العدد 4016 - الأربعاء 04 سبتمبر 2013م الموافق 28 شوال 1434هـ

ساقِيَةُ التاريخ تمرُّ على سورية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في كثير من الأحيان، يشبه التاريخ دَوَرَان سَّاقِيَة الماء. تلامس أطراف السَّاقِيَة موضعاً مُحدَّداً، ثم تعيد الفعل ذاته موالاة وتتابعاً، وكذلك يفعل التاريخ، حتى يتبدَّى الحاضر وكأنه صنو منه. ولأن العالَم في هذه اللحظة، يموجُ على وقع «جموح إمبريالي محتَمَل» ضد بلد عربي آخر (سوريا) فإن معاينة التاريخ وأحداثه، قد تُفَسِّر لنا جزءًا مما يجري.

وقد وَجَدت أنه وفي مثل هذا اليوم، الخامس من سبتمبر/ أيلول، وقبل مئة وثلاثة وخمسين عاماً، أي في العام 1860، اجتمعت عِدَّة دول عظمى، وهي النمسا، انجلترا، روسيا، فرنسا وبروسيا للتداول حول سورية وشئونها. ما كان يُشاع حينها، هو الاستقلال والقضاء على «الحرب الأهلية الدامية» المندلِعة في منطقة الشام، وبالتحديد، في لبنان وسورية.

في ذلك الأوان، كانت هذه المنطقة، على وقع صراعٍ أهلي دموي، بين المسيحيين من جهة، والمسلمين والدروز من جهة أخرى. لكن المشكلة، لم تكن في الصراع ذاته (والذي تحوَّل إلى صراع مُركَّب) وإنما كانت في إرهاصاته وطبيعته ومشاربه وأوردة التغذية فيه. فقد ظَهَرَ أن دولاً عظمى (حينها) كانت قد أوقَدَت أوار ذلك الصراع، لتحطيم الحركة الصناعية «الدمشقية»، وبالتحديد في مجال الحرير، وتبرير التدخل المباشر في المنطقة.

فمثلما كان اللبان عند العُمانيين في سابق العصور يُشكل الشريان الاقتصادي الأهم للدولة والمجتمع، ثم جاء الذهب لدى الإسبان والبرتغاليين ثم التوابل، واليوم ما لدينا من نفط وغاز، فقد كانت الأراضي السورية في ذلك الوقت، تنعم بصناعة وافرة وعظيمة، في مجال المنسوجات من قطن وأقمشة وأجواخ وغيرها، حتى حَجَّ إليها الغرب مستورداً منها حاجاته. وكان التجار الغربيون يأتون إليها لهذا الغرض ويستثمرون أموالهم فيها.

وقد عَزَمت بعض القوى الدولية في ذلك الحين، على تغيير معادلة الإنتاج العالمي لصالحها، وقطع الطريق على ازدهار الشرق عبر هذه الصناعة الصاعدة في الشام، فبدأ الصراع «اقتصادياً» ثم أضيفَت إليه سيناريوهات التثوير الطائفي والديني والعرقي، بغرض تذويب قوائم المجتمع الشامي، وتصبح تلك المنطقة منكوبة على أهلها، وفي صناعتها، ثم مكانتها الاقتصادية في العالم.

ولإكمال طاحونة الصراع، لتعرِكهم عَرْك الرّحى بثفالها، فقد أيَّدت دولٌ المسيحيين بطوائفهم (الأرثوذكس/ الكاثوليك) بينما أيدت دولٌ أخرى الدروز، وثالثة المسلمين، ثم تمَّ تبادل أدوار ذلك الصراع، فَظَهَر أن مسيحيين أبِيْدَت حاراتهم، وآخرين لم يُمَسُّوا بسوء، كما حصل في حيي الميدان والقيمرية، (رغم الوقفة الإنسانية المشهودة، التي وقفها المسلمون في تلك الحادثة).

اليوم، تجري الأمور في الأزمة السورية بطريقة شبيهة لما كان في الأمس، من حيث دواعي التدخل الغربي، والاصطفافات الداعمة لهذا الطرف أو ذاك، مع الاختلاف في أشكال الخلاف بين دول التآمر الغربي ضد الوطن السوري. فتحت «الحجَّة الإنسانية» دُمِّرت خمسة وسبعون بالمئة من مصانع حلب، التي كانت عَصَبَ اقتصاد السوريين، منذ تاريخ سحيق ولغاية اللحظة. ولا أحد يعلم، كيف يُربط ذلك بمسائل التحوُّل الديمقراطي!

اليوم، تحوَّل الصراع في سورية، من صراعٍ بين شعب متطلع للتغيير، ضد نظام فاسد، إلى صراع بين وطنٍ وعدو مُستأسد، قادم من وراء المحيطات والبحار، يريد التهام التراب السوري، وتحطيمه اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً. عدو يُغنِّي على وَتَر السويداء «الدرزيَّة» وحِمص «السُّنيَّة» وطرطوس «العلوية» والحسكة «الكرديَّة» ودير الزور «العشائرية»، ويُبشِّر بهذه التشطيرات، طمعاً منه في إعادة المجتمع السوري، إلى كانتونات أوروبا المتناحرة، عندما كان الفرنسي والسويسري والألماني والإيطالي لا يُعرَف إلاَّ من خلال كاثوليكيته أو بروتستانتيته لا من خلال مواطنيته، وحقه في الحياة كإنسان.

لقد كَتَبَ جورجو غوتشي وبرتراندون دو لا بروكييه وليوناردو فرسكوبالدي وسيمون سيولي وفون سوخم وأضرابهم عن دمشق بإعجابٍ حول عمارها ونهضتها واقتصادها ومجتمعها منذ قرون ولَّت، عندما كانت أوروبا متخلفة في مدنيتها، ومتحاربة مع جوارها، ومضطربة في هويتها، لا تلوي على شيء.

وعندما كانت أجزاء كبيرة من أوروبا على تلك الحالة المزرية «كانت دمشق، تُنتِج السكر والنقولات، وتصنع المنسوجات القطنية والحريرية والزجاج والخزف والفخار والمزخرفات الحديدية والكاغد والصابون والعطور وماء الورد وماء الزهر والشموع والأحذية، وبصياغة الذهب والفضة، وكان بعض الأوروبيين يُفضلونها على باريس وفلورنسة». (للاستزادة، راجع كتاب: «دمشق في عصر المماليك» للدكتور نقولا زيادة تأليفاً وترجمة ص 104).

ذلك كان التاريخ، وهذا هو الحاضر، وكلاهما بين أيدينا. وإذا كنا قادرين على قراءة التاريخ أفضل من الحاضر، كونه أيسر، ومشاهدته أكثر وضوحاً، فإن من الخطأ أن لا نرى شبيهاً له في حاضرنا. فالهدف هو ذاته، والخصوم هم ذاتهم، والحجَّة هي ذاتها، وبالتالي، يصبح عدم الإدراك بُلهاً سياسياً، وضحالةً في التفكير، وقلةً في الوعي.

لكن الحقيقة، أن ما أسعدني خلال الأيام الماضية، هو ما تفاجَأَت به وكالة الأنباء الألمانية (دي دبليو) عندما أجرت تحقيقاً صحافياً، استطلعت فيه آراء المواطنين السوريين، في منطقة الغوطة الشرقية، التي تعرَّضت للقصف الكيميائي في الحادي والعشرين من أغسطس/ آب الماضي، وبات يُتاجَر بمأساتها ومأساة أبنائها مرة في الكونغرس، ومرة في مجلس العموم، ومرة في الجمعية الوطنية، حيث تبيَّن للوكالة المذكورة أن أغلب الردود من أهل الغوطة كانت ضد الضربة العسكرية على بلادهم.

ولأمانة النقل، فقد ذكرت الـ دبي دبليو أن النتائج الأولية كانت مفاجئة للمراسل، حيث قال: «أنا متفاجئ أن أغلب من أجابوا على الاستبيان كانوا ضد الضربة لدوافع وطنية، الكثيرون قالوها صراحةً: نحن ضد الأسد ولكن لا يعني أننا مع تدخل عسكري أجنبي أو أننا بحاجة له». ونحن نقول لهذا المراسل: لا تتعجَّب، فوطنية هؤلاء وارتباطهم بأرضهم جعلتهم يعضُّون على الجرح، وهم ينظرون لبني الأصفر، وهو يسرج الخيول ويحشد الجيوش ضد تراب أرضهم، فأنعم بهم وأكرم.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4016 - الأربعاء 04 سبتمبر 2013م الموافق 28 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 6:17 ص

      مهتم

      الجميع يجب أن يكون ضد الضربة الأمريكية .
      وفي نفس الوقت المطلوب من الشعب السوري مقاومة الاحتلال الايراني الظالم للأرض العربية .

    • زائر 2 | 12:37 ص

      هههههه

      يمكن المراسل مضييع وراح لديره ثانية، ياااخي شتقول انت ناسس رااحت قلوب فوجعت أمهات رملت وأطفال يتمت، وانت تقولي مب موافقين على ضرب الطاغية، الله يصلح حالك بس.

    • زائر 3 زائر 2 | 12:47 ص

      سؤال لصاحب القهقهات:

      يعني انت تأيد ضرب العراق من الامريكان عيل؟؟

    • زائر 5 زائر 2 | 5:46 ص

      الغباء والاستغباء

      اما انك غبي او تستغبي: انت الحين مصدق ان امريكا وباقي الربع شاطين عمرهم عشان هناك ديكتاتور يقتل في شعبه؟ يعني هذه الدول وعلى رأسها امريكا تهتم لحقوق الانسان وتهتم لقتل بني البشر؟ امريكا هذه لا توجد دولة في العالم قتلت وسفكت دماء كثر امريكا باسلحتها الفتاكة فهل انت تنتظر من امريكا اعانتك على ظالم وهي ومن معها اظلم الظلمة. المستجير بعمر عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار

    • زائر 1 | 11:00 م

      المشكلة هي ليست في دول الغرب بل في من تسمي نفسها دول العرب.

      اعتقد المشكله في الدول الغبية من تسمي نفسها حاملة العروبة وهي التي تركض وراء الغرب وتريد فتح جوها وقواعدها بل وتدفع تكلفة الضربة على سوريا يدفعها الحقد الاعما والضمير الميت والفكر المستبد، بل بعتقادي هذه الدول اعظم خطرا من امريكة لانها اساس كل فساد وفتن وكلنا نعرفهم

اقرأ ايضاً