العدد 1569 - الجمعة 22 ديسمبر 2006م الموافق 01 ذي الحجة 1427هـ

إعادة تحديد مفاهيم الإسلام في أوروبا

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

الإسلام - وهو أحد أسرع الديانات السماوية انتشاراً في العالم - قد جُوِبَه بالتحدي لتحديد معايشته مع الديانات الأخرى منذ 11 سبتمبر/ أيلول من العام 2001. إن الهوية وفحص الذات أرغما مسلمين كثيرين في مختلف أنحاء العالم على دراسة توجه دينهم في خضم الإرهاب والتطرف اللذين ارتبطا بالإسلام خلال السنين الأخيرة.

هذا التحدي هو أقسى بكثير بالنسبة إلى المسلمين في بريطانيا. إنهم دعاة في الخطوط الأمامية يعيشون بين أمة تزداد شكوكها. إنهم يحاولون أن يشرحوا لماذا الإسلام لا يتفق مع الإرهاب وكيف أن الحوادث الرهيبة التي وقعت في يوليو/ تموز من العام 2005 كانت نتيجة أفعال عدد من الأشخاص المنحرفين الذين اختطفوا دينهم وأساءوا إلى صورته. المقالات الأخيرة التي نشرت عن نمو الراديكالية بين الطلبة المسلمين في الجامعات البريطانية والمناقشات التي دارت حول الحجاب، هيمنت بشبحها على الجالية المسلمة في بريطانيا. ومع ذلك، إن التحدي الأعظم الذي يواجه البريطانيين المسلمين هو في تحديد هويتهم كبريطانيين وهم في الوقت ذاته مسلمون، وليسوا مجرد مسلمين يعيشون في بريطانيا.

المسلمون قادمون متأخرون نسبياً إلى المملكة المتحدة. معظمهم مازالوا يتمسكون بقيم عائلية قوية تؤكد التقاليد الثقافية التي تربطهم ببلدانهم الأصلية، حيث كثيراً ما تتداخل السياسة مع الدين. لكن حتى يتمكن المسلمون من الاندماج بنجاح في الثقافة البريطانية فإنهم يحتاجون إلى أن يكونوا صادقين ليس فقط مع دينهم ولكن أن يستطيعوا الاندماج أيضاً على الأقل في معظم وأهم القيم في الثقافة الأوروبية. إن تحقيق الهدف الأخير هو عملية تطورية تحتاج إلى الوقت والجهد. قد يكون من المفيد للمسلمين أن يتفحصوا النجاح الذي أحرزه المهاجرون اليهود في الاندماج في الولايات المتحدة. ومثل كثيرين من المهاجرين إلى أميركا الشمالية، كانت لدى المهاجرين اليهود قضاياهم الخاصة بهوياتهم اضطروا إلى مواجهتها قبل نحو القرن. لقد وصل معظمهم من أوروبا وكان على اليهود أن يتعلموا بسرعة كيف يصبحون أميركيين مع الاحتفاظ بهويتهم اليهودية.

الذوبان في المجتمع الجديد كان يعني لهم عمليةً بطيئةً من الابتعاد عن بلادهم القديمة، ولكنهم مع ذلك احتفظوا بالهوية الثقافية التي مكّنت اليهود من الاحتفاظ بوَحدتهم. وبتطور الجيل الثاني برز الأميركيون اليهود ومعهم مجموعة جديدة من القضايا الداخلية والاستراتيجيات لتدبير أمورهم.

اجتماعياً، كانت هنالك مقاومة مبدئية واجهت العائلات اليهودية المهاجرة من قِبل السكان المحليين. وخفّت حدة هذه المقاومة مع مرور الوقت لكنها لم تختفِ كلياً. وتعود اليهود على مواجهة التمييز لكنهم تعلموا كيف يتحدونه بشكل موحد عن طريق إنشاء لجان عمل سياسية ومنظمات غير ربحية.

المسلمون الأوروبيون تحدروا من منابت أكثر تعدديةً وتباعداً، وما يجمعهم هو أقل إلى حد كبير ثقافياً مما كان يجمع المهاجرين اليهود في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. لذلك، فإن الدين كثيراً ما يكون هو عنصر التوحيد الوحيد الذي يجمع المصريين والباكستانيين والصوماليين.

وحيث يأخذ المسلمون بإعادة النظر في أولوياتهم، فإنهم يستطيعون كذلك الاستفادة من النظر إلى تطور اليهودية في الولايات المتحدة. فبإدراكهم أن التعاليم الدينية اليهودية قد تطورت لمواكبة التغيرات الاجتماعية الصادرة نتيجة نزوح جماهيرهم من مختلف أصقاع العالم إلى الولايات المتحدة، فقد أصبح الحاخامات في الولايات المتحدة أكثر مرونةً تدريجياً وأخذوا يغيرون من رسالاتهم بحيث تتواكب مع مستلزمات وجودهم ضمن التجمعات الأميركية.يتوجب على المسلمين البريطانيين وغيرهم من المسلمين الأوروبيين النظر في الأخذ بهذا الأسلوب، وأن ينتهجوا سياسةً تجعلهم مستقلين عن أية سيطرة دينية من البلدان التي تحدّروا منها. وعلى سبيل المثال، يتوجب على المدارس الخاصة التي تدعو إلى توجهاتٍ سياسيةٍ ودينيةٍ تتعارض مع القيم الغربية في التسامح ألا تُشَجَّع وألا تُؤَيَّد من قِبل الجاليات المسلمة. تلك المدارس تجعل الاندماج في المجموعات الأوروبية الأكبر أكثر صعوبةً بالنسبة إلى الأطفال المسلمين، ومن شأنها أن تقود إلى مواجهات اجتماعية مع البلدان التي ارتضوها وطناً جديداً.

على القادة المسلمين أن يتفحصوا الحاجات المحلية التي تؤثر على رعاياهم ويكونوا القوة الدافعة لاندماج أقوى في المجتمع البريطاني. وعندما يتعرضون للاضطهاد يتوجب عليهم أن يتحدثوا مجتمعين بصوت واحد. وعندما تحل الفظائع بإخوانهم وأخواتهم في بلدان مثل: دارفور، فعليهم أن يكونوا أولَ من يتحدث ويستنكر.

الإسلام دين غني وعريق ولديه الكثير مما يُعطي. على المسلمين الأوروبيين أن يُتيحوا لدينهم التطور بشكل يتوافق مع قيم الوطن الأوروبي، الذي أصبحوا مواطنين فيه. إنها فترة تأقلم ولا يمكن أن تتم بين عشية وضحاها.

إن اندماجاً ناجحاً هنا ستكون له انعكاسات إيجابية وتداعيات على مستوى العالم. لقد وُجِّه اللوم إلى المسلمين عموماً بسبب حوادث 11 سبتمبر وكذلك الهجمات التي وقعت في لندن. لقد كان ذلك خطأً يؤسف له. يجب ألا يُعتبر مليار مسلم مسئولين بسبب عمل قام به 19 قاتلاً. ومع ذلك، فإن كثيراً من المسلمين في أوروبا يواجهون الآن تحدياً في تحديد وإعادة صوغ تفسيرهم لدينهم. إنها فرصة يتوجب الأخذ بها.

عميد مشارك في كلية هاريس للسياسات العامة بجامعة شيكاغو. والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية».

www.misbahalhurriyya.or?

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1569 - الجمعة 22 ديسمبر 2006م الموافق 01 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً