العدد 3905 - الخميس 16 مايو 2013م الموافق 06 رجب 1434هـ

البراناياما في «اليوغا» (5)

عدنان الموسوي comments [at] alwasatnews.com

صحافي بحريني

تشغل البرانا حيزاً مهمّاً في كل التقاليد السرية للأديان الهندوسية والتاوية والبوذية والمسيحية، وقد استخدم اليوغيون البرانا منذ القدم ضمن تمارينهم الروحية والعلاجية.

وذكرها اليوغيون القدامى في كتاب الاوبانيشاد 700 ق.م ثم أتى من بعدهم غوراكسا وماتيساندرا وعملا أسلوباً خاصّاً في التنفس البراني لمحاربة الأمراض وذلك بين العامين 58 ق. م و78 ب. م.

لا يؤمن الكثير من الناس إلا بما يقع تحت حواسهم، لكن هناك الكثير من الأشياء التي نؤمن بها دون أن نلمسها ولا نشاهدها أو نسمعها، كالكهرباء والمغناطيس والألوان فوق البنفسجية. والسبب في ذلك محدودية حواسنا، والبرانا أحد هذه الأشياء التي تقوم عليها حياة البشر والمخلوقات الأخرى من دون أن تدركها أعضاء الحواس.

وقد استخدم اليوغيون البرانا منذ القدم ضمن تمارينهم الروحية والعلاجية، وجنوا فوائدها العظيمة من اكتساب الصحة النفسية والجسدية والنشاط والحيوية والتخلص من القلق وتنمية الحدس.

وكلمة برانا تعني جوهر الحياة، بينما تعني ياما فن اكتساب جوهر الحياة، إذاً فالمعنى الكامل لكلمة برانا ياما تعني: فن اكتساب هذه الحيوية مع السيطرة عليها.

والسيطرة هنا تشمل كل عمليات التنفس بمراحلها المختلفة تحت المسميات الآتية:

- الشهيق: هو ملء الرئة بالهواء وتسمى (بوراكا).

- الزفير : تفريغ الرئة من الهواء أو إنهاء العملية وتسمى (ريكاكا).

- التوقف أو حجز النَّفَس، وهي الحالة التي ليس فيها شهيق ولا زفير وتسمى (كومبكا).

والكومبكا تدخل في كل المراحل الثلاث التي أشرت إليها مسبقاً، لكن هناك حالتين مختلفتين للكومبكا. الأولى عند توقيف النَّفَس بعد عملية الشهيق وملء الرئتين بالهواء وتسمى العملية (انترا كومبكا) أما عند توقيف النَّفَس بعد الزفير الكامل وتفريغ الرئتين من الهواء قبل أخد الشهيق فتسمى هذه الحالة (بايا كومبكا)، إذاً الكومبكا تعني الفترة الزمنية الفاصلة بين عمليتي الشهيق الكامل والزفير.

والبرانايما يجب أن تمارس بحذر شديد وعناية وببطء أو تحت إشراف أستاذ متمرس مع الأخذ في الاعتبار قدرة ومحدودية الشخص الجسدية وإلا فإنها قد تؤدي الى عواقب وخيمة وربما إلى الوفاة.

وحياة اليوغي لا تقاس بعدد الأيام بل بعدد مرات التَّنَفس، لذلك يجب على المتمرن اتباع نمط وإيقاع بطيء من التَّنَفس العميق، هذا النمط من التَّنَفس البطيء الموزون يقوي الجهاز التنفسي وينعش الجهاز العصبي ويحقق الغاية العظمى، وهي خفض وتيرة الرغبات التي تفضي إلى تحرير العقل وتجعله العربة المناسبة إلى الانتقال إلى المرحلة المقبلة وهي التركيز.

وإذا كان باستطاعة العقل مراقبة التَّنَفس متابعاً سريان البرانا؛ فإن مراقبة الأنفاس (جمع نَفس) تساعد على مراقبة الفكر والتصور. من ناحية أخرى بقدر ما تؤثر المتع العاطفية وبشكل مباشر على وتيرة وتردد التنفس، يؤدي ضبط إيقاع وتيرة التنفس إلى السيطرة على تلك المتع وإيصال اليوغي إلى تحقيق الهدف الأسمى وهو الضبط والسيطرة على العقل، إذ كلما أتقنا التنفس إراديّاً تمكنا من ضبط العقل.

والبرانا هي مصدر كل حركة في الكون، ومصدر كل قوة وطاقة، وهذه الطاقة التي تتخلل كل مادة في الكون هي كائن في الجو والهواء على رغم أنها ليس من مادة الهواء، لكنها متغلغلة فيه، ويحصل عليها الإنسان والحيوان والنبات أثناء العملية التنفسية، وإذا فقدت هذه المادة من الهواء ذبلت الحياة، وهذه المادة موجودة في كل مكان، بل إنها تخترق الأماكن التي لا يمكن للهواء أن يلج إليها، ومن الناحية البيولوجية تحصل أجسامنا على هذه الطاقة بصورة دائمة في كل مرة نستنشق فيها الهواء، وتقوم أجسادنا بامتصاصها عن طريق المراكز العصبية في الجسم لكن عندما نجعل تنفسنا يوغيا إراديا؛ فإننا نحصل على قدر وافر من البرانا بل يمكن تخزين الفائض في المخ والمراكز العصبية المختلفة، ويمكن لليوغي القيام باستخلاص الكمية التي يريدها من البرانا لتجديد الحيوية والنشاط لخلايا عقله وغدد جسمه.

إن الأكسجين يتفاعل مع الدورة الدموية، أما البرانا فإنها تتفاعل مع الجهاز العصبي، فكما تسري الدماء في جميع أعضاء الجسم تسري البرانا في الأعصاب كما تسري الكهرباء في الأسلاك. ولكي نفهم آلية امتصاص البرانا علينا أن نتعرف على الجسم السيال في الجسم.

إن البرانا التي نأخذها من الهواء عبر التنفس هي البرانا العليا وهي لا تغذي جسمنا المادي فقط، بل تغدي جسماً آخر هو الجسم السيال، وهي تؤدي وظيفة حيوية في تماسك خلايا جسمنا السيال وهذا يفضي إلى تماسك الخلايا في جسمنا المادي. وعلى رغم أن الجسم السيال غير مرئي فإن اليوغا تؤكد أنه موجود على شاكلة الجسم المادي فهو يتغذى ويتنفس ويهضم. ويتغذى جسمنا السيال من نوع من البرانا تسمى الابانا أي (البرانا السفلى) ويحصل عليها الجسم السيال من الأطعمة التي نتناولها حيث إن الأبانا (البرانا السفلى) هي المكون الأساسي للجسم السيال للحيوانات والنباتات، لكن في المقابل يأخذ جسمنا السيال حاجته أيضاً من البرانا العليا.

إقرأ أيضا لـ "عدنان الموسوي"

العدد 3905 - الخميس 16 مايو 2013م الموافق 06 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً