العدد 3948 - الجمعة 28 يونيو 2013م الموافق 19 شعبان 1434هـ

حين تنبش ذاكرتك الحزينة

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

ليس من السهل على أحدٍ منا أن ينكأ جراحه بإحدى يديه أو بكلتيهما، ولهذا فمن الصعب علينا أن نبوح بحزننا أمام أنفسنا قبل أن نفعل ذلك أمام الآخر أيضاً مهما كان قريباً منا.

«نحن شعبٌ كتوم» قالها لي أحدهم كجملةٍ عابرةٍ في حديثه عن فترة معاناته في ظروفٍ مازلتُ غير قادرة على استيعاب صبره عليها حتى الآن، وكيف استطاع تجاوزها بنجاحاته وقوة إصراره على عدم جعلها محطةً أخيرةً توصله للهاوية أو الهلاك! قلتُ له حينها: نحن شعبٌ كتومٌ في مشاعره أكثر، وخصوصاً حين يتعلق الأمر بمعاناة أو ألم، وحين يكون المرء قوياً أمام الآخرين، ويشعر بأهمية أن يبقى كذلك، كي لا ينهار أمامهم رمز القوة فيضعفون!

لكني أتساءل دائماً: لماذا نخشى البوح بهذه الآلام والأحزان؟ مع علمنا التام أننا حين نشاركها الآخرين في محيط القلب، ستكون أخفّ وطأةً، وسيغدو القلب قادراً على استيعابها بشيءٍ من الأمل، وكثيرٍ من الابتسامات. ابتساماتٌ ترسمها الذاكرة الجديدة حين تمرّ بها صور الآخر وأنت تبوح له بذاكرتك/ ألمك، فتراه يفرح لفرحك ويحزن لحزنك. حين تشعر بأنكَ لستَ وحيداً في همّك، وتجد من يربت على كتفيك ولو بالكلمة الطيبة، وأنك لا تحمل سراً تخشى فضحه يوماً فينهمر عليك الحزن فجأةً حين تخبر الآخرين عنه، وتواجه نفسك التي تفضل الهروب بضعفها وفشلها في التصدي لأحزانك التي قد تبدو أصغر مما تظن حين تفشيها وتواجهها. ذلك لأن حمل الخوف من الإفشاء وما يتبعه من شعور، سيسقط من على كاهلك، ولا يبقى إلا حمل المعاناة نفسها والتي ستكون قد اقتسمتها مع غيرك فتصير أقل فتكاً مما كانت أيضاً.

وأتساءل دائماً: هل نخفي آلامنا خشية نظرة الشفقة التي ينظر إلينا بها أحياناً من نحدّثه بها؟ أم نخفيها خشية الوصول إلى مسبّبها وكرهه، خصوصاً حين لا نكون على درجةٍ كافيةٍ من الإيمان بأن الله إذا أحبّ عبداً ابتلاه، وحين نكفر بالكره والحقد؟ هل نخفيها لخوفنا على الآخرين الذين تربطنا بهم علاقات كفيلة بجعلنا نخاف عليهم من سماع ما نعانيه، خشية تعبهم مما سيعرفون، لاسيما حين يكونون ممن يأخذ منهم القلق على الآخرين مأخذه؟

أظنّ بأننا نخفيها لأننا نجهل أو نتجاهل أننا حين نفتح جراحنا سنتألم كثيراً خلال لحظات فتحها ونبشها، للوصول إلى مسبباتها ومعالجتها، لكننا بالطبع سنرتاح ونتخفف منها طيلة حياتنا حين نغلقها بعد أن نكون قد توصّلنا لتشخيصها وبدأنا بمعالجتها، فنتماثل للشفاء منها، ولا تعود إلا ذكرى ربما تتلاشى مع الوقت، وأن الآخر الذي تلقاها سيشعر أيضاً بهذا الألم لفترةٍ، لكنه سيقدّر لنا أننا جعلناه حضناً نلجأ إليه وقت تعبنا، وسيفرح أكثر لأننا اصطفيناه من بين الآخرين.

كم سيكون أولئك الذين يستطيعون البوح بكل ما يواجههم لأقرب الناس إليهم محظوظين، ومحظوظون من يقررون فعل ذلك لأنهم أدركوا بعد التجربة - ولو كانت إجبارية- أن البوح بالهواجس أسهل وأجدى بكثير من كتمانها، لاسيما حين يجدون من هم أهلاً للثقة.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3948 - الجمعة 28 يونيو 2013م الموافق 19 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 4:05 ص

      أعجبني كُل ما كُتِب

      سَلِمت تِلكَ ألانامل التي خطت هذه الكلمات المُعبرة ..

    • زائر 5 | 9:49 ص

      أين نحصل على هؤلاء الثقات؟

      البوح بالهواجس أسهل وأجدى بكثير من كتمانها، لاسيما حين يجدون من هم أهلاً للثقة. فأين نجد من هو اهل لهذه الثقة؟

    • زائر 3 | 1:36 ص

      الشكوى لغير الله

      الشكوى لغير الله مذلة .. والحمد لله على جميع الأحوال .. و الله لا يفعل الا الذي فيه الخير و الصلاح

    • زائر 1 | 1:08 ص

      من البر

      نحن شعب دو ثقافه كبت صارمه. فلا تتكلم ان وجد الكبير الا ان يسمح لك وان كنت اكثر منه درايه. والكبير هنا ان يكون كبير السن او شيخ الدين ... اصمت ولا تعبر هم اعلم ولهم الاولويه
      والامر اكثر شده با النسبه للمراه التي تعاني من الامرين في هدا الشان. لا تعبير عن ما تعاني من محيطاها لان دالك عيب اما ان يكون من منطق اجتماعي او منطق ديني. فتكبر علي التهميش و كبت الشعور لانها ان تكلمت تمشكلت وعلي هدا تربي الا جيال .. علي الكبت في الشعور من المهد الي الحد

اقرأ ايضاً