العدد 1562 - الجمعة 15 ديسمبر 2006م الموافق 24 ذي القعدة 1427هـ

حينما تكون «المواطنة» مرآة الوحدة الوطنية

«وطن يحتضن الجميع»... في كل أيام الوفاء

الوسط - سعيد محمد، عبدالله الملا 

15 ديسمبر 2006

لم تعد «الوحدة الوطنية» مجرد شعار يرفع في المناسبات واللقاءات الوطنية... ثمة تحولات مهمة وعميقة يشهدها هذا المجتمع النشط من كل الاتجاهات، ولعل موضوع النسيج الوطني واحد من أهم صور ذلك الحراك في وقت ترتفع فيه الأصوات المنادية بتدعيم هذا النسيج والحفاظ على السلم الاجتماعي.

وإذا كنا نحتفل بعيدنا الوطني المجيد، فإن دلالاتٍ متعددةً تتصدر الحوار، بين كل متحاور في منتدى البلد... بكل طوائفها وتياراتها وطبقاتها، ذلك أن المواطنة بمعناها الفلسفي والفكري واللغوي والعملي، هي التجسيد الأعمق للوَحدة الوطنية.

في هذه المناسبة العزيزة، سنحاول أن نقرأ مفهوم المواطنة... تلك رسالة قصيرة نود إيصالها إلى كل من يقرأ هذه السطور، والثقة - كل الثقة - بأن من يتلقى هذه الرسالة هو في حقيقته «ابن البحرين» الذي يحبها وتحبه، ولعل في هذه الحوارات الموجزة هنا ما يسمح بتنويع مساحة الكلام:

في حوار جميل، يتحدث كل من الشيخ عبداللطيف المحمود والشيخ عبدالمجيد العصفور في موضوع «المواطنة» كمحور معادلة تقوم على الحقوق والواجبات، وإذا كانت الأسئلة - التي وردت في برنامج تلفزيوني شارك فيه الشيخان - تناولت إلقاء الضوء على شرعية إحياء الاحتفال بالعيد الوطني، فإن الإجابة التي اتفق عليها الاثنان هي: «جواز الاحتفال بالعيد الوطني كمناسبة وطنية لتعزيز مفهوم المواطنة وحب الوطن على ألا يكون هذا الإحياء بمثابة ممارسة، واجبة أو مستحبة، وإنما تبقى في حدود الممارسة الاجتماعية الوطنية لإبراز معانيها السامية».

وفي محاور أخرى، نجد التركيز على المسئولية الكبرى التي هي مطلوبة اليوم من جانب كل فرد يعيش في هذا المجتمع من أبنائه، وهي التصدي للصور التي بدأت تظهر لتنخر هيكل المجتمع، ولعل أبرزها الصور الطائفية والإقصاء والتحدي السافر في إثبات الانتماء واللا انتماء باعتبار أن المواطنة الصالحة هي العمل في وحدة متكاملة لتحقيق المصلحة العليا للوطن والمواطنين، وتبقى على السلطة أيضاً مسئولية منح الحقوق كاملةً لكل مواطن، غير منقوصة.

تجريد الحديث من الشعارات

وعلى الاتجاه ذاته، يؤكد الناشط ثابت الشروقي أن العمل من أجل الوطن وفي مناسبة عزيزة علينا، يجب أن يخرج الحديث عنه مجرداً من الشعارات، وأن يتم تأكيد الجوانب العملية، بالإضافة إلى النظرية والفلسفية في بناء المجتمع، فمن يتحدث عن إثارة الفتنة ويقدم نفسه طرفاً في التصدي ضمن حائط صف بحريني قوي، وهو في حقيقته أسهم في شق الصف، فهذا طرف يجعل كل ذي عقل، يثير أكثر من سؤال وعلامة تعجب.

ويشير إلى أن المجتمع البحريني اليوم - وبعد اكتمال عقد المجلس الوطني بغرفتيه الشورى والنواب، والمجالس البلدية - أمام مرحلة حاسمة من العطاء للمجتمع، فالمواطن ينتظر قضايا مهمة يجب أن تثار وعينه على النواب الذين اختارهم ليمثلوه في المجلس النيابي، وأتمنى - كما كنت أكرر دائماً - أن نكون يداً واحدةً في ترجمة وعي حقيقي لمفهوم المواطنة، فالبحرين، وطننا الذي لا نرخصه أبداً.

ترسيخ الانتماء إلى الوطن

ولا يجد الكثير من المواطنين بداً من اعتبار المناسبة الوطنية الكبيرة - وهي العيد الوطني وعيد جلوس جلالة الملك - مناسبةً لإعادة الحسابات في البيت البحريني؛ لحماية مكتسباته ومقدراته والحفاظ عليها، ويرى الموظف شريف أحمد أن من المرتكزات الرئيسية لإحياء مناسباتنا الوطنية، تجسيد معنى الانتماء للوطن والتعاون والتكاتف للحفاظ على أمنه واستقراره ووحدته ولا بأس من التعبير بالمشاعر التي تعكس الانتماء وترسخه في النفوس، وتحريك المشاعر الوطنية التي تملأ القلوب وتحويلها إلى تعابير صادقة وأعمال ملموسة تنبض بالعطاء والوفاء للوطن العزيز وقيادته.

ويضيف شريف أن «من الأهمية بمكان أن يكون للشرائح المثقفة والرموز الوطنية دورٌ في تحقيق أهداف نبيلة تتمثل في ترسيخ الانتماء إلى الوطن والمحافظة على مكتسباته وتحقيق التفاعل الإيجابي والتعاون بين الأفراد؛ لخدمة مجتمعهم، والمساهمة في دعم الجهود الرسمية والأهلية ومساندتها في جميع المجالات الرامية إلى إبقاء المجتمع متحاباً قوياً في علاقاته.

من حق كل فرد التحدث عن وطنه...

والمواطنة ليست مناصبَ

ولعله ينظر إلى الموضوع من طرف آخر مهم، فعضو مجلس بلدي العاصمة صادق البصري يؤكد أن مفهوم المواطنة أوسع بكثير مما نسمعه ونراه، وخصوصاً فيما يحدث في بعض دور العبادة، إذ كثرت الأحاديث عن تسقيط بعض الأحزاب حتى الطوائف، وهذا يتنافى مع مفهوم المواطنة الحقيقية.

ويفصِّل «المواطنة بمفهومها الرحب تشمل ذلك المواطن الذي يسعى على الدوام إلى مصلحة بلده بأية طريقة كانت، ويعمل على تقديم ما باستطاعته؛ لخدمته كي يصل به إلى الرقي في مختلف النواحي. والمواطنة تشمل ذلك المواطن الذي يخلص لوطنه ولشعبه، وهو ذلك المواطن البسيط الذي يخلص لقيادته وشعبه وبلده وهو على استعداد للتضحية بدمه وبماله في سبيل وطنه، ولنتساءل هنا: «من يمتلك هذه الصفات؟».

ويقول: «المواطنة لا تقتصر على أحد بعينه، ولا يحق لأي كان أن يخون أو يتحدث عن المواطنة ويحصرها في زاوية ضيقة ويحولها إلى ثوب لا يلبسه إلا أشخاص بعينهم، والمواطنة حق مكفول لكل مواطن ولد وترعرع على هذه الأرض، والمواطنة ليست مناصبَ أو ولاءاتٍ تقدم هنا وهناك».

ويستطرد البصري «لابد أن نشير هنا إلى أن المواطنة لا تحد بحد الانقسامات المذهبية أو العرقية أو السياسية، ومن حق كل فرد أن يتحدث عن الوطن؛ لأنه ينتمي إلى هذا الوطن».

وعن المنغصات التي أحدثت شروخاً في مفهوم المواطنة - بحسب البصري -، نرى أن التجنيس العشوائي أدى إلى إحداث خلل، مشيراً إلى أن هذا الخلل سيكون له أثره على المواطنة حتى لو كان هذا الأثر صغيراً اليوم. ويقول: «ما يحدث اليوم هو ظلم حقيقي لأبناء البلد الأصليين، فنهب الأراضي والأملاك والسواحل وترحيل الكفاءات الوطنية عن المناصب، ضربٌ في مفهوم المواطنة».

ليست ورقةً صماءَ!

وإذا كان الكثيرون يؤمنون بأن هناك حاجةً إلى تأصيل وترسيخ المفاهيم، فإن إبراهيم الماجد (مدرس أول اقتصاد) يرى أنه من السهل استغلال أي مفهوم من دون معنى واضح، وخصوصاً بعض الألسن التي تمتهن النفاق للتقرب أكثر من اللازم.

وعن معنى المواطنة يقول: «المواطنة هي أبعد من أن تكون ورقةً صماءَ في يد شخص يحصل من ورائها على مكتسبات معينة، فالمواطنة هي انتماء ودم وامتداد تاريخي، والمواطنة تعني أن هذا الإنسان يحمل في قلبه معاني سامية عن هذا الوطن، ولعل من جرَّب الغربة يعرف هذا المعنى جيداً، فالمجنسون لا يمكن أن تربطهم مواطنة؛ لأنهم هنا لمصلحة شخصية تنتهي بانتهاء المصلحة».

ويذهب الماجد إلى ضرورة تأصيل هذا المفهوم من خلال مجلس النواب بقوله: «نقفز إلى البرلمان باعتباره المكسب الذي وصل إليه واقعنا السياسي، فالبرلمان معني بهذا المفهوم، وخصوصاً بعد ظهور برلمانيين صرحوا بأن بعض من وصل إلى المجلس بحاجة إلى وضع مصلحة الوطن على رأس الأوليّات وكأن المواطنةَ مقصورةٌ عليهم وهذا نقص واضح فيهم؛ لأن المواطنة أكبر وأوسع من هذا المفهوم بكثير».

ويشير إلى أن المعارضة في البرلمان لديها دور كبير الآن في عدم الانجراف وراء دعاوى الاصطفاف، موضحاً أن المواطنة تحولت إلى شماعة يتخذها البعض عندما يصطدم مع الطرف الآخر، ولذلك رأينا أن المواطنة تطرح عندما يطرح البعض الملفات الكبرى، فيما تختفي المواطنة عندما تطرح الملفات الصغيرة، بل إنها تستخدم كحصًى يضرب بها من يرفع شعار التصدي للملفات الكبيرة.

بلورة عملية للتوجهات

ماذا عن الشباب؟ هذه الفئة، لديها الكثير، فكل من عارف السندي، وعبدالله غرير وجاسم محمد السبع (طلاب جامعيون) يرون أن إحياء مناسبة العيد الوطني يجب أن تأخذ صبغةً أخرى في ظل ما يجيش به المجتمع، ولابد من أن نقدّر المشاعر الوطنية التي تجمع أهل البحرين أسرةً واحدةً في هذه البلاد التي شهدت بجهود كل مواطن مخلص نهضةً شاملةً شهد لها القاصي والداني في شتى نواحي الحياة، إذ سخرت هذه البلاد كل إمكاناتها في تأسيس البنية الأساسية عندما كانت الظروف الاقتصادية مزدهرةً، فاستفادت من إقامة الكثير من المشروعات وأقامت الكثير من المنشآت ومنها المنشآت التعليمية والصحية والاجتماعية في عموم مدن وقرى المملكة، لكن لابد من تقديم بلورة عملية على أن الدولة سائرة في إعطاء التنمية أهميةً كبيرةً لتلبية احتياجات المواطنين، لذلك تأتي المشاركة من قِبل المواطنين مبنيةً على أساس الانتماء إلى الوطن ومن ثم المشاركة في هذه المناسبة السعيدة.

كثيرة هي القضايا التي تهم الوطن والمواطن، والأمور المتعلقة بعمل الحكومة خلال المرحلة المقبلة بما يلبي ويواكب ما تشهده المملكة من تطور في المجالات كافة، ويمكننا أن نشعر بأن المناخ السياسي الحيوي بمملكة البحرين ورغبة الحكومة المستمرة في تحديث الأداء والإسراع بخطواته واستمرار سياسة التطوير التي تنتهجها الحكومة وفق ثوابت أساسية قوامها تحقيق توجهات الدولة وتطلعات المواطنين والعمل على الوصول بالنمو الاقتصادي إلى مستويات مرتفعة؛ للارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطنين، كل ذلك ينطلق من اعتبار أن الإنسان البحريني مصدر قوة وفخر ومحور أساسي من محاور التنمية?

العدد 1562 - الجمعة 15 ديسمبر 2006م الموافق 24 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً