العدد 1563 - السبت 16 ديسمبر 2006م الموافق 25 ذي القعدة 1427هـ

لبنان ينتظر الحل... والحل ينتظر موسى

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اللبنانيون ينتظرون. قوى 8 و14 مارس/ آذار تنتظر عودة «بابا ناويل» أو الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى إلى بيروت الثلثاء المقبل. الشعب المسكين ينتظر «هدنة العيد» ويتضرع إلى الله ألا تنزلق بلاد الأرز إلى «هوشة» تنغص عيشهم في أعياد الميلاد والأضحى ورأس السنة.

اللبنانيون خائفون. قوى «8 آذار» تراهن على تحولات دولية دراماتيكية تفتح أمامهم باب الفرج من الولايات المتحدة. وقوى «14 آذار» تمسح يومياً «فانوس علاء الدين» لعل الحظ يلعب دوره ويخرج المارد من «الفانوس». مختلف فئات الناس تتخوف من انفجار «برميل البارود» بعد ورود تلك الأخبار السيئة من فلسطين المحتلة وبدء الاقتتال السياسي بين حماس (رئيس الوزراء) وفتح (رئيس الدولة).

كل هذه الأجواء تضغط على اللبنانيين المساكين. فهناك فئة تعتصم في قلب المدينة وتلمح إلى احتمال اجتياح المؤسسات العامة ومبنى «السراي». وهناك فئة تتظاهر في الأقضية والمحافظات دعماً للحكومة معتبرة أن اجتياز «الخط الأحمر» رسالة سياسية. وهناك قوى سياسية تضغط على أسلحتها وفي الآن تتوقع من الأمين العام للجامعة العربية بحمل خطة مشروع للحل.

اللبنانيون ضحايا. والضحية عادة لا تملك القرار ولا تتحكم بالتوقيت. فهناك من يقوم بالمهمة نيابة عنها. وهذه الصورة تنطبق على بلاد الأرز. فسكان هذا البلد الجبلي/ البحري ينظرون دائماً إلى محيطهم لمعرفة «الإسرار». فالمحيط يقرر مصيرهم ومنه يستمدون القوة أو الضعف. وبما أن الجوار الجغرافي/ السياسي يمر في حالات صعود وهبوط من الأزمات المتواصلة فمعنى ذلك أن لبنان ستبقى أزمته على حالها بين صعود وهبوط.

هذا البلد الصغير والجميل يتأثر كثيراً بالمناخات الإقليمية والمنعطفات الدولية. ومن يريد أن يعرف ماذا سيحصل في المنطقة عليه قراءة التحولات اللبنانية. كذلك من يريد أن يرسم طبيعة تلك التحولات عليه مراقبة ماذا يحصل في العراق وفلسطين وما بينهما وما بعدهما. فلسطين مثلاً دخلت في أزمة قد تحمل الأراضي المحتلة إلى طور من الاحتراب السياسي بين حماس وفتح وهذا ستكون له انعكاساته السلبية ليس في المخيمات الفلسطينية بل في الساحة اللبنانية أيضاً. والعراق مثلاً دخل منذ فترة ليست بعيدة في أتون الاقتتال الأهلي (المذهبي والمناطقي) وهذا كان وسيكون له ترجماته المحلية في بلاد الأرز. فلبنان صورة مصغرة عن محيطه ويملك دائماً أجهزة رقابة حساسة تعطي فكرة عن المسار العام الذي تذهب إليه دول الجوار.

ما يحصل في العراق وفلسطين وما بينهما وما بعدهما كله حلقات في سلسلة واحدة ممتدة من إيران إلى غزة. وهذه الحلقات مترابطة. وترابطها محكوم بالجغرافيا والتاريخ والاجتماع والثقافات. وهذه السلسلة يمكن قراءة ملفاتها على حدة ولكن يصعب فصلها من دون تمزيق الأوصال وتحطيم الحلقات. فهل ينجح عمرو موسى في فك ارتباط الحلقات وعزل القضايا عن بعضها أم يسقط في مصيدة اصطناع الحلول في وقت تشير اتجاهات الرياح إلى احتمال وقوع عاصفة داخلية ليست بعيدة عن تلبد المناخات السياسية في دول الجوار؟

لبنان ينتظر التحولات الإقليمية والمتغيرات الدولية، وهو يتخوف من انقلاب التوازنات عليه التي لا يقوى على تحمل تبعاتها. فهناك الكثير من الكلام عن احتمال حصول صفقة سورية - أميركية تعيد إنتاج ذاك السيناريو الذي تأسس على حساب لبنان في العام 1976. وهناك الكثير من المخاوف من احتمال حصول تفاهم سوري - إسرائيلي يجدد تلك الصيغة التي قضت باقتسام مناطق النفوذ في لبنان مقابل تجميد ملف الجولان. وهناك الكثير من الأسئلة المتصلة بأزمة العراق وما ستنتج عنها من توافقات إقليمية تضمن توزيع الحصص وتترك لبنان يتخبط أهلياً حتى تستقر أوضاعه بناء على توازنات إقليمية ودولية.

اجتهادات كثيرة

يمكن وضع الكثير من الاجتهادات في دائرة النقاشات الجارية بين الأطراف اللبنانية ولكنها كلها ناتجة عن توترات أهلية ممتدة إلى المحيط الجغرافي/ السياسي. فاللبناني يتمسك بالسيادة والاستقلال ولكنه في الآن ينتظر الحلول من الخارج الإقليمي أو الدولي. وهذا التعارض بين التوجهين يكشف بدقة عن ضعف الدولة في احتواء الأزمة من دون مساعدة وضعف المعارضة في تحريك الأزمة من دون مساعدة. وفي الحالين تظهر على أرض بلاد الأرز عناصر متوترة تخلخل الاستقرار ولكنها غير قادرة على تقويض التوازن الأهلي.

التوازن الأهلي محكوم بشروط إقليمية ودولية. وهذه الشروط مثلاً تضمن عدم سقوط حكومة فؤاد السينورة ولكنها أيضاً غير كافية على حمايته من الفوضى. وهذا التعارض هو الذي أملى على عمرو موسى الخروج بقناعة مفادها أن الحل اللبناني يجب أن يعتمد فكرة «لا غالب ولا مغلوب». لا غالب ولا مغلوب تعني في لغة السياسة التوازن السلبي الذي يعكس ميزان قوى يمنع على طرف بالانتصار وأيضاً يمنع الطرف الآخر من الانكسار. فهل ينجح عمرو موسى في مهمته الثلثاء المقبل أم أنه يكتفي بهذا القدر من الحراك ويقرر فجأة إلغاء جولته الجديدة من المفاوضات؟

هذا السؤال مطروح بقوة على اللبنانيين وهم يدركون أن الوقت بدأ يتآكل بسبب ظهور نتوءات على سطح السياسة الدولية لا تعرف حتى الآن معالمها النهائية. الإدارة الأميركية أجلت إلى مطلع السنة الميلادية المقبلة الإعلان عن استراتيجيتها الجديدة في العراق والمنطقة. الاتحاد الأوروبي حائر بين تأييده التقليدي للبنان وحاجته إلى الاتصال بسورية. الدول العربية في وضع صعب فهي مع لبنان في غالبيتها العظمى وفي الآن لا تريد عزل سورية إقليمياً. حتى روسيا الاتحادية فهي تميل إلى تأييد لبنان وتحصين استقلاله وسيادته ولكنها أيضاً لا تريد التفريط بمصالحها وعلاقاتها التقليدية مع سورية وإيران.

هذا التعارض بين المشاعر والمصالح يربك الشعب اللبناني ويضعه دائماً في حالات من القلق الأمني وعدم الاستقرار السياسي والانزعاج النفسي الناجم عن اضطراب هويته وازدواج ثقافته. الدول العربية مثلاً تؤيد في غالبيتها لبنان وكلها تدعمه بقوة باستثناء دولة أو دولتين. والدول الأوروبية أيضاً تقف إلى جانب لبنان وترفض التفريط به مجدداً مقابل صفقة غير مضمونة النتائج. حتى الولايات المتحدة التي أعطت إشارة خضراء لـ «إسرائيل» للعدوان على لبنان وتحطيمه في 12 يوليو/ تموز الماضي غير مستعدة للتخلي عنه مجدداً كما حصل في العام 1976 إلا ضمن حسابات وشروط مختلفة تأخذ في الاعتبار المتغيرات الدولية والإقليمية. وروسيا الاتحادية التي تجمعها مع دمشق وطهران الكثير من المصالح مترددة في أخذ موقف سلبي من لبنان لحسابات موضعية وإقليمية. فموسكو يمكن أن تراجع حساباتها إذا وجدت أن قوة لبنان أكبر من مساحته وأن الوزن لا يقتصر على الأمتار الجغرافية وإنما على الموقع والدور والوظيفية وبالتالي فإن مصالحها قد تتأثر سلباً عربياً وأوروبياً في حال تخلت عن مسئولياتها الدولية التي ضمنت مصالح البلد في مجموعة قرارات وافق عليها الكرملين حين صدرت عن مجلس الأمن.

الحسابات إذاً كثيرة ومعقدة ومركبة وهي ليست بهذه البساطة. فالتبسيط مقبول حين تكون المقارنة تقتصر على بلد مقابل بلد ولكن الحسابات تتشابك وتتداخل حين تدخل على ميزان المقارنة قوى عربية كبرى صاحبة نفوذ وتتمتع بمصالح ممتدة ولها تأثيرها الاقتصادي وما تعنيه المصالح من موقع خاص في صوغ المواقف السياسية.

كل هذه الحسابات والضمانات كما يبدو لا تنفع مع شعب بلاد الأرز. فهذا الشعب قلق ويعيش لحظات انتظار بين عودة موسى من مصر حاملاً عصاه السحرية وبين عودة التوتر إلى شوارعه ومناطقه واضعاً إياه من جديد على شفير هاوية تتلقى يومياً أصداء أنباء سيئة من بلاد الرافدين إلى فلسطين?

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1563 - السبت 16 ديسمبر 2006م الموافق 25 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً