العدد 3948 - الجمعة 28 يونيو 2013م الموافق 19 شعبان 1434هـ

سعار الطائفية وشرعنة الذبح

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

يعيدنا المشهد العربي الحالي إلى أوضاع العرب أيام الجاهلية، أو بالأخرى صراع الجاهليين مع الدعوة المحمدية السمحة، وقيل استأجرت هند بنت عتبة العبد الحبشي وحشي، وطلبت منه أن يقتل الحمزة بن عبدالمطلب، عم النبي (ص)، فكمن له في معركة أحد ورماه بالرمح القاتل. ولم تكتف هند بذلك، بل أمرت وحشياً ببقر بطن الحمزة، وانتزعت كبده ولاكتها. وخاطبت الشهيد الحمزة قائلةً «اليوم انتقمت لمقتل أخي بن عتبة».

هذا المشهد انعكاس لما يجرى اليوم في سورية من مذابح وحشية تطال المدنيين العزل، ويرتكبها الطرفان المتحاربان، كتائب التكفيريين والشبيحة، ويمكن مشاهدة هذه المذابح على اليوتيوب، وآخرها مذبحة الشيعة في قرية «حطلة» بمحافظة درعا حيث نحر الأطفال نحراً بالسكاكين من الوريد إلى الوريد.

ولم يقتصر الأمر على ذلك بل خرج التكفيريون يحتفلون بهذه المجزرة ضد من يعتبرونهم روافض وصفويين. وفي هذه الاحتفالات ألقيت القصائد الحماسية وارتفعت الهتافات داعية إلى القتل ضد أخوةٍ في الذين، وحث الشباب للتطوع في كتائب الموت. بل إن اجتماعاً طارئاً لكبار علماء السنة قد عقد في القاهرة، وأفتى فيه كبار العلماء مثل القرضاوي وغيره، بالجهاد ضد الكفار في سورية. بل أن مستشار الرئيس مرسي للشئون الخارجية أكّد أنه يحق لكل من مصري أن يتطوّع للجهاد في أي مكان بما في ذلك سورية ضد الكفار، وأنهم لن يلاحقوا.

أما ما يحدث في الفضائيات فحدّث ولا حرج، وفي مقدمتها الجزيرة، حيث لم يتورع فيصل القاسم ومحاوره عن الكذب بادعاء أنه يجرى قتل كل من اسمه عمر في سورية، وأن أعلام الحسين (ع) رُفعت على مساجد أهل السنة، لتصب هذه الأكاذيب الزيت على النار، ولتنطلق الفتاوي التي تحث أهل السنة على قتال أهل الشيعة باعتبارهم روافض وصفويين ومجوساً، إلى آخر النعوت الخطيرة.

ولإعطاء هؤلاء المهووسين حافزاً إضافياً ابتدع نكاح الجهاد، وأفتى بعض مشايخ الظلام بتحبيذه، ولبى النداء عشرات الفتيات من تونس إلى العراق ليقدّمن أجسادهن رخيصةً في سبيل جهاد مزعوم. لذلك ليس غريباً أن يتقاطر عشرات الآلاف من المهووسين الطائفيين إلى سورية للقتال ضد من يعتبرونهم كفاراً، ولذي فإن مقاتلي حزب الله في الطرف المقابل، هم آخر المتقاتلين وليسوا وحدهم.

لقد أدرك الغرب والشرق، أميركا وأوروبا والروس، أن هؤلاء المقاتلين قنابل موقوتة، بعد أن تنتهي الحرب ويعودوا إلى أوطانهم، سيزرعون الرعب في مجتمعاتهم. بل أن الإدارة الأميركية حذّرت من إمكانية استيلاء هؤلاء الإرهابيين على الأسلحة الكيماوية في سورية، واستخدامها في أميركا ذاتها في ظلّ هذا الانقسام الرهيب في صفوف الأمة، وتشرذم شعوبها وتبعية أنظمتها للغرب. وتصح نبوءة النبي (ص) حين قال «تأتي عليكم أيام تتكالب عليكم الأمم، كما يتكالب الأكَلَة على الثريد»، فقيل: أمن قلةٍ يا رسول الله؟ فقال: «لا، ولكنها كثرة كغثاء السيل». نعم، لقد أضحى العرب كغثاء السيل، بدون تأثير رغم كثرتهم، إذ تجاوزوا ثلاثمئة مليون نسمة، لكن بضعة ملايين من الإسرائيليين يردعونهم ماداموا منشغلين في ذبح بعضهم بعضاً، ويواجه العرب اليوم خطر كارثة حقيقية في الانجراف إلى حروب طائفية، لم تكن حرب السنوات الخمس عشرة في لبنان إلا بروفةً لها، وقد خلفت وراءها ما يقارب 150 ألفاً بين قتيل وجريح. فلنتصور حجم الكارثة القادمة، وأمامنا سورية حيث ذهب ضحيتها ثلاثة وتسعون ألفاً حسب الاحصاءات المتحفظة من قبل الأمم المتحدة، وقبلها الحرب الأهلية في الجزائر التي ذهب ضحيتها ما يزيد عن مئة وخمسين ألفاً، وحروب اليمن وضحاياها بعشرات الآلاف.

إننا نواجه خطر حروب أهلية طائفية وعرقية تجتاح الوطن العربي، ستأكل الأخضر واليابس، وتحوّل أوطاننا إلى هشيم، وتعميم النموذج الصومالي ليصبح الوطن العربي صومالاً كبيراً يحده الخراب من غربه إلى شرقه.

إنها دعوة لعلماء الأمة وساستها ونخبها ومثقفيها لإعمال العقل، والكف عن التحريض والتجييش الطائفي، وإطفاء نار الفتنة، وإيقاف الحرب الأهلية العبثية في سورية قبل أن تتمدد، واستئصال منابع الفتنة في العراق وغيره، وابعاد الدول الكبرى عن التلاعب بالمصير العربي والقضايا العربية، وإعادة توجيه البوصلة إلى العدو الرئيسي (إسرائيل)، وإلى المعركة الحقيقية في فلسطين، قبل فوات الأوان، والامتثال لقول الله تعالى: «كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر».

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3948 - الجمعة 28 يونيو 2013م الموافق 19 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 12:55 م

      الفتنة الطائفية

      شكرا أخي الكريم على مقالك الذي أعجبني كما اعجب الكثيرين, واكثر ما شدني فيه الفقرة الأخيرة التي اطلب فيها من رجال الدين والساسة التركيز عليها بتحويل البوصلة الى المؤشر لبصحيح وهو فلسطين الحبيبة واعلان الجهاد ضد الصهاينة الغاصبين, وليس خدمتهم أي "الصهاينة" نتمنى أن تصل الرسالة. (محرقي/حايكي)

    • زائر 10 زائر 8 | 6:48 ص

      ناصر عبد الله

      نظرتك في ما يحديث في سوريا احادية الجانب ، وأنت بنفسك قد روجت للطائفية في مقالك هذا لانك نقلت بعض الاكاذيب التي تقوم بعض وسائل الاعلام للترويج لها مع علمك انها لاتمت للواقع بصله اضافة رد

    • زائر 7 | 12:25 م

      ارى انك في مقالك قد جانبت الصواب فنظرتك في ما يحديث في سوريا احادية الجانب ، وأنت بنفسك قد روجت للطائفية في مقالك هذا لانك نقلت بعض الاكاذيب التي تقوم بعض وسائل الاعلام للترويج لها مع علمك انها لاتمت للواقع بصله

    • زائر 6 | 10:17 ص

      مصيبة

      الخيط رفيع بين التقدمي والطائفي

    • زائر 5 | 9:05 ص

      ولد الديره

      قناة ... المفروض يسمونخا .... ع هالتحريض الطائفي الا تسويه و....خطير كله يبغي يوقد نار الفتنه الانه اسياده الامريكان عاطينه الشغله،قبل كان يمدح ف المقاومه اللبنانيه وقلب عليها ده عفر ويا الموجه،نعل الله من يشعل نار الفتنه

    • زائر 4 | 4:42 ص

      ( العصبية القبلية و الجهل )

      لقد استحوذ الشيطان على عقول العرب و المسلمين و اخذو يتحاربون بعضهم مع بعض فى حروب أهلية و طائفية تقضى على الاخضر و اليابس كل ذلك من تصميم القوى العظمى لإبعاد الخطر عن اسرائيل و الصهيونية العالمية .

    • زائر 3 | 2:43 ص

      المشكلة هي الاسلام السياسي وجهل الامة وعصبيتها الجاهلية.

      مصر على سبيل المثال: يجب أن يترك الدين والفتاوي للازهر الشريف
      لا إلا ألاخوان.
      ولا إلا السلفيين.
      الفتاوي حدث ولا حرج وكل ما له لحية أصبح يفتي
      فخرجت فتاوي تسئ للدين والمسلمين، مثل جهاد النكاح وغيرها.

    • زائر 2 | 12:06 ص

      بشار بن برد

      لقد اسمعت لو ناديت حيا ولاكن لا حياة لمن تنادي

    • زائر 1 | 11:40 م

      شاكر الشهركاني

      صدقت في كلامك
      لقد اسمعت لو ناديت ميتا
      ولكن لاحياة لمن تنادي

اقرأ ايضاً