العدد 3989 - الخميس 08 أغسطس 2013م الموافق 01 شوال 1434هـ

نعم لفلسطين... لا للتدخل في مصر

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

ما يربط بين غزة هاشم بأرض الكنانة، علاقة تفاعل، صنعها التاريخ. وغزة هي شريان القلب بالنسبة إلى مصر، وهي الجسر الذي عبرت من فوقه جيوش الفتح العربي بقيادة عمرو بن العاص. ولآلاف السنين، ظلت رئة تتنفس منها مصر، وبوابة رئيسة للمشرق العربي، ولقارة آسيا.

هذا الوعي بطبيعة العلاقة بين غزة ومصر، هو الذي يثير الحفيظة، تجاه ما يجري الآن من لغط سياسي، في هبة النيل، بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين، بعزل الدكتور محمد مرسي عن سدة الرئاسة. لقد اتهمت حركة حماس من قبل القطاع الأوسع من الشعب المصري، بالتدخل في شئون مصر، والوقوف إلى جانب الإخوان. كما اتهمت حماس، باقتحام السجون المصرية، إثر انتفاضة 25 يناير/كانون الثاني عام 2011، وإخراج معتقليها بالقوة من السجون، وأيضاً المشاركة في إطلاق سراح الرئيس المعزول من السجن عنوةً، بما يعني مغادرة حماس لدورها حركة مقاومة فلسطينية، من مصلحتها ومصلحة قضيتها، ألا تتدخل في الشئون الداخلية للبلدان العربية، فضلاً عن الاعتداء السافر على سيادة دولة مصر وأمنها القومي والوطني.

تجاهلت حماس موقعها كحركة مقاومة، واختارت الانحياز لعلاقتها العقدية بالإخوان المسلمين، على حساب مصلحة الشعب الفلسطيني، وعلاقات الأخوة في سابقة خطرة، رغم أن مصر هي بوابة قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس، إلى الخارج، عن طريق معبر رفح.

إن متابعة نشأة جماعة الإخوان المسلمين التي تنتمي لها حركة حماس، تساعدنا على فهم موقف الحركة من الأحداث الأخيرة في مصر. لقد نشأت جماعة الإخوان المسلمين بمدينة الإسماعيلية، قريباً من الجزء الشمالي من سيناء. ومنذ أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، تمكنت جماعة الإخوان من استقطاب أعضاء ومؤيدين لها في فلسطين، وتأسيس فرع للجماعة.

ومنذ البداية، كان موقف الإخوان المسلمين، من الانتماء الوطني مرتبكاً وضعيفاً، فرسالتها كما تؤكد أدبياتها عالمية، والوطن ليس موضوعاً أثيراً بالنسبة إليها. ومن هنا فإن أولوياتها السياسية، ليست بالضرورة متطابقة مع المطالب الوطنية. وذريعتها في ذلك أنها ليست حركة أو حزباً سياسياً، بل جماعة تعمل على نشر الدعوة، والتشجيع على أعمال الخير. وكانت ذريعة حق، يراد بها باطل. فالإخوان المسلمون، بالضد من مقولتهم هذه، لم يترددوا مطلقاً عن المشاركة في الحياة السياسية المصرية. وكان خيار الجماعة الدائم هو الوقوف ضد التطلعات الوطنية، وإرادة شعب مصر في إنجاز الاستقلال، وبناء الدولة المدنية.

في فلسطين، ظل وجودهم محدوداً وغير مؤثر في مواجهة المشروع الصهيوني، بعد الإعلان عن قيام كيانه الغاصب. وحتى بعد نكسة الخامس من يونيو/حزيران 1967، لم يبرز دور للإسلام السياسي، في المقاومة الفلسطينية التي برزت بقوة بعد النكسة. فقد تصدرت آنذاك، حركة فتح بزعامة الرئيس الراحل ياسر عرفات، قيادة المقاومة الفلسطينية، وإليها انتقلت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي حظيت بتأييد عربي رسمي وشعبي. ومنذ منتصف السبعينيات، بعد إقرار القادة العرب، لوحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني، توج عرفات قائداً للثورة الوطنية ولمنظمة التحرير الفلسطينية.

وتزامن إقرار القادة العرب بوحدانية تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني، في الأراضي المحتلة وفي المخيمات والشتات، بمزاوجة النضال الفلسطيني، بين العمل السياسي والعسكري، بهدف إعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، كاملة السيادة على الأراضي التي احتلتها «إسرائيل»، في عدوان يونيو/حزيران، وتحديداً على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وتكون عاصمتها مدينة القدس.

وفي مواجهة قرار القادة العرب، باعتبار منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، عمل الصهاينة، على إيجاد قيادات وشخصيات، من داخل الضفة والقطاع، لتتنافس مع منظمة التحرير، ولتكون بديلة عنها إن دعت الحاجة، وبشكل خاص أثناء الانتفاضة الشعبية العارمة بمنتصف السبعينيات التي عمت مدن الضفة الغربية، لكن تلك المحاولات وئدت في مهدها، وانتهت إلى الفشل.

وكان إعلان جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، عن تأسيس حركة المقاومة الإسلامية، حماس، وإشارة بيانها السادس، في 11 فبراير/شباط 1988، عن كونها واجهة للإخوان المسلمين في فلسطين، قد فتح الباب لوجود قوة سياسية فلسطينية جديدة تنافس منظمة التحرير في تمثيل الشعب الفلسطيني، وتضعف قدرتها التفاوضية، مع العدو من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة، تحت شعار تكتيكي مرحلي، يطرح تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، لكنه يعمل استراتيجياً على إضعاف المقاومة الفلسطينية، وهكذا كان.

تبخرت شعارات حماس، بعد توقيع اتفاقية أوسلو العام 1993، التي عرفت باتفاق غزة أريحا أولاً، والتي قضت باعتراف الفلسطينيين بالكيان الغاصب، مقابل إقامة سلطة وطنية فلسطينية بالضفة والقطاع. فقد سارعت حماس رغم رفضها العملية السياسية، للمشاركة بالانتخابات التشريعية الفلسطينية التي قامت على أساس تلك الاتفاقية. حصدت معظم الأصوات في القطاع والضفة، باعتبارها وجهاً مقاوماً رافضاً للتفريط في حقوق الفلسطينيين، لكن تكتيكاتها تكشفت بسرعة، عندما قادت انقلاباً ضد السلطة في رام الله، وتفردت بالهيمنة على قطاع غزة، وبقي الأمر قائماً قرابة عقدين من الزمن، من غير تغيير.

وطوال فترة انقسام القطاع عن المركز في رام الله، حاولت السلطات المصرية، أثناء عهد الرئيس مبارك، تقريب وجهات النظر بين فتح وحماس، وإنهاء حالة الاحتراب بينهما من دون تحقيق تقدم يذكر. وخلال أكثر من عقدين، بقي معبر رفح، ممراً رئيساً للفلسطينيين في القطاع للعبور إلى الخارج.

ومرت حماس بشهور عسل قصيرة، مع الحكومة المصرية، بعد 25 يناير/كانون الثاني 2011 وكشفت بسلوكها عن تفوق انتمائها للإخوان على أي انتماء آخر، بما في ذلك الانتماء للحقوق الوطنية والنضال الفلسطيني، واختارت أن تؤدي دوراً في الهجوم على السجون المصرية، وأن تكون عامل تهديد لأمن مصر، والخاسر نتيجة هذه الممارسات، هو الشعب الفلسطيني المظلوم، وعلاقات الأخوة التاريخية بين الشعبين، ومستقبل النضال الفلسطيني.

دعوة من القلب لأشقائنا المصريين، أن يميزوا بين الدور الذي تمارسه بعض أطراف حماس، وبين مصالح الشعبين. فرغم كل تجاوزات حماس التي فضحها الإعلام الوطني المصري، انتصاراً لجذورها الإخوانية، فإن غزة تبقى بوابة مصر إلى الشرق، كما هي مصر دائماً قلب الأمة ورمز كبريائها وعنفوانها. حمى الله مصر وشعبها وحمى الله أرض فلسطين.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 3989 - الخميس 08 أغسطس 2013م الموافق 01 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:25 ص

      حماس خسرت تعاطف المصريين معهم

      يا سيدى الفاضل جميع المكالمات التى تمت بين حماس والجماعه الاسلاميه يقال انها مسجله فى مصر حماس خسرت تعاطف المصريين واعتقد ليس حماس وجدها بل كل فلسطين لن تجد من يتعاطف معها ثانية من المصريين تحت اى ظرف الاسلام السياسى لم يفعل شىء طول وجوده سوى الدعاء على الاعداء فى المساجد الاخطر انهم كاذبون ايضا شفاهم الله ويدبرون المكايد فى سيناء وقتل جنودنا هناك ليتهم يصوبوا اسلحتهم تجاه العدو الحقيقى الا اذا كان المصريين هم اعدائهم

اقرأ ايضاً