العدد 3951 - الإثنين 01 يوليو 2013م الموافق 22 شعبان 1434هـ

من الذي لا يحبّ نيلسون مانديلا؟

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

نعم، كما تقرأون عنواناً اقتبسه من الدراما المصرية الملهمة على الدوام، ذلكم المسلسل الذي أتحفنا به التلفزيون المصري «من الذي لا يحب فاطمة؟»، مع شيرين سيف نصر وأحمد عبد العزيز، أراه على لسان كل العالم الحر اليوم: من الذي لا يحب نيلسون مانديلا؟

رجلٌ على حافة العمر في سن الخامسة والتسعين، كلّ العالم يدعو له؛ حتى نحن، رغم الحشد الهائل في ميادين مصر الواسعة، رغم التباهي بالملايين والتباكي على عدد القتلى والأبرياء المصابين، ندعو لمانديلا بالشفاء أو الراحة من العناء؛ والله إنه لمن أشد العناء عليه وهو يحتضر أن يرى العالم من حوله يحتضر، أصابه التهاب رئوي حادّ من جراء الزنزانة المقيتة التي قضى فيها سبعاً وعشرين سنة، وها نحن في أغلب بقاع المعمورة يصيبنا التهاب إن لم يكن في أوطاننا كان في أجسادنا، وإن لم يكن في أجسادنا كان في أرواحنا جراء ما تشهده العين ويدمع له الفؤاد من اقتتال بين رفاق وإخوان، وانقسام بين أبناء البطن الواحد في البيت الواحد.

من الذي لا يحب نيلسون مانديلا في سورية؟ نعم، ها نحن ندعو له من دمشق رغم أصوات المدافع في حلب وراجمات الصواريخ بين العرب، رغم القصف والعصف والطبل والزمر على إيقاع الفتنة والفرقة والحرب، لا نستطيع إلا أن ندعو له.

نعم، من الذي لا يحب نيلسون مانديلا في ليبيا؟ هنا من طرابلس من سوق بوسليم رغم طلقات الرصاص والقنص، من بنغازي رغم العناء وانتظار إنصاف الثورة لها، الجميع هنا كلهم منشدون إلى جنوب أفريقيا، الجميع يدعون بقلوبٍ خاشعة. الجميع يقولون لماذا نحبّك هكذا يا مانديلا؟

نعم، من الذي لا يحب نيلسون مانديلا في تونس الخضراء؟ نعم، ها نحن ندعو له من قرطاج والكلّ يتصارع هنا ويتحاشد لتحصين ثورة الياسمين؛ فمن قائلٍ بالإقصاء لرموز النظام البائد، إلى قائلٍ بالمحاسبة القضائية، إلى داعٍ للمصالحة وعفا الله عمّا سلف... ولكن ليس منهم من اتعظ بدرس مانديلا في المصالحة!

نعم، إن القيمة الجوهرية للمصالحة حين تصالح وأنت قادرٌ على الانتقام؛ حيث لم يطرح نيلسون مانديلا فكرة المصالحة قبل انتصار الثورة في جنوب أفريقيا وقبل أن يسقط نظام الفصل العنصري، أي حين كان في طور النضال وموازين القوى لا تلعب لصالحه، وإنّما طرح الفكرة حين صار رئيساً حتى يمرّر رسالةً إلى العالم... فهل من مُعتبر؟

لم يكتف مانديلا برسالةٍ تشتق من دروس نضاله، بل وجّه رسالةً إلى الثورتين في مصر وتونس بكل أدب قال فيها: «أذكر جيداً أني عندما خرجت من السجن كان أكبر تحدٍ واجهني هو أن قطاعاً واسعاً من السود كانوا يريدون أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق، لكنني وقفت دون ذلك وبرهنت الأيام أن هذا كان الخيار الأمثل ولولاه لانجرفت جنوب إفريقيا إما إلى الحرب الأهلية أو إلى الديكتاتورية من جديد. لذلك شكلت «لجنة الحقيقة والمصالحة» التي جلس فيها المعتدي والمعتدى عليه وتصارحا وسامح كل منهما الآخر. إنها سياسة مرة لكنها ناجعة. أرى أنكم بهذه الطريقة– وأنتم أدرى في النهاية- سترسلون رسائل اطمئنان إلى المجتمع الملتف حول الديكتاتوريات الأخرى أن لا خوف على مستقبلهم في ظل الديمقراطية والثورة، مما قد يجعل الكثير من المنتفعين يميلون إلى التغيير، كما قد تحجمون خوف وهلع الدكتاتوريات من طبيعة وحجم ما ينتظرها. تخيلوا أننا في جنوب إفريقيا ركزنا –كما تمنى الكثيرون- على السخرية من البيض وتبكيتهم واستثنائهم وتقليم أظافرهم؟ لو حصل ذلك لما كانت قصة جنوب إفريقيا واحدة من أروع قصص النجاح الإنساني اليوم. أتمنى أن تستحضروا قولة نبيكم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». نلسون روهلالا ماندلا. هوانتون –جوهانزبيرغ»

نعم، من الذي لا يحب نيلسون مانديلا، من لا يدعو له من أسواق صنعاء من اليمن، من غزة، من القدس، من بيروت، من صيدا، من الخرطوم، من نواك الشط، من الدار البيضاء، من مقديشو، من المنامة، من جدة، من الدوحة، من الشارقة، من عمّان، من الكويت، من الجزائر، من مسقط، من بغداد ...من كل مدينة عربية حناجر تدعو تدعو لمانديلا. هنيئاً لكم يا مانديلا بهذا الحب. هنيئاً لكم بهذا الشعب. العالم اليوم كله شعبكم يا مانديلا.

العالم الحر كله اليوم يدعو بالشفاء لمانديلا أو الراحة من العناء. ألا ترى أنه تحوطه دعوات شعوب العالم كله، فقد يرحل قبل نشر هذه الكلمات لكنه سوف يخلد في التاريخ درساً لن ننساه.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3951 - الإثنين 01 يوليو 2013م الموافق 22 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 12:45 م

      وهو كذلك

      العالم الحر كله اليوم يدعو بالشفاء لمانديلا أو الراحة من العناء. ألا ترى أنه تحوطه دعوات شعوب العالم كله، فقد يرحل قبل نشر هذه الكلمات لكنه سوف يخلد في التاريخ درساً لن ننساه.

    • زائر 2 | 1:05 ص

      ستاسي

      كل طغاة العالم لا يحبون مانديلا بما فيهم أوباما المتباكي عليه

    • زائر 3 زائر 2 | 2:41 ص

      و على الرغم من ذلك

      لا يملكون الا ان يتظاهروا بالحب و الاحترام له

    • زائر 1 | 12:45 ص

      رؤساؤنا يحسدون ماتديلا

      حقا لو ينافسهم على الحكم في بلادهم

اقرأ ايضاً