العدد 3947 - الخميس 27 يونيو 2013م الموافق 18 شعبان 1434هـ

من دفاتر النكسة: انهيار استراتيجيات

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

النتائج السياسية التي رتبتها النكسة، أعمق بكثير، من مجرد التسليم بالهزيمة. فالقبول بالقرار 242 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، للتوصل إلى حل سلمي للصراع، ومن ثم استقبال القيادات العربية للمبعوث الأممي، غونار يارنغ، على قاعدة التوصل إلى حلول سياسية، وقبول مصر والأردن العام 1969، لمبادرة السلام التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي وليام روجرز، وما تبعها من مبادرات سلمية، دولية وعربية، عنت انتقالاً جوهرياً في طبيعة الصراع العربي مع الصهاينة.

الفهم العربي للصراع الذي ساد منذ وعد بلفور المشؤوم، وهيأ لقيام وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، لم ينظر إلى المشروع الصهيوني، على أنه مجرد احتلال لأرض عربية، بل باعتباره تهديداً مستمراً ومباشراً للأمن القومي العربي. فمصر على سبيل المثال، ومنذ أيام محمد علي باشا، رأت أن عمقها الاستراتيجي، يمتد إلى ديار بكر شمال سورية، وشرقاً إلى سلمان باك وخانقين على الحدود العراقية الإيرانية، وجنوباً إلى حيث منابع النيل مروراً بالسودان، وغرباً إلى المغرب العربي. إن القبول بالوجود الصهيوني، على أرض فلسطين التاريخية، هو انهيار للعمق الاستراتيجي المصري شمالاً وشرقاً.

وكان موقف مصر، هو موقف الأمة العربية جمعاء، شعوباً وقيادات، فقد آمن الجميع بأن الصراع مع الكيان الغاصب، هو صراع وجود وليس صراع حدود. والخلاف كبير بين الموقفين، فالأول يستدعي مواجهة مستمرة مع المشروع الصهيوني، لا تنتهي إلا بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر. أما الموقف الذي أعقب النكسة، فهو حاصل تنازلات، وهو نتيجة للخلل الاستراتيجي المستمر، في موازين القوة لمصلحة العدو الصهيوني، بسبب الدعم المستمر الذي يحصل عليه من القوى العظمى.

بل إن القراءة الدقيقة للمشروع الصهيوني، تشي بأن قيام الكيان الغاصب هو في الأساس، صناعة غربية، وأنه في جوهره مشروع استيطان أوروبي، شبيه لما حدث من قبل في القارات الجديدة بالأميركتين وأستراليا، وفي جنوب إفريقيا والجزائر. وليس أدل على ذلك، من أن قراءة التركيبة السكانية بالكيان الصهيوني، توضح أن اليهود القادمين من أوروبا الشرقية والغرب، ظلوا باستمرار قادة لـ «إسرائيل». والخلافات بين السفارديم والأشكناز، هو الصورة المعبرة، عن طبيعة ما يفتعل من صراع بين المكونات القومية لهذا الكيان.

نكسة يونيو إذاً، نقلت مفهوم الصراع العربي- الصهيوني، إلى نزاع على الحدود، وليس صراع وجود. وما دام السلاح جرى تحييده، في بلدان المواجهة العربية، بعد معركة العبور، في أكتوبر 1973، حيث اعتبر الرئيس الراحل أنور السادات تلك الحرب آخر الحروب، فإن المنطق يقتضي الاعتماد على القوة الدولية الأكثر تأثيراً في العدو، من أجل استعادة الأراضي العربية التي فقدت في حرب يونيو. وكان ذلك تحولاً آخر، في العلاقة الاستراتيجية مع القوى العظمى، من تحالف مع السوفيات، إلى انتقال للمعسكر الغربي، وبشكل خاص نحو الولايات المتحدة الأميركية التي رأى الرئيس المصري السادات أنها تملك 99% من أوراق الحل.

والأبرز في هذا السياق، هو مفاوضات الخطوة- خطوة التي رعاها هنري كيسنجر، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، ولاحقاً المفاوضات التي جرت بين مصر والصهاينة، برعاية أميركية، بعد زيارة السادات القدس، وتوّجت بتوقيع معاهدة كامب ديفيد. وما كان لهذه المعاهدة أن تأخذ مكانها لولا الانتقال الاستراتيجي في طبيعة الصراع الذي أملته على الأنظمة العربية نتائج نكسة 1967.

والحال هذا لا يختلف عن توقيع الأردن والحكومة الإسرائيلية لمعاهدة وادي عربة، وتوقيع منظمة التحرير الفلسطينية، بزعامة الرئيس ياسر عرفات لاتفاقية أوسلو، التي عرفت بمعاهدة غزة- أريحا أولاً. وقد احتفل بتوقيع المعاهدتين، في حديقة البيت الأبيض في العاصمة الأميركية واشنطن.

التأثيرات السلبية للنكسة، على العلاقات العربية- العربية، تكمن في أن المفاهيم الجديدة للصراع، غيبت الحالة التضامنية بين العرب، الحالة التي سادت منذ النكبة، والتي تمحورت حول استعادة فلسطين، واعتبار تحريرها مسألة وجود. كانت فلسطين قضية جامعة للعرب، وبتحول الصراع مع الصهاينة إلى نزاع على حدود، برزت بحدة التناقضات العربية - العربية.

دخل العرب في حروب داحس والغبراء، مع بعضهم بعضاً، في العقود الأربعة التي أعقبت توقيع معاهدة كامب ديفيد بين مصر و»إسرائيل». احتل الصهاينة العاصمة اللبنانية بيروت، وحدثت نزاعات حدودية بين مصر وليبيا، والجزائر والمغرب، وتونس وليبيا، ومصر والسودان استهلكت طاقات الأمة ومواردها، وعطلت من مشاريعها التنموية وتقدمها ونهضتها. وكانت حرب الخليج الثانية العام 1990، حين غزا العراق الكويت، هي الطامة الكبرى، والشرخ الأكبر في جدار الأمن القومي العربي. ولا تزال تداعيات هذا الحدث ماثلة أمامنا، حتى هذه اللحظة في أشكال أخرى.

هل من فسحة لإعادة الاعتبار إلى قضية فلسطين، كقضية مركزية جامعة للعرب، بما يحقق تماسك الأمة ووحدتها، ويفي بتطلعات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة؟

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 3947 - الخميس 27 يونيو 2013م الموافق 18 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً