العدد 4025 - الجمعة 13 سبتمبر 2013م الموافق 08 ذي القعدة 1434هـ

روحاني بين «مفروض» الاعتدال و«فارض» التشدد

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أيام، تحدثتُ عن مهمَّة الرئيس الإيراني حسن روحاني، في تقشير وجه بلاده أمام العالَم لتكريس صورة الاعتدال، منذ تسلمه السلطة في الرابع من أغسطس/ آب الماضي. أزاحَ وأَحَلَّ من الشخصيات، وركَّبَ من التحالفات، ما ينسجم وتلك المهمة، وكأنه يرسم إيران في لوحة فنية، يُراعي فيها موضع العينيْن ومِحجَريهما، والأنف وأرنبته، والفم واتساعه، والذقن وقاعه، والجبين وتشققاته وغيرها من الملامح المؤثرة في اللوحة.

وربما جاء آخر أهم تعيينٍ قام به روحاني، هو إحلال الأدميرال علي شمخاني أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي كبديل عن سعيد جليلي. وليست المفارقة هنا فقط، في كون الثاني وجهاً لحكومة وُسِمَت بالتشدد، والأول، وزيراً في حكومة وُسِمَت بالاعتدال، بل في كون التعديل جاء بعد إعادة الملف النووي من المجلس الأمني إلى وزارة الخارجية، وإسناد رئاسة ذلك المجلس لجنرال في الجيش.

في كل الأحوال، فإن تلك التغييرات في الحقائب والمناصب والشخوص، كان يُراد منها (بعد تغيير الصورة) إنتاج خطاب سياسي جديد، تحدَّث عنه روحاني في مراسم تنصيبه في البرلمان، وأمام وفود 55 دولة، يقوم على «إرساء الاعتدال والحد من التهديدات وزيادة الفرص» والبحث عن «السلام والاستقرار»، ومعارضة «تغيير أنظمة سياسية أو حدود بالقوة أو بتدخلات أجنبية» كما قال.

وقد استطاع روحاني وفريقه السياسي، أن يُنتِجوا خطاباً يُحاكي إلى حد بعيد، ما ألزموا أنفسهم به من تعهدات. ولو شئنا متابعة التصريحات التي أطلقها هو ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، والناطقة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم، سنرى ذلك بشكل جيد، حيث أنها اتَّسَمت بالحذر الشديد، ومُفَضَّضة بالعموميات، التي تُحتَمَل فيها عدة قراءات.

لنأخذ أمثلة على ذلك. تحدّث روحاني أمام مجلس الخبراء عن الأزمة السورية فقال: «أي إجراء ضد سورية سينتهي بضرر أصدقاء أميركا». ثم قال: «إيران بذلت وستبذل قصارى مساعيها الإنسانية تجاه الشعب السوري، وقامت وستقوم بجميع التزاماتها والإجراءات المطلوبة حيال استقرار المنطقة».

وزير الخارجية الإيراني الجديد محمد جواد ظريف تحدّث حول البرنامج النووي الإيراني فقال: «أعلنا مبادئ المفاوضات التي يجب أن ترتكز على ثلاثة مبادئ عامة، وهي التكافؤ والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، حيث أن سياسة حكومة التدبير والأمل تنتهج سياسة التعامل البناء مع العالم على أساس هذه المبادئ. إن تبديد الهواجس يصب بمصلحتنا».

وفيما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية ردَّ ظريف على سؤال حول مدى صحة الشائعات التي تحدّثت عن إرسال رسالة من الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني حيث قال ظريف: «قد يكون هنالك رسائل شفهية أرسلت إلى الرئيس روحاني، المهم ليست الرسائل بل وجود الإرادة اللازمة لدى الجميع لتسوية المشاكل العالقة».

وحول سورية قالت المتحدّثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم، أن بلادها لا تُصدر «أحكاماً مُسبقة»، وهي «تعارض القيام بأية مغامرة في المنطقة لأن تداعياتها ستكون خطيرة». ثم قالت: «إن قضية الانتصار أو الربح أو الخسارة ليست واردة، فالمسألة تكمن في السعي لاحتواء الأزمة، وإيران تريد إيجاد آلية سياسية لحل الأزمات، وندعو دول المنطقة إلى التحرك في هذا الاتجاه».

وبتفكيك تصريحات روحاني سنلحَظ أنها «عامة» و»ناعِمة جداً» فيما خصَّ الأزمة السورية، وربما هي بمستوى يقل كثيراً عن الموقف الروسي، الذي عَكَسَه الرئيس فلاديمير بوتين خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده إبَّان قمة دول العشرين في سان بطرسبرغ، حيث قال بأن روسيا «ستدعم سورية بالسلاح إذا تعرَّضت لهجوم». وهذا الموقف متقدّم جداً عن الموقف الإيراني من سورية مقارنةً بموقع طهران كحليف استراتيجي لسورية.

أما ظريف، فهو اتبع خطاباً لا تقيِّده الـ «لاءات»، ولا الزوايا الحادة، بل جعله مرتكزاً على البراغماتية والمنازلة المقبولة. وحتى عندما تطرّق إلى العلاقة مع واشنطن، لم يتبع سياسة النفي المطلق، بل فتح الباب أمام التكهنات، التي من شأنها إرسال عدة رسائل للأطراف المعنية بها، سواء في الإقليم أو في أوروبا، فضلاً عن تليين مواقف الجانبين.

أما المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية، فكانت حريصةً على انتهاج سياسةٍ بعيدةٍ عن وضع الأنف الإيراني في أتون الأزمة السورية، والوقوف على مسافة محسوبة جداً من الأزمة، مع تركيزها على رغبة حكومة روحاني على «الحلول الجماعية» والابتعاد عن التصعيد.

أمام كل هذه التصريحات، حاولت حكومة الرئيس حسن روحاني، القيام ببعض الإجراءات الفعلية المُعزِّزة لخطاب الاعتدال وإرسال رسائل إيجابية أيضاً. فقد أفرجت طهران مؤخراً عن ستة سلوفاكيين من أصل ثمانية موقوفين لديها منذ مايو/ أيار الماضي بتهمة «التجسس». وقد اعتُبِرَ ذلك بادرة حسن نية تقوم بها حكومة روحاني تجاه الغرب. وربما عَكَسَت تصريحات رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو ذلك، عندما أدلى للصحافيين بتصريحات «إيجابية ومتفائلة».

لكن المشكلة الأساسية للرئيس روحاني، لم تعد داخلية فقط، ولم تعد في تغيير الخطاب ولا الشخوص، ولا حتى (كثيراً) بالإجراءات، كي يواصل طريقه في التغيير دون عثرات، بل إن الأمر بات مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالخارج، حيث أن الأزمة السورية، واحتمال الضربة الأميركية على سورية، فَرَضَت عليه أن يقيم توازناً حذراً في إكمال تغيير وجه إيران للعالَم، وبين الوفاء بتعهدات بلاده لحلفها الاستراتيجي مع دمشق، وتوابع ذلك من حزب الله وحركات الجهاد وحماس والجبهة الشعبية. ولكن يبدو أن الأحداث تفرض نفسها عليه وعلى حكومته.

وكل مَنْ يراقب أداء الحكومة «الروحانية» منذ شهر وأسبوعين، وبالتحديد منذ استعار «نية ضرب سورية»، أن مواقف حكومة روحاني متوزَّعة على عددٍ من المكاييل، فتُعطِي هنا مُدّاً، وهناك آخر، الأول بِصَاعٍ والآخر بربع صاع، والثالث بنصفٍ وهكذا دواليك، كلما اقتضت حاجة «المواءمة» وليس الموقف منها. وقد ظَهَرَت هذه المواقف بالتحديد، مع الولايات المتحدة الأميركية و»إسرائيل».

وربما حاول النظام في إيران التوفيق في ذلك، عبر إيكال مهمَّة التصعيد المحاكي لِلَهِيب الأزمة السورية، إلى جنرالات الجيش والحرس الثوري. وقد رأينا ذلك في تصريحات الجنرال محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري، ونائب قائد القوة البحرية التابعة للجيش الأميرال غلام رضا خادم بيغم، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال حسن فيروزآبادي وغيرهم من القيادات العسكرية.

ولأن المساعي الدبلوماسية قد عادت إليها الروح خلال الأيام القليلة الماضية، بعد المقترح الروسي بشأن الأسلحة الكيميائية السورية، فإن ذلك قد يكون متنفساً لحكومة حسن روحاني، لكي تحاول أن تبقى أو تقدّم نفسها على أنها «حكومة معتدلة».

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4025 - الجمعة 13 سبتمبر 2013م الموافق 08 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 9:28 ص

      هذا الخبر الرسمي يدل على ان طهران تريد انهاء الملف السوري بأي كلفة

      اكد رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية حسن روحاني في كلمة القاها الجمعة في قمة منظمة شنغهاي للتعاون في بيشكك ان المأساة الانسانية في سوريا قابة للحل من خلال اجراء حوار بين الحكومة والمعارضة

اقرأ ايضاً