العدد 3982 - الخميس 01 أغسطس 2013م الموافق 23 رمضان 1434هـ

رمضان... قيم وثقافات

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

رمضان معنى وتاريخ وحكاية متواترة الأحداث، ومدرسة تربوية وقيمة فكرية وثقافية، ذلك ما نلمسه ونعيش واقعه في أيام وليالي هذا الشهر الفضيل. والمجالس الرمضانية التي هي منتج مجتمعي وتقليد حضاري ترتكز في مفاهيمها على القيم الروحية لجوهر مضامين المبادئ الرمضانية، تشكل واحة للحوار وتبادل الآراء واقتناء المعارف والثقافات التي نثري بها حصيلتنا الفكرية، وهي محطة للتواصل وتعميق العلاقات وتعضيد قيم الشراكة في معالجة القضايا المجتمعية.

التنوع في معالجة القضايا المجتمعية صفة تتميز بها المجالس الرمضانية، وعلى الرغم من التمايز بين المجالس الرمضانية في الحقبة التاريخية الماضية والمرحلة الحالية، إلا أن نهجها يرتكز على أهداف موحدة في مضامين جوهرها، ففي المرحلة التاريخية الماضية كانت المجالس في رمضان إضافة إلى كونها مكاناً لترتيل الآيات القرآنية والاستماع إلى المحاضرات الدينية وتبادل الأفكار والمرئيات الفقهية في جوانب الفكر الديني، كانت أيضاً محطة رئيسة لمعالجة القضايا المجتمعية ومناقشة متطلبات الحلول للمشكلات التي تخص المجتمع المحلي.

المجالس الرمضانية في المرحلة المعاصرة برغم اتسام البعض منها بالطابع المظهري والاستعراضي والدعاية الشخصية المؤسسية والفردية، وخلو معالجاتها من الأهداف المفيدة مجتمعياً، إلا أنها في المحصل العام حافظت إلى حد ما على قوام المجالس في المرحلة التاريخية الماضية، وشهدت تحوّلاً في مناهج معالجتها وتشخيصها لمخرجات الحلول للقضايا المجتمعية، وصارت بما يشبه المجالس المحلية وورش العمل المختصة في منهجيات عملها ومخرجات توصياتها التي كثيراً ما تحظى باهتمام الجهات المعنية.

وتناقش المجالس الرمضانية المعاصرة القضايا الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والانسانية والتربوية والتراثية والرياضية والبيئية، وقضايا التعليم والمرأة والشباب والطفولة، كما تعالج مشكلات الفقر والمخدرات والجريمة وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها من القضايا المرتبطة بمنظومة الحياة الاجتماعية.

القيم الرمضانية الثابت الرئيس التي تسير العلاقة في معالجة ما جرى ذكره من قضايا في رمضان، على الرغم من ثوابت الاختلاف في الممارسة والالتزام بجوهر القيم الرمضانية. وشهر رمضان المبارك يشير إلى منظومة من القيم الإنسانية والمبادئ الإسلامية التي تؤكد بشكل رئيس ثوابت مكارم الأخلاق وحسن المعاملة مع الآخر وعدم الإضرار به، والابتعاد عن الممارسات التي تتسبب في تهتك مقومات النظام الاجتماعي وتدمير مواقع ومصادر معيشة الإنسان أو الإخلال بأمنه الصحي والبيئي.

لذلك فإن الحديث عن رمضان يعني بالضرورة التمعن في جوهر معاني القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية، وعندما نتمعن في العلاقة الفردية والمجتمعية في المسار الرمضاني يمكن أن نتبين محددات الفوارق في فهم معاني تلك القيم، ونجد في سياق ذلك فئتين متمايزتين في نوعية الامتثال بجوهر هذه القيم، فهناك الفئة التي ترتكز في واقع ممارساتها على مبدأ المسئولية في الالتزام والتطبيق الجوهري للقيم، وتقابلها فئة أخرى تتبنى الجوانب المظهرية في الفهم والتطبيق، وتكون بعيدةً في ممارساتها عن المفهوم الحقيقي للقيم الأخلاقية والإنسانية.

إن ما هو مثير للاهتمام مشاهد الفهم العكسي والمغلوط لثوابت القيم، فمن الملاحظ انه في هذا الشهر الكريم، تشهد الأسواق ومراكز بيع المواد الغذائية زحفاً بشرياً تشعر وكأن الناس تحضّر لحرب قادمة، حيث نشاهد في جبالاً متحركة على العربات من مختلف المواد الغذائية المبالغ فيها، والتي تفيض عن احتياجات ومتطلبات الموائد الرمضانية. ويقابل ذلك تنظيم الموائد المظهرية للمؤسسات والأفراد واستغلال الشهر الفضيل لإقامة الموائد المارثونية للأرقام القياسية، المبالغ في حجم مكوناتها من أنواع الأغذية التي غالباً ما تجد مصيرها إلى مكب النفايات. وفي توصيف ذلك المشهد أثار اهتمامي تغريدةٌ لفتاة من إحدى الدول الخليجية عبّرت فيها عن استيائها من السلوك الاستهلاكي غير الرشيد في شهر رمضان، وامتعاضها من ظاهرة رمي المواد الغذائية في مكب النفايات، في الوقت الذي تعيش فيه عدد من الأسر حالة العوز والفقر، وتعيش بعض الشعوب حالة من الفقر القاتل، وتتساءل عن مدى توافق تلك الممارسات مع القيم الإسلامية التي تحثنا على عدم التبذير.

المشاهد الأخرى التي ينبغي عدم إغفالها، ظاهرة انعدام القيم الأخلاقية في العلاقة مع نظافة المحيط البيئي للإنسان، ومما يؤسف له ما تشهده ليالي رمضان من ممارسات وسلوكيات غير رشيدة تتعارض في مختلف جوانبها مع القيم الرمضانية والمبادئ الاسلامية، ويتمثل ذلك في ترك الفضلات بكثافة في الحدائق وأماكن الراحة والتواجد الاجتماعي وتلويث الطرقات والأماكن العامة.

خلاصة القول... نحن في حاجة إلى مراجعة متمعنة لمختلف ممارساتنا ومقاربتها بمنطق القيم والمبادئ الإسلامية، ومنها تلك التي لم نأت على ذكرها والتي هي في تعارض صارخ مع المبادئ الإسلامية، ونشهد مظاهرها المؤلمة في البقاع المختلفة من عالمنا الإسلامي، والعمل في سياق ذلك على تبني مبادئ السلوك القويم في العلاقة مع الآخر وفهمه، والابتعاد عمّا يتسبب في إثارة الأحقاد والفرقة وتفتيت شمل الأمة، والإضرار بمصالح الناس والعباد. فهل نحن قادرون على فهم أبعاد ذلك؟

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 3982 - الخميس 01 أغسطس 2013م الموافق 23 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً