العدد 3989 - الخميس 08 أغسطس 2013م الموافق 01 شوال 1434هـ

العيد وثقافة الفرح

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

النشاطات المجتمعية وثقافة الاحتفال بالعيد شهدت تغيّراً ملموساً في مظاهرها الاحتفالية وكذلك في الوسائل الترفيهية، وتلك نتيجة طبيعية لواقع المتغيرات العصرية وتوفر المؤثرات وأدوات الترفيه الحديثة

للأعياد الدينية قيمتها الاجتماعية في المفاهيم السلوكية والثقافية لمجتمعنا الاسلامي، وعلى رغم الاعتراف العام والحرص على الالتزام بثوابت القيم الاسلامية والموروث القيمي والحضاري لتراثنا الاجتماعي بشأن مضامين جوهر السلوك القويم ضمن منظومة مفاهيم ثقافة الفرح وطقوس الاحتفال بالأعياد، فإن هناك تبايناً في نهج السلوك الاجتماعي ومظاهر المناشط المجتمعية في الاحتفال بالعيد.

وفي إطار حوار مع مجموعة من الأقارب والأصدقاء، رأى عدد كبير منهم أن العادات والقيم الاجتماعية والمراسم الاحتفالية في استقبال العيد كانت مختلفة في المرحلة الماضية عما هو عليه الاحتفال بالعيد في المرحلة المعاصرة، حيث كانت المناسبة فرصة للتواصل الأسري وصلة الرحم، كما انه مناسبة لحل الخلافات وتصافي القلوب والنفوس. وفي سياق الإجابة على سؤال وجهته إلى إحدى الأخوات من دولة الإمارات العربية المتحدة عبر موقع التواصل الاجتماعي، طلبت منها إبداء رأيها وتقييمها لمراسم الاحتفال بالعيد في الماضي والحاضر. قالت «طبعاً مراسم العيد اختلفت تماماً عن قبل حتى الإحساس بالعيد لم يبق مثل قبل، أطفالنا الآن لا يعرفون متعة العيد وفرحته، لا يفكرون إلا ماذا سنشتري بالعيدية، لا يفكرون بأنهم سيزورون الأهل ويفرحون مع باقي الأطفال».

المظاهر الاحتفالية التقليدية بمختلف أنواعها وطبيعتها تشكل ثقافة مجتمعية تجسد البعد الثقافي والتراثي للموروث الحضاري للمجتمع. وكانت الساحات والمناطق السكنية في المدن والبلدات والأحياء المختلفة مسرحاً لإقامة فعاليات الاحتفال بالأعياد، ووفق الموروث الشعبي تعمد المجتمعات المحلية لتحديد موقع متعارف عليه لإقامة مناشط الاحتفال بالعيد يسمى «المعيد»، يقصده مختلف أطياف المجتمع ويزدحم بأفواج مختلفة من الناس يتوجهون إليه منذ الصباح الباكر زرافات زرافات تجمعهم روابط القربى وتضم الأقارب والجيران، وتشمل الآباء والامهات والابناء، وتزخر تلك المواقع بالأهازيج الدينية والشعبية والتراثية التي تزين بيئة المكان وتبعث روح الفرح والسعادة بين فئات المجتمع.

وترافق هذه اللوحة الانسانية الجميلة السوق الشعبي بما يشمله من مأكولات شعبية ومنتجات تراثية إلى جانب الألعاب الشعبية والتراثية التي تضفي عليها بهجةً وطابعاً إنسانياً. ويعزّز ذلك المظهر الحضاري من ثقافة الألفة والتواصل الاجتماعي حيث يتبادل الناس التحايا والتهاني والأمنيات التي تشيع بين أفراد المجتمع قيم المحبة وتعضد من مقومات الوحدة المجتمعية.

النشاطات المجتمعية وثقافة الاحتفال بالعيد شهدت تغيّراً ملموساً في مظاهرها الاحتفالية وكذلك في الوسائل الترفيهية، وتلك نتيجة طبيعية لواقع المتغيرات العصرية وتوفر المؤثرات وأدوات الترفيه الحديثة، بيد أن ذلك لم يخلُ من مظاهر السلوك السلبي في فهم طبيعة المتغير وكيفية الاستفادة منه في عملية الترفيه في الاحتفال بالعيد بطريقة ايجابية تجسد مفهوم ثقافة الاستثمار الرشيد للمتغيرات العصرية في مظاهر الاحتفال التي تؤكد التوجه الواعي للمجتمع في صون منظومتنا القيمية وتقاليدنا التراثية في مراسم الاحتفال بالعيد.

ومن الطبيعي في ظل توفر وسائل الترفيه الحديثة أن تشهد المياه البحرية والمناطق البرية زحفاً لمحبي الرياضات الحديثة، البحرية والبرية التي عادة يجري ممارستها بطريقة متهورة دون الأخذ بثوابت الاعتبارات الادارية والقانونية ووسائل الأمن والسلامة، ما يتسبب في وقوع الحوادث المأساوية والخسائر البشرية والمادية، وتقابل تلك الصورة مشاهد التهور في قيادة المركبات وما ينجم عنها من تبعات مؤلمة وإزهاق للأرواح البريئة.

ويتداخل مع ذلك، المظاهر غير المقبولة اجتماعياً والتي تشمل المدن والأرياف في مختلف بلداننا الخليجية، ويتمثل ذلك في الانتشار الملحوظ للألعاب النارية التي على رغم وجود القوانين المقيدة لإنتاجها وبيعها فإنها صارت مظهراً مألوفاً ودخلت ضمن ثقافة الاحتفالات والفرح في بلداننا، وما يزيد الغرابة أن تلك الألعاب لم تعد حكراًً على الكبار بل أضحت في متناول الأطفال والناشئة وتلك مسائل مهمة ينبغي الالتفات إليها وذلك لما تشير إليه من دلالات ذات أبعاد خطيرة على واقع الأمن الاجتماعي.

وتتقاطع تلك الظاهرة مع ثقافة الاستهلاك الخاطئة ضمن مناهج الاحتفال بالأعياد، وتتمثل في تغليب ثقافة المظاهر والتفاخر بإبراز الذات بأسلوب لا يوحي إلى الواقع المعيشي للفرد، وبطريقة تشير إلى مدى عمق الفراغ وضعف المكون الفكري لثقافة الفرد في مجتمعاتنا، ويتجسد ذلك من خلال الانفاق غير الرشيد على شراء حلي العيد بأعداد كبيرة وبأموال باهظة من دون إدراك لما يمكن أن يتركه ذلك من آثار ضارة على واقع الأمن المعيشي للأسرة.

إن ما ينبغي الإشارة إليه أيضاً في هذا السياق تفشي ظاهرة الإسراف وانعدام مبدأ ترشيد الإنفاق في مناهج ثقافة الاحتفال والفرح في مراسم الاحتفال بالعيد ويتمثل ذلك في حالة الهيجان والتزاحم الاجتماعي التي تشهدها مراكز التسوق والأسواق الشعبية لشراء المواد الغذائية يرافقه جشع التجار في رفعهم للأسعار التي تفوق القدرة الشرائية لبعض الأسر، وعلى رغم تعارض ذلك مع تقاليد ثقافتنا الاجتماعية المعززة بمبادئ ديننا الاسلامي فإن هذه الظاهرة آخذة في التنامي وصارت ما يشبه التقليد والثقافة المجتمعية.

وعلى رغم ما جرت الاحاطة بشأنه، تبقى القيم التقليدية للعيد محفوظة وتبعث في نفوسنا الفرح والسعادة، ونتمنى لكم عيداً تحاطون فيه بنعم المحبة والفرح والسعادة.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 3989 - الخميس 08 أغسطس 2013م الموافق 01 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:21 ص

      شكر

      نشكر الاستاذ الفاضل على هذا الموضوع القيم الذي شخص فيه العديد من الامور التي يجب الالتفات اليها فرديا واجتماعيا دمت موفقا

    • زائر 2 | 1:04 ص

      عيدك مبارك

      مقال جميل وخسارة أننا في البحرين فقدنا النمط الاجتماعي الشعبي العام في الاحتفال بالعيد فلا ميادين عامة ولا أسواق شعبية ولا فعاليات شعبية فقط لباس وطعام وتزاور عائلي وعيديات أطفال وهذا حسن ولكن ليس الأحسن ، وعيدك مبارك

    • زائر 1 | 10:55 م

      مرحبا سيد عيد مبارك وعساك من عواده

      كل عام وانت بالف خير تحية لك ولاسرتك

اقرأ ايضاً