العدد 4025 - الجمعة 13 سبتمبر 2013م الموافق 08 ذي القعدة 1434هـ

سورية غنيمة جاهزة وجب اقتناصها

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هناك أنظمة كثيرة في المنطقة تقهر وتضعف شعوبها، ولكنها تعوّض عن هذا التغريب بالاختفاء وراء قوى عظمى حامية لها، وفق معادلة تقسيم الغنائم والسير في الركاب. إما أن يلبس نظام شمولي قبعةً لاستعداء الداخل، وأخرى لاستعداء الخارج، فقد أثبتت التجارب أن مثل هذا الوضع لا يستقيم .

المتتبع لمسلسل خطط الإجهاض على سورية يخرج باستنتاج مفاده أن القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية أصبحت كحيوان الهايينا الذي يقف متربصاً لاقتناص فريسته بعد أن أعياها التعب فحان اقتناصها.

هناك أسباب كثيرة تدعونا للخروج بهذا الاستنتاج، وذلك باستعراض عدة زوايا نوردها كما يلي:

إن خطة إرهاق الفريسة التي تم وضعها منذ أمد طويل، تكاد أن تكتمل الآن بعد أن فشلت جهود الاحتواء التي جرّبها القريب والبعيد. ومن العوامل التي شجّعت على إطلاق صفارة المرحلة الأولى من خطة الاجهاض هو ضعف جهاز الحكم المركزي في سوررية، الناتج عن سياسة القبضة الحديدية لمؤسسة الحزب الواحد والتي بدورها أسّست لدولة الفساد وامتيازات الصفوة، ما أفقدها تعاطف أغلبية الناس.

فالعوز شجّع على فساد واهتراء الأجهزة التنفيذية للدولة، ما سهّل على المتربصين مهمة اختراق مختلف الأجهزة المدنية والأمنية، فاخترقوا الحدود وهيمنوا على الأرياف والمدن، وصولاً إلى متاخم العاصمة دمشق، وكأن النظام قد غطّ في نوم عميق.

قد يبرّر البعض ما حدث باتساع رقعة الحدود مع دول الجوار. ولو صدق هذا التبرير لأصبحت حدود معظم الدول الكبيرة بلا بوابة تحرسها. إن معرفة الدول المتربصة باهتراء النظام من داخله هو الذي شجّعها على التفكير الجدي ببدء المرحلة الثانية من خطة تقويض النظام الهادفة إلى إدخال الدولة السورية في بيت الطاعة الذي تم تشييده لدول المنطقة. فوجود قوات كبيرة على الأرض توفّر لها قوى خارجية احتياجات التدريب والتسليح يجعل من القصف الجوي خير وسيلة لتمهيد الأرض لعملية زحف العناصر الحليفة إلى قلب العاصمة.

ومقارنةً بغزو العراق، فقد كان الثمن هناك كبيراً ومغرياً ومبرراً. فعلاوة على إخراجه من دائرة الصراع في الشرق الأوسط وتكسير أجنحته، فإن ثروة العراق والمكافأة التي دفعها حلفاء المنطقة هي أيضاً تستحق المغامرة. فالهايينا في مجالس إدارات الشركات الكبرى خصوصاً تلك العاملة منها في المنطقة، واللوبيات التي تعمل لحسابها وحساب من يدفع أكثر من دول المنطقة، وأعضاء السلطات التنفيذية والتشريعية جميعها، عملت للفوز بمكافأة نهب ثروة العراق. وهذه الحوافز المغرية قد تم تغليفها بمبررات ميكافيلية سرعان ما انكشف أمرها بعد انقشاع غبار المعركة. فثروة المنطقة والعراق قد صودرت، وكذلك آثاره التي لم تسلم من طمع الغزاة، وقد تكشفت هذه الحقائق على ألسنة رجال المخابرات الأميركية أنفسهم من أمثال روبرت ستيل. فمغانم فتح العراق لم تذهب للشعب الأميركي بل إلى شركات كبرى من أمثال لوكهيد مارتن وجرومن وكارلايل وهليبرن، والتي يتمتع ساسة البيض الأبيض من أمثال عائلة بوش وديك شيني وفرانك كلوشي وكبار المسئولين في البنتاغون و»سي آي ايه» بنصيب كبير فيها. وهذا ما يفسّر لنا قيام وزير الخارجية الأميركي جون كيري بتبرير خطة فتح سورية أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ على أساس أن الثمن لهذه الغزوة مدفوعٌ من قبل بعض دول المنطقة، وكأن الجيش الأميركي شركة استثمارية تعمل لصالح من يستأجرها.

إن المشهد السوري هو الآن مطابقٌ للمشهد العراقي من حيث المبررات والغايات. فخروج سورية من دائرة الصراع، ثم دفع ثمن الخروج هذا من قبل دول المنطقة، هو الهدف الذي وضعه ساسة وهايينا أميركا التي أفصح رئيسها عن فطنة وذكاء بسعيه لحشد دعم قرار الغزو من ممثلي الشعب الذين ينتظرون المكافآت مثل بقية الهايينا، في حين لن يحصد الشعب الأميركي من قرار ممثليه أية منافع سوى أشلاء الضحايا من أبناء الشعب الأميركي.

وبالنسبة للحالة السورية أيضاً، فإن هيكلة النظام وسياساته تتشابه إلى حد ما مع هيكلة وسياسات النظام البعثي السابق في العراق، وذلك من حيث استعداء الداخل والخارج على حد سواء. فمثل هذه الأنظمة الشمولية تتوهم بأن تبنيها لشعارات قومية مهما كانت مشروعيتها، كفيلٌ بتعويض شعوبها عن ما تتعرض له من تهميش اقتصادي وقهر سياسي، متناسيةً هذه الأنظمة أن تغريب شعوبها هو خير هدية تقدّمها لمناوئيها.

هناك أنظمة كثيرة في المنطقة تقهر وتضعف شعوبها، ولكنها تعوّض عن هذا التغريب بالاختفاء وراء قوى عظمى حامية لها، وفق معادلة تقسيم الغنائم والسير في الركاب. إما أن يلبس نظام شمولي قبعةً لاستعداء الداخل، وأخرى لاستعداء الخارج، فقد أثبتت التجارب أن مثل هذا الوضع لا يستقيم.

لقد صمد النظام السوري حتى الآن ونجح في صد وإفشال الجزء الأول من خطة الاقتناص بفضل آليته العسكرية من جانب، وبفضل تحالفات مع دول إقليمية وأخرى عالمية من جانب آخر. أما الآن فإن صد وإفشال الجزء الثاني من خطة الاقتناص أصبح لا يعتمد بشكل كبير على قوته العسكرية وحدها وذلك قياساً بالقوة العسكرية الهائلة للدول الطامعة. إنما يعتمد بشكل حاسم وجازم على مدى التزام حلفائه الإقليميين والدوليين بتحمل تبعات نصرته والدفاع عنه، وكذلك مدى استعداد القوى المهيمنة في الولايات المتحدة الأميركية للتضحية بأمن واستقرار المنطقة وتعريض الحليف الاسرائيلي لأذى محتمل في حالة اشتراك قوى إقليمية أخرى في هذه المعركة المفصلية التي يرى الطرفان في نتائجها حسماً نهائياً لمستقبل الوضع في المنطقة.

والاستنتاج الآخر لأم المعارك المقبلة، إن وضعت الحرب أوزارها، هو أن نشر الديمقراطية ودموع التماسيح المذروفة على الشعب السوري هي أحد مبررات المرحلة الثانية من خطة الاقتناص. فالغرب الذي عرف بتحالفاته مع أنظمة شمولية كثيرة هو الحاضن الحقيقي للقوى المناوئة التي أوكلت لها مهمة تنفيذ المرحلة الأولى من خطة الاقتناص. وقد سبق للغرب أن كرّر نفس التجربة في أماكن أخرى، وهو الآن يكرّر التجربة ذاتها بغض النظر عن تبعاتها، فالثمن يبدو مغرياً من جميع جوانبه. وسيكون دافعو الثمن الباهض هذه المرة أيضاً أجيال من شعوب هذه المنطقة، سواءً جاء هذا الثمن على شكل رهن لما تبقى من ثرواتها للأجنبي، أو تقويض لبنى تحتية استغرق بناؤها ثروات كبيرة وسنوات عدة، أو دماء بريئة تسيل على أرض بعيدة عن تخوم القوى الحاكمة في الدول الغربية.

هذه إذاً هي الطريقة الغربية المثلى لإنقاذ شعب سورية من آلة قتل ساهم الغرب ذاته في صنعها. إنها حقاً لعبة أمم قبلنا نحن أن نكون الدمى فيها، وهكذا تبقى سياسة تغريب الشعوب من قبل حكّامها أفضل وسيلةٍ لتبرير التدخلات والفتوحات الخارجية.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 4025 - الجمعة 13 سبتمبر 2013م الموافق 08 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً