العدد 4016 - الأربعاء 04 سبتمبر 2013م الموافق 28 شوال 1434هـ

حين التقيتُ المتنبي

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

حين تمتزج رائحة الورق، بطعم عصير الرمان والبرتقال، ورائحة القهوة والشاي العراقي المُعَدّ بعنايةٍ تامةٍ يجيد العراقيون سحر زوارهم بها، وحين يكون الزائر قاصداً المكان رغبةًً في شراء كتابٍ لا شيء سواه، فاعلم أن المكان هو شارع المتنبي.

هناك حيث يكون للكتاب قيمة تعادل قيمته الحقيقية، أو أقلّ بقليل، وحين يجتمع القرّاء أمام بسطةٍ من بسطات الكتب المنتشرة على طرفيه، يناقشون عنوان هذا الكتاب، أو أسلوب ذلك الكاتب، تقف مشدوهاً أمام هذا المشهد الذي يبدو لك مبهراً وخصوصاً أنك لم تعتد مثل هذه الظاهرة في بلدك، وتتمنى لو أنك تحظى بمثلها في قريتك أو مدينتك التي أنجبت الكثير من الكتّاب والمبدعين من المؤلفين بمختلف تخصصاتهم، وتتمنى لو أن شارعاً ما في وطنك يحمل الهمّ ذاته، ويُسمى باسم شاعر أو كاتب أو أديب من الأسماء المهمة، من غير أن يكون السبب في هذا التكريم هو أنه ابن هذه العائلة أو تلك.

حين تجوّلتُ في الشارع ظهر الجمعة، وددتُ لو أنني أنقل هذا الجمال وهذا الشغف بالكتاب إلى بلادي، بنفس النكهة ونفس الرائحة، ونفس البساطة والعفوية. تمنيتُ لو أنني أذهب في بلادي إلى شارعٍ كاملٍ لأبحث عن كتابٍ لم أجده في المكتبة الكبيرة المكيّفة التي اعتدتُ ارتيادها، فأذهب إلى بسطة عمو «ابومحمد»، وهو رجل طاعن في السن كما هو طاعن في عشق الكتب، يمتلك محلاً في شارع المتنبي، وقيل إنه قرأ نصف الكتب الموجودة فيه... أذهب إلى بسطةٍ كبسطته لأتناقش معه في الكتاب قبل شرائه، وأتصفح كتبه بنشوة الباحث عن الحب، الغارق في عشق ما بين يديه، كما كنتُ أفعل في طفولتي بداية اكتشافي لمكتبة «الجيل الجديد» التي ما كنتُ أبحثُ عن كتابٍ إلا وأجده لديها قبل أن تنتقل إلى مقرها الأخير قبل موتها لسببٍ مازلتُ أجهله.

كانت الكتب هناك موزعة بشكلٍ يشبه توزيع الكتب في بسطات شارع المتنبي، وصاحبها يشبه الباعة هناك، عارفٌ بالكتب والمؤلفين ونوعية الكتب التي قد تستهويك ما ان تطلب عنواناً أو اثنين، فيناقشك ويدلك على الأسماء التي لم تكن تعرفها؛ ومازلتُ أدين له باكتشافي لأسماء صرتُ أعشقها الآن كـ «أندريه جيد» و «سارتر» و «باولو كويللو» و «أنسي الحاج».

حين تتجول في شارع المتنبي وحدك تجد متعةً لا يضاهيها إلا تجوالك بصحبة مجموعة شعراء، وهنيئاً لك حين تحظى بالاثنين كما حدث لي؛ فقد كنت بصحبة شعراء كثر من مختلف الدول، توزعنا في الشارع ليبقى معي الشاعر العراقي محمد البغدادي والشاعرة الجزائرية حنين عمر، كنا نسير باتجاه النهاية ولم أعرف أني سأقابل جدي «شعرياً» هناك بالقرب من نهر دجلة، وسألتقط صورةً بالقرب من تمثاله الواقف شامخاً بشموخ قصائده فكانت أجمل خاتمة، وأجمل مفاجأة أن نتعرف على تمثال الشاعر أبوالطيب المتنبي الذي يسكننا منذ قراءاتنا الأولى للشعر.

ما دفعني لكتابة هذا المقال هو الحنين لذلك المكان، والحنين للجمهور العاشق للقراءة، والحنين لمكتبة الجيل الجديد التي شهدت أولى خطواتي نحو التعلق بالقراءة والكتابة، والأهم من الحنين هو رغبتي الملحة في أن أحظى بشارع هنا في البحرين كشارع المتنبي أنا ومن يعشقون الكتب.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4016 - الأربعاء 04 سبتمبر 2013م الموافق 28 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 12:57 ص

      ما أحوجنا لذلك

      نحتاج لمثل هذه المبادرات لنشر ثقافة القراءة ... فمجتمعاتنا وللأسف متأخرة كثيرا جدا في هذا المجال

    • زائر 3 | 12:42 ص

      مكتبة الجيل الجديد (ذكرى)

      اختي اوجدي قراء اولا بعدين تحصلين على شارع المتنبي

    • زائر 2 | 12:31 ص

      حين ذهبت كان الجمعة ايضا

      كان الشاعر جميل بالكتب واحلى مابه انه كان يضم الكتب الجديدة والمستعملة
      القديمة والحديثة
      ويحتوي على قهوة قدييييييمة كثيراً ورغم صغرها الا انها مليانة عن اخرها . شعور جميل عشته هناك . وشكرا لكم لانك اعدت هذه المشاعر لي

    • زائر 1 | 11:17 م

      أيتها الراقية

      نفس الشعور يخالجني وأتمنى ما تتمنينه وإني لمن المشتاقين غلى ذلك الشارع حيث الكلم ذات المعني بقيمة أناسه . شكرا اختي الكريمة على هذا الشعور

اقرأ ايضاً