العدد 4021 - الإثنين 09 سبتمبر 2013م الموافق 04 ذي القعدة 1434هـ

حول الإرث الثقافي والديني لقرية باربار

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

استوقفتني ظاهرة محيرة في تاريخ قرية باربار، فأثناء قراءاتي عن تاريخ الحركة العلمية في البحرين لاحظت أن التاريخ والتراث الديني المرتبط بهذه القرية على امتداد القرون الأربعة الأخيرة يشوبه الكثير من الغموض، إذ لا توجد قرائن واضحة على وجود حركة علمية وأدبية نشطة وفاعلة في هذه القرية الساحلية، على خلاف ما كان سائداً في قرى البحرين الأخرى من مدارس علمية ونشاط علمي خصب، بل إن كتب التراجم والسير تشير إلى وجود أسماء لعلماء من قرى مجاورة لقرية باربار، مثل مقابا، والدراز، وجنوسان، وأبو صيبع والغريفة، في الوقت الذي يكاد يغيب ذكر باربار من الخارطة العلمية في البلد.

غير أن هناك إشارات بسيطة عن شخصية الشيخ حسين محمد بن عبدالنبي البارباري السنبسي البحراني (ت 1192هـ / 1778م) الذي كان من كبار علماء البحرين، وله ذكرٌ في كتب التراجم كما ذكره الشيخ شرف الدين محمد مكي العاملي الجزيني في مخطوطته «مرآة البحرين»، بقوله: «الشيخ الفاضل المحقق المتكلم بالصدق الشيخ حسين بن عبدالنبي البارباري فهو فقيه عارف تقي وقد سكن اصطبهانات من قرى بلاد فارس».

ويذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني (ت 1970) في «طبقات الأعلام» أن «من علماء القرن الثاني عشر الهجري الحسين البلادي (كان حياً في 1194 هـ) ويقول أنه ابن محمد بن عبدالنبي البحريني البارباري.

كما وأن هناك شخصية علمية انفرد بذكرها الشيخ شرف الدين محمد مكي العاملي الجزيني (ت بعد 1160 هـ/ 1747م) في مخطوطته التي كتبها عندما زار البحرين في القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي؛ وهي شخصية السيد هاشم البارباري (ت 1124 هـ/ 1712م) والذي وصفه الجزيني في مرآته بـ «السيد العالم أبو المكارم السيد هاشم بن عبدالله البارباري... كان عالماً تقياً في نهاية الصلاح والسخاء، حامياً للشريعة المطهرة». وقال أنه سكن قرية كتكتان المعروفة بتوبلي، ومات بها.

ويحوط شخصية الشيخ علي بن حماد (ت 999 هـ/ 1500م) صاحب المقام المعروف في قرية باربار الكثير الغموض، ومقامه كان لعقودٍ مضت محل تقدير من أهالي القرى. يقول الشيخ إبراهيم المبارك (ت 1979) عن مسجد الشيخ علي بن حماد: «مزار كبير وعليه قبة ومسجد في باربار، ولم نعرف عنه شيئاً سوى ما نسبه إليه الطريحي من المراثي في المنتخب، وشعره مبتذل».

ولعل من أقدم الإشارات الدالة على وجود ملامح لنهضة علمية في القرية، وجود مدرسة الشيخ علي القشعمي المتوفى في القرن السابع عشر الميلادي وصاحب المدرسة العلمية الشهيرة التي تحوّلت فيما بعد إلى مقبرة خاصة بالعائلة، قبل أن تتحوّل في وقت متأخر إلى مقبرة لعموم أهالي القرية، ولهذا تسمى بـ «مقبرة المدرسة»، ولازالت هناك آثار باقية لمبنى قديم اندرست معالمه على ربوة مرتفعة في جنوب المقبرة يُحتمل أن تكون آثار مدرسة أو بيت الشيخ علي نفسه. ويرى أحد الباحثين أن «الربوة القائمة تمثل أساسات بقايا مسجد حيث تحوّلت هذه الحوزة إلى مقبرة لطلبة هذه الحوزة، ومع مرور الزمن درست معالم المسجد والمدرسة ولم يبق منها سوى الأطلال، ويشير بعض أهالي القرية إلى أن رجال الدين والطلبة في هذه المدرسة قد قتلوا من قبل الاستعمار البرتغالي بسبب مقاومتهم له ودفنوا في جوار الحوزة».

والذي أراه، أن عدم وجود حركة علمية وأدبية في قرية باربار أمر متعذر إن لم يكن مستحيلاً، وذلك للأسباب، أبرزها:

- عراقة الممارسات والطقوس والمؤسسات الدينية في القرية، ومن المعروف أن الدين بما يتضمنه من كثافة في الطقوس والشعائر، تنمو في ظله حركة عقلية وأدبية ونشاط ثقافي. خذ على سبيل المثال، الشعائر الحسينية تتضمن الكثير من المهارات الخطابية والكثير من الشعر، وهذا بدوره يقوم على احتكاك مباشر مع كتب المقاتل والمدوّنات التاريخية التي كانت تنتقل من جيل إلى جيل عبر عملية استنساخ خطي يشارك فيه أهالي البحرين الذين برع منهم الكثيرون في مهنة الاستنساخ «الوراقة»، ويكثر هذا النوع من الاستنساخ في البيوتات العلمية والمآتم والحسينيات ودور الإحياء.

- وجود آثار وشواهد تعود إلى مراحل تاريخية قديمة تؤكد ضمناً على وجود نشاط علمي وأدبي، فشواهد القبور والساجات المنقوشة، كان يقوم بها خطّاطون ونحّاتون متمرّسون كانوا من طبقة الشعراء والفقهاء. وممن عُرف بالنحت على ساجات القبور الشيخ الكبير أبو البحر شرف الدين جعفر الخطي البحراني العبدي، جعفر الخطي (ت 1028 هـ / 1619م) إحدى الشخصيات العلمية والأدبية في بحرين القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، والذي عُرف بمهارته في النحت على شواهد القبور وبيوت أعيان البحرين.

- وقوع قرية باربار على الشريط الساحلي ضمن سلسلة قرى متجاورة ومتقاربة مع قرية باربار مثل: الدراز، مقابا، جنوسان، الغريفة القديمة (أبوصيبع حالياً)، وهي من القرى العلمية يجعل من البعيد جداً أن تعيش باربار في عزلةٍ تامةٍ مع جوارها، بل الأقرب أن هذه القرى كانت منفتحةً إنسانياً واجتماعياً وعلمياً، وتؤثّر وتتأثر ببعضها البعض، لاسيما وأن حركة الهجرة الداخلية كانت ميسّرةً والتزاوج في بيئة صغيرة مثل البحرين كان يتم بأريحية وتساهل تامين.

- الطابع الساحلي لقرية باربار، ساهم في ترسيخ سمات خاصة لمجتمع مفتوح يتعامل مع الأفكار والأشخاص والأشياء الجديدة بكثير من التسامح، ومجتمعٌ كهذا لابد وأن تنشط فيه حركةٌ تتعامل مع الفنون والعلوم بشيء من التقديس والعناية، خلافاً للمجتمعات المنكفئة والمغلقة.

- عدم وجود ألقاب صريحة للشخصيات العلمية في كتب التراجم والسير تدل على صلة واضحة بمنطقة باربار لا يعني بالضرورة عدم وجود علماء من القرية في العصور الماضية، فكثيراً ما تتغلب الأسماء ذات الطابع الحيادي على أسماء العلماء سواءً في الماضي البعيد أو المتوسط، وعملية تبدل الأسماء ترجع لعوامل تاريخية واجتماعية كثيرة ومعقّدة، وكثيرٌ من الأسر والعائلات تتخلّى عن ألقابها الحقيقية و«المناطقية» في إطار عملية اندماج وانصهار تام مع بيئتها الجديدة في المهجر.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4021 - الإثنين 09 سبتمبر 2013م الموافق 04 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 5:27 م

      في انتظار فيض من الدلالات

      شكرا على ما تفضلت به بيد أن الاشارة العابرة الى حقيقة تاريخية حول المدرسة والمقبرة دون النبش في الحقائق التاريخية يشكل مأخذ في منهجية بحثك التاريخي ويترك اثر سلبي على مفاهيم ومعارف الجيل حول الواقع التاريخي لهذا الحدث، كما يتسبب في اثارة النقاشات والخلافات حول ما ذكرتم.
      لذلك نحن في حاجة الى قراءة متمعنة عندما يتعلق الامر بحقائق التاريخ، واقول لك أن المقبرة ليس مقبرة عامة ويدفن فيها اسر محددة والمدرسة يدور حولها الكثير من اللبس، لذلك ندعوك الى النبش جيدا في حقائق ماذكرت.

    • زائر 10 | 12:17 م

      شكراً لك

      اخي الكريم وسام السبع ... اشكر لك طرح هذا الموضوع المهم والمتميز ... والذي هو يشكل اهمية كبيرة لأهالي قرية باربار بشكل خاص والبحرين بشكل عام لمساهمته في الكشف عن تاريخ القرية وآثارها ومعالمها التي اندثرت منذ قرون ، كما انه يكشف عن انجازات الأهالي والعلماء في سبيل العلم والمعرفة من خلال ذكرك لشخصيات مهمة مثل الشيخ علي القشعمي ... فقد سمعنا عن "مقبرة المدرسة " كثيراً لذلك نتمنى البحث والاستقصاء عنها بشكل اوسع لمعرفة المزيد من المعلومات ، ولا بد من توثيق ذلك .

    • زائر 9 | 11:01 ص

      خطأ تاريخي..

      شكراً لك أستاذ وسام على هذه المقالة..ولكن للتوضيح ، لم يذكر أحد أن الشاعر أبو البحر الخطي كان نحاتاً ولا أدري من أي أتيت بهذه المعلومة..الرجل كأي شاعر أخر كان يطلب منه أن يرثي بعض الأعيان المتوفين بأبيات من الشعر تنقش على قبورهم!!

    • زائر 8 | 7:39 ص

      Dear Mr. Wessam.

      Many thanks,God bless!
      Keep going!

    • زائر 6 | 3:52 ص

      الكاتب المحترم الاستاذ وسام

      يعجبني ما تطرحه من مواضيع تخص التراث والادب والشخصيات التاريخية التي عاشت في ربوع بحريننا الحبيبه والى الامام
      حبذا ان تتطرق في المرات القادمه للنوادر التي كتبها الاقدمون مع تحياتي

    • زائر 7 زائر 6 | 4:29 ص

      تسرني متابعتك

      تسرني متابعتك عزيزي

    • زائر 3 | 2:01 ص

      شكرا

      أخي شكرا لك على جهودك
      بن صالح

    • زائر 2 | 1:38 ص

      من أحد أبناء باربار تحية

      أشكر لك اخي الكريم تفضلك بطرح هذا الموضوع الهام لكل من يعي أهمية ماضيه ويبحث عن أصله ويرى في تاريخه إنعكاساً لحاضره، واما عن العلماء والحركة العلمية في باربار فهي ضاهرة تستحق البحث والأستقصاء حقاً وأنا أشكرك لطرحك هذا الموضوع الذي يمكن ان يسهم بفتح أبواب للنقاش تخرج علينا ببعض خفايا قريتنا وما تعاقب عليها من رجالات وأحداث وأتمنى ان تثرينا الردود على موضوعك في هذا المجال.
      تقبل دعائي لك بالخير

    • زائر 4 زائر 2 | 2:17 ص

      معالم بوري

      اخي وسام عندنا في هذه البقعه الجغرافيه الصغيره مساحات تاريخيه كبيره يمكن الحديث عنها ابوالبحر الخطي هوصاحب الابيات المشهوره عجبالمطي على معالم بوري بمحل لذاتي وربع سروري

    • زائر 5 زائر 2 | 3:14 ص

      شكرا

      شكرا لمرورك الجميل.. بانتظار اثراء النقاش حول الموضوع

    • زائر 1 | 12:59 ص

      ضياع المصادر

      ما لدينا من المصادر ماهو إلا فتات حقائق كبيرة ضاعت مع الزمن والمصائب التي حلت بأهل البحرين

اقرأ ايضاً