتاب الفنان عباس يوسف، حفظت حقوق النشر للمؤلف ولشركة بيت البحرين للتصوير.

تقرأ الكتاب وتتبصره فلا تجده يضم سيرة للخان فقط، وإنما هي سيرة لتاريخ الصورة في البحرين، متمثلة في رجل أحب الصورة، ووهب لها نفسه فصار هو رجل الصورة وتاريخها في البحرين، وهكذا وعلى طريقة السير الذاتية راح ينثر تاريخه مع الصورة وتاريخ الصورة معه منذ البداية بل قبل ذلك وكأنه قبل أن يولد كان هذا قدره الذي اختاره هو واختارته الصورة لنفسها ليكون رجلها الأول في البحرين، فراح يحكي قصة كل صورة التقطها في يوم ما، وبدأ المحروس يسرد السيرة على طريقته، بل ويستنطق ما غمض أو ما تلاشى خلف النسيان، فتتولد الحكايات وتستدعي الصورة حضور صورة أخرى.

ولم يشأ الخان أن يميت أباه على طريقة بعض كتاب السيرة، فينسب كل شيء إلى ذاته واجتهادها، بل راح يؤصل للحكاية ويقدم لسيرته مع الصورة بحكاية والده مع الصورة، هذا الوالد الذي لن يعرف المتلقي من ملامحه الشيء الكثير سوى علاقته مع الصورة، ولن يظهر مرة أخرى سوى حين الحديث عن الصورة والتعب حين غرق والده في البحر فراح الخان يصوّر لقطات إنقاذه حتى أنه زجره «أنا أغرق وأنت تصور» وما هذا التقديم على طريقة السارد المغرض إلا لنكتشف أنه كأبيه أيضاً على موعد قادم مع الصورة بل حتى مع الغرق، لكن هذه المرة غرق هو في الطين حين شدّه منظر الساحل فراح يصوّره ويمضي قُدماً غير عابئ بطين الساحل حتى غاص فيه ولولا لطف الله ومرور صبية بالساحل لالتهمه البحر، لكنه لا يفارق هواه فحتى وهو وسط هذا الموقف المخيف ووسط الغرق المحيق به ما كان منه إلا أن سلم الكاميرا إلى أحد الصبية الذين شرعوا في إنقاذه مشيرا إليه أن يصور اللحظات الأخير لعملية الإنقاذ، وليتمم الحكاية في فصل خصصه للصورة والتعب.

هذه إحدى الحكايات وفي الكتاب الكثير من القصص التي تروق للمتلقي وتستهويه خصوصاً ما أسميه حكايات البدايات وهي كثيرة بالكتاب لو تتبعناها ومنها حين يسرد قصة والده مع الصورة وحكاية أمه، وكيف كانت توقّت لضبط الفترة التي يحتاج إليها الفيلم للتحميض بدورانها في فناء البيت لتعطي والده إشارة بعد ذلك، وضحك النساء منها وظنهن أنها جنت، وبذلك يكون بيته هو بيت التصوير الأول، ثم حكايته مع بلغريف، وغيره وكل ذلك كان له أن يشكل شخصية الخان الصغير ليدلل على أنه كان على موعد مع الصورة.

فيكبر الفتى وتراه يجتاز مرحلة إلى أخرى والكاميرا لا تفارقه... في البيت في الحي في المدرسة، ليكون مشروع مصور منذ الطفولة حيث يستهويه وهو يطل من المدرسة مشهد استقبال الملك حسين فيشرع في التصوير ويبعده أحدهم فيصر على التقاط الصور، ويكون ذلك أحد المواقف التي تكشف عن شخصيته وتجعله يواصل شغفه بالصورة وغيرها من المواقف التي تتعنون بمواقف البدايات لتبدأ في تشكيل مستقبله في النهاية على طريقة أن البداية هي النهاية ولتتأكد تقنية السارد المغرض وأنه ما ابتدأ بذلك إلا ليكون كذلك والتي وظفها المحروس في سرده بذكاء وأخذ يلتقط البدايات بذكاء لكل حكاية فيحبكها جيداً، وعينه دائماً على الفتى والصورة فتكون هي الوحيدة التي تصنعه ويصنعها.

صُمّمَ الكتابُ برؤية بصرية حذقة تشتغل بعينين أخاذتين عين على تقنيات فن الصورة وأخرى على تقنيات فن السيرة، وقد توزعت صور الكتاب البالغة 522 صورة وقصاصات سيره في فصلين في أربعمئة صفحة، ضم الفصل الأول 22 عنواناً، منها معجم العين، فضة المرايا وأول الصورة، وأفكر في التصوير، وظل محسوم، أما الباب الثاني فقد ضم 12 عنوانا منها البحرين بعدسة والدي، ساحة مدرسة المنامة الثانوية، كلية إيلينج للتكنولوجيا ومدرسة الفن، وثلاثة يسافرون بالسيارة إلى البحرين.

العدد 3892 - الجمعة 03 مايو 2013م الموافق 22 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:20 ص

      حبيب حيدر ..سردك لقصة أم حبك حكاية هنا !

      طرح الأخ حبيب أكثر من رائع حتى اني أكاد أن ارجوك أن ترسل لي هذا الكتاب المحبك بالصور.! ممكن ؟

اقرأ ايضاً