العدد 3936 - الأحد 16 يونيو 2013م الموافق 07 شعبان 1434هـ

أصدقائي في المهجر... صباح الخير

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

لم أكن أعرف لماذا يغادر المرء موطنه برغبة منه، كنتُ أستغربُ هذا التصرف الذي يجعل الفرد منا طوال حياته أو لبعض منها رهينة غربةٍ اختيارية، وأنا التي حين أسافر مع أسرتي الصغيرة أشعر بالحنين يثقل كاهلي فلا أشعر بما يشعر به الأطفال من فرح لأنهم سيسافرون إلى بلد جديد إلا في الأيام الثلاثة الأولى من الرحلة، حتى إذا رأيتُ أضواء البحرين من الطائرة عند عودتنا، ذرفتُ الدموع شوقاً لأرضٍ ربما لا تكون أجمل من الأرض التي كنت عليها في سفري القصير، ولكنها بالطبع في قلبي أروع وأندى وأكثر اخضراراً لما تحمله من قلوب أهلها المخضرة بالحب.

عرفتُ معنى المهجر حين بدأتُ بقراءة كتب «الكبار» التي كنت أقرأها خلسةً من مكتبة شقيقتي الكبرى، عن طريق مصطلح أدب المهجر أو أدباء المهجر الذي كان يمر بين بعض أسطر الكتب، ولكن لم أكن أعرف الأسباب التي تدفع المرء للتغرّب عن بلاده التي وُلد وترعرع فيها، ربما لأن عقلي الصغير لم يكن يستوعب معاناة هؤلاء المغتربين، وربما لأنني لم أكن أعرف أن هنالك أوطاناً تدفع أبناءها إلى الرحيل والابتعاد عن أحضانها في بعض أوقات.

بعد أن كبرتُ عرفتُ أن تلك الغربة «الاختيارية» لهؤلاء لم تكن كذلك يوماً، إذ لم يرغبوا بها في كثير من الأوقات، ولكنها كانت غربةً فُرِضَت عليهم ففضلوها على أوطانٍ لم توفر لهم ما يحتاجون إليه من أمنٍ أو خبزٍ أو راحةٍ أو شعورٍ بالانتماء.

غربةٌ مفروضةٌ عليهم بعد أن تنكرت لهم أوطانهم التي طالما حلموا بخدمتها وخدمة شعبها، ولكن الشعور بالغربة الداخلية في قلب الوطن الذي فضل الأجنبي على الابن، كان دافعاً لبعضهم إلى الرحيل، إذ ليس جميع الناس سواءً في قوة الاحتمال والصبر، خصوصاً حين يشعر المميزون منهم أن دولةً ما تراهم مميزين بينما يغض الوطن طرفه عن تميزهم فيهمشهم مهما حاولوا إثبات قدراتهم لأسباب لا دخل لها بالمنطق.

الأمر الآخر الذي جعل الكثير ممن أعرف يهاجرون من أوطانهم هو عدم الشعور بالأمان، والذي لا يرتبط فقط بمراحل الغزو الخارجي، كما حدث لأصدقائي العراقيين الذين هاجروا بعد الغزو الأميركي للعراق؛ بل حين تلاحق السلطات في بلداننا الناشطين السياسيين وناشطي حقوق الإنسان أيضاً، فيصبح بقاؤهم في أوطانهم مرادفاً لبقائهم في السجون والمعتقلات لأنهم عبّروا عن آراء لا تروق لأصحاب الجاه والسلطة، ففضلوا الغربة على البقاء رهينةً للقضبان، وما علموا أن غربتهم هذه قضبان أوسع وزنان أكبر لما لاقوه فيها، من تعب وحنين وعذاب، لكنهم يرون أن هذه الزنازين الواسعة أفضل حالاً من معتقلات قد لا يخرجون منها إلا جثثاً بفضل التعذيب.

كثير من هؤلاء المغتربين حين خرجوا من أوطانهم ظنّوا أنهم سيعودون لها قريباً، ولكن الوطن لم يبحث عنهم ولم ينادهم كما ينادي المحبوب محبوبه، وفضّل أن يدير لهم ظهره على أن يحتضنهم ويستفيد من خبرتهم في الحياة.

لكل أولئك المغتربين في كل الدول من أصدقائي: صباح الوطن الساكن في قلوبكم.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3936 - الأحد 16 يونيو 2013م الموافق 07 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 4:55 م

      من المهجر

      تحية لكل الأحباء في البحرين

    • زائر 10 | 9:44 ص

      من طبيب بحريني في المهجر

      مقال رائع. لا يمكن للكلمات ان تصف مشاعر المواطن المُهجَّر فهو يبتعد عن الوطن بالمكان و الزمان، لكن يأبى الوطن إلا ان يسكن روحه و يشاركه أنفاسه و يبقى حاضرا في وجدانه كل حين. الحكمة التي تعلمتها في رحلتي هي ان الوطن يَسكُنك قبل ان تسكنه و انّ الغربة عن الوطن خيرٌ من الغربة في الوطن أحيانا.

    • زائر 9 | 9:39 ص

      من طبيب بحريني في المهجر

      مقال رائع. لا يمكن للكلمات ان تصف مشاعر المواطن المُهجَّر فهو يبتعد عن الوطن بالمكان و الزمان، لكن يأبى الوطن إلا ان يسكن روحه و يشاركه أنفاسه و يبقى حاضرا في وجدانه كل حين. الحكمة التي تعلمتها في رحلتي هي ان الوطن يَسكُنك قبل ان تسكنه و انّ الغربة عن الوطن خيرٌ من الغربة في الوطن أحيانا.

    • زائر 8 | 9:38 ص

      من طبيب بحريني في المهجر

      مقال رائع. لا يمكن للكلمات ان تصف مشاعر المواطن المُهجَّر فهو يبتعد عن الوطن بالمكان و الزمان، لكن يأبى الوطن إلا ان يسكن روحه و يشاركه أنفاسه و يبقى حاضرا في وجدانه كل حين. الحكمة التي تعلمتها في رحلتي هي ان الوطن يَسكُنك قبل ان تسكنه و انّ الغربة عن الوطن خيرٌ من الغربة في الوطن أحيانا.

    • زائر 4 | 4:26 ص

      الزمان والمكان ونوع الغربه

      في هذا الزمان ما في من مصادقة وصارت الناس في غربه ويقال المرأه في الغربه وطن أي سكن ومسكن ومركن يركن اليه الانسان لتكون له ونيس. أما رفاق وأصدقاء وإخوه، فكلمات قريبه في معانيها ولكن كل واحده لها إستخدام. صديق من صدقك القول والفعل وسار على نهجك وساعدك في الضيق كما في الشده والسعه. بينما رفيق يكون رفيق درب وصاحبك ومؤنسك يعني مثل الزوجه تكون صاحبه. أما الاخوه فبينهم رحم بينهم دم وتجمعه محبه ولكن قد تفرقهم مصلحه وحب دنيا والأنا العليا -الانانيه. وهنا تتضح الأنا في النيه. ويش الأعمال مو بالنيات..

    • زائر 6 زائر 4 | 7:00 ص

      خير البلاد ماحملك(الامام علي)

      اي ماتحمل لك العيش الكريم والامن

    • زائر 3 | 2:45 ص

      صباح الخير

      الغنى في الغربة وطن... والفقر في الوطن غربة

    • زائر 2 | 1:18 ص

      اي

      اي انانيه يا اخي الواحد يدرس 5سنوات وبعضهم يتغرب لنيل الشهاده وبعدين يقعد في البيت ، الغربه صعبه ولاكن الغربه في البلد اصعب

    • زائر 1 | 11:24 م

      ليس كل من في الخارج مظلوم

      البعض يبحث عن رواتب وامتيازات وجوازات أجنبية والبعض اخرج قسرا فيوجد فرق كبير بين الفريقين ولا اعتقد الفريق الأول ينتمي لخانة الوطنية وإنما هي خانة الأنانية والبحث عن العملة الصعبة فشتان بينهما . ولا يمكن التعميم فالأول خرج ولم يعد بالرغم ان بعضهم مبتعث من الدولة. والأمثلة كثيرة

اقرأ ايضاً