العدد 4035 - الإثنين 23 سبتمبر 2013م الموافق 18 ذي القعدة 1434هـ

مسجد الخميس... ذاكرة تحت طائلة السطو

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

خلال الايام القليلة الماضية كثر الحديث عن مسجد الخميس أو «المشهد ذي المنارتين»، وراحت بعض الاقلام التي تتعامل مع حقائق التاريخ من منطلق المغالبة السياسية تروج لبعض المغالطات التاريخية ساعيةً الى استبدال ذاكرة بأخرى «جديدة كلياً»، بحثاً عن أدلة لجذور أعمق في تربة لا تملك عليه تاريخاً عريقاً ولا ماضياً بعيداً.

مناسبة هذا الجدل الناشئ حول هذا المعلم العريق، تصريح لرئيس الأوقاف الجعفرية الشيخ محسن العصفور، بشأن رفع الأذان قريباً في مسجد الخميس والصلاة فيه، تلاه تصريح لوزيرة الثقافة ردّت فيه على التصريح السابق، بأنّ الحفاظ على المكونات التاريخية والإنسانية لمسجد الخميس، لن يتضمن إحياء «الطقوس الدينية» من قلب المكان الأثري.

مسجد الخميس أبرز المعالم التاريخية الشهيرة في البحرين، وتاريخ بنائه قديم، وهو لم يشيّد في فترة واحدة بل على فترات، وقد تغيرت أدواره عبر التاريخ، ففي فترة من الفترات بني ليكون مركزاً دينياً وسياسياً حيث انطلقت منه ثورة ضد القرامطة لم تهدأ إلا بزوالهم من البحرين. ثم تمر السنوات ويعاد بناء المسجد ليتحول بعدها لما يشبه مقر حكم ومدرسة تعليمية تزايدت أهميته على الخصوص في فترة الدولة العيونية.

الحي الذي يوجد فيه هذا المسجد يعرف باسم الخميس نسبة الى السوق التي كانت تقام هناك كل خميس حتى عهد ليس ببعيد، ومن خلال المراجع والنقوشات التي عثر عليها في مسجد الخميس فإنه لا يعلم لهذا المسجد قبل العام 1582م أي اسم. وفي عام 1582م أشير للمسجد في احد النقوشات باسم «المشهد الشريف ذي المنارتين» وذكر في مخطوط ابي البحر الخطي (ت 1618م) باسم «المشهد ذي المنارتين» وحتى المؤرخ النبهاني أشار له في بداية القرن العشرين باسم «المشهد» وعرف ايضا بالمسجد ذي المنارتين، ومما لاشك فيه أن اسم «مشهد» له دلالات تاريخية مهمة لمن يقرأ التاريخ بعينين مفتوحتين وعقل منصف.

وقد ورد ذكر المسجد في العديد من المصادر التاريخية، لكن أول من صرح بوجود جامع آهل في جزيرة اوال هو الادريسي (ت 1233م) في كتابه (نزهة المشتاق في اختراق الافاق) أما ثاني أقدم ذكر له فقد ورد في مخطوط ديوان ابن مقرب العيوني (ت 1233م) حيث ذكر في أكثر من موضع باسم «المشهد ذي المنارتين».

كما ذكر المسجد في تقارير الرحالة والمستكشفين الذين زاروا البحرين في أوائل القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، منهم (ثيودرت بنت) الذي أعطى في العام 1889م وصفاً للمسجد بقوله: «يمثل هذا المسجد معلماً للسفن التي تقترب من السواحل المنخفضة لهذه الجزر. وعلى جدران المسجد تمتد نقوش جميلة كتبت بخط كوفي واضح ومن حقيقة اقتران اسم (الإمام) علي باسم النبي يمكننا استنتاج أنه مسجد شيعي ربما بني في إحدى فترات السيطرة الفارسية». واللافت أن عبدالرحمن مسامح في ترجمته لتقرير بنت التي نشرها عام 2001 في البحرين الثقافية يطمس حقيقة هوية المسجد الشيعية!وفي عام 1914 وصل الشيخ النبهاني الى البحرين وزار البلاد القديم فوصف «أطلال المشهد» لكنه قال انه عجز عن قراءة النقوش الموجودة في المسجد وبعدها ساق استنتاجه الخاطئ «وهذا المسجد والمدرسة مع المنارتين الجميع من بناء عمر بن عبدالعزيز الأموي»! وهو كلام عاري عن الصحة وقد رد على هذا الزعم ناصر الخيري (ت 1925م) فقال في (قلائد النحرين): «وأشهرها المشهد الشريف ذو المنارتين المبني في عصر الوزير الشهير محمود في سنة 740هـ (1339م) وقد ذهب بعضهم (أي النبهاني) الى انه مبني زمن عمر بن عبدالعزيز فذاك زعم باطل لا دليل عليه ولا برهان وتاريخ بناء هذا المشهد صريح منقوش على صخرة كبيرة بأحرف واضحة على واجهة المحراب الداخلي ولاتزال باقية حيث هي لم تمس بسوء».

أما النقوشات التي زعم النبهاني أنه عجر عن قراءتها توثق بناء كل جزء من أجزاء المسجد بالتواريخ وأسماء البناة والمرممين وتعكس بجلاء هوية المسجد المذهبية بما فيها نقش أسماء الأئمة الاثني عشر على «حجر الائمة» الذي يتضمن ستة سطور بالخط الكوفي المورق مبني على قاعدة المئذنة الغربية وهي حقائق يريد البعض عبثاً تزييفها.

باحث متخصص آخر زار المسجد في نفس العام 1914 وهو (إيرنست دياز) بدافع الفضول العلمي وقام بالتقاط صور للمسجد وللنقوشات الموجودة فيه وعدّ البحث الذي كتبه مرجعا اساسيا يرجع اليه الباحثون في الكشف عن تاريخ المسجد ويكفي عنوان بحث دياز الذي كتبه بالالمانية لمعرفة هوية المسجد، وعنوانه: Ernst Diez (1925) “Eine Schiitische moscheeruine auf der, insel Bahrain” in Jahrbuch der Asiatischen Kunst, t. II وترجمة العنوان «أطلال مسجد شيعي في جزيرة البحرين».

وقد جاء في ديوان أبوالبحر الخطي تعقيباً على قصيدة رثى فيها شيخ الإسلام عبدالرؤوف بن حسين الموسوي ما نصه: «ثم قرئت العهود والتقليدات المقررة من قبل هرموز بتقليد القضاء ابنه الشريف أبا عبدالله جعفر (قدس سره) وولاية الأوقاف، وفوضت إليه الأمور الحسبية، وأفرغت عليه الخلع من الديوان، وذلك بالمشهد ذي المنارتين من أوال بالبحرين ثالث عشر شهر صفر للسنة السادسة بعد الالف». أي قبل نحو 420 عاما!

ما يجري الآن هو محاولة دؤوبة لتزييف الحقائق وخلق «إرشيف مزور» عن تاريخ البحرين الحقيقي الذي تحكيه شواهد القبور والساجات منذ مئات السنين، وترويه ذاكرة الأجداد وتحتفظ بجزء قليل منه الكتب والمصنفات العلمية التي رصدت أوجه المحنة وقصّت جزءا يسيرا من الحكاية.

إن مشهد الخميس كان الجامع الرئيس في عصر إنشائه حتى العصور المتأخرة، ومن العلماء الذين أقاموا الجمعة فيه الشيخ سليمان بن الشيخ عبدالله بن الشيخ حسين العصفور (ت بعد 1855م) من أعلام القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي. وكان آخر من أقام الجمعة فيه الشيخ محمد بن محمد العصفور (ت 1871م) الذي توفي قبل أن يعين الشيخ قاسم المهزع (ت 1941) قاضياً لمدينة المنامة بسنتين.

عندما يتم تجاهل مئات الشواهد والنقوش الأثرية والتاريخية بما فيها سجل السيدعدنان الموسوي التي لاتزال شاهدة على هوية هذا المعلم العريق، ويتم اللجوء الى «وقفيات» نخيل في منطقة البلاد القديم والبرهامة أوقفت لصالح المسجد بدافع التسامح المذهبي الذي كانت البحرين تعيشه في عصرها الزاهي تلك (قدم وثائقها الشيخ المهزع للوقف السني)؛ فإننا في نكبة وتقهقر اجتماعي مخزي، وسائل الصراع فيه وأدواته تتعدى تصفية الخصم اليوم بمنطق المغالبة السياسية وبوحي من مؤثراتها، بل تتعقب تاريخه بهدف التصفية والمحو.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4035 - الإثنين 23 سبتمبر 2013م الموافق 18 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 17 | 8:06 ص

      لا اعلم

      حسب ما رأيت الوزيرة لم تطالب ان يكون المسجد سني لنثبت انه شيعي .. الضجة الأخيرة هي ان الوزيرة تريده محل اثري فقط .. وهذا موضوع بعيد عن شيعي وسني .. الحديث يجيب ان يكون عن الرأي في تحويل مسجد لمحل اثري فقط لا أكثر .. والمعلومات القيمة التي تم ذكرها ممتازة وتشكر عليها .

    • زائر 16 | 7:20 ص

      عقليه تبن

      اي مصدر يخالف توجهاتك تقول عنه باطل .. صج تخلف .. عليك ان تفند المصادر بالحجه لا ان تخالغها بالعقليه المنغلقه

    • زائر 15 | 3:18 ص

      المساجد لله ولكل شعب البحرين الطيب

      هو الآن ومنذ عشرات السنين اصبح اثر تاريخي كان مهملا والآن وضعت له خطة تجديدية تراثية من قبل وزيره الثقافة ولو كانت له اهميه دينيه لتواصلت إقامة الشعائر بين ربوعه وتاريخيا الوثائق والنقوش والتواريخ عليها هي من تثبت تفاصيل بناءه وهذا ليس بصعب على المتخصصين وليس على أقوال فلان أو أقوال مرسله لا سند لها حتى ولو كانت قديمه ومن اثبت تاريخ الفراعنة واهراماتهم لا يعجزه ذلك على أن يكون متجردا من الأنانية الطائفية

    • زائر 14 | 2:55 ص

      مغالطات

      أنت تقول ان المسجد اخذ مراكز ( ثورة ضد القرامطة لم تهدأ إلا بزوالهم من البحرين ) هذا الكلام غير صحيح لأن القرامطة لم يحكموا جزيرة أوال وليس البحرين التي هي إمتداد شرقي الجزيرة العربية والقرامطة تم القضاء عليهم بهجمات البدو والإعراب ثم لماذا المسجد مشيد بمنارتين وليس منارة واحدة ثم لماذا تثيرك وتستفزك بواطنك وانا كنت اضنك علماني فالأطلال تحفر في بواطنك هل تعلم انه لا احد يملك الحقيقة فمادام هناك خلاف حول معلماً تاريخي يبقى محل شك لا تشغل نفسك بأمور لا تفيد فأنت صاحب قلم مقروء / سندارة

    • زائر 13 | 2:53 ص

      مواطنة أصلية لا ترفض غير الأصلي المنصف

      مقال قوي جدا، موضوعي منطقي موثق، سلمت أنامل خطته فقط عندي ملاحظة على بعض الأخطاء الإملائية: مثلا: مخز و ليس : مخزي

    • زائر 12 | 2:47 ص

      المشكلة في الطائفيين

      هم من يؤجج تلك الفتن وهم اشخاص معروفون بالأسم والعنوان ، والا لماذا تراهم ساكتين نائمين وما ان يقوم الطرف الآخر بعمل شيء من صميم تاريخهم الا وثارت ثائرتهم ( الطائفيين ) ؟ خاصة ممن جاؤنا ( سباحة ) او ممن جاؤو لافين من بلاد شتى ، يريدون طمس هوية الشعب الأصلية ، ولكن هيهات ذلك واقول لهم نحن صغارنا قبل كبارنا نعلمهم تاريخ البحرين الحقيق الذي لا يعلمه الآتي من بعيد ولدينا ابائنا واجدادنا والكتب التاريخية ، خاصة هذه الأيام وبعد الهجمة الشرسة علينا بتنا اكثر حاجة لأعادة قراءتها وتعليمها لأولادنا .

    • زائر 11 | 2:41 ص

      حكاية

      التاريخ ان حكى انما يعي ذووا الاباب البصيرة

    • زائر 10 | 2:41 ص

      ولماذا الآن

      أيدت من تريد من المؤرخين وتركت الباقي علي هواك ،، ولماذا الآن الكلام عن هذا المسجد ،، ولماذا هذه النبره الآن ،، هذا المسجد اصبح للتاريخ وليس للصلاة ،، وهل نحن في قصور في المساجد حتي يأتي هذا الكلام الآن .... المساجد لله وليس للسنه والشيعة

    • زائر 9 | 2:40 ص

      مللكة العيونيون الدستورية وتاريخ أوال القديم في بلاد قديم وقدم المهدي عجل الله فرجه

      يقال من منقوشات عثر عليها في مدرسة أو بو زيدان أو مشهد أبوزيدان لا إله إلا الله محمد رسول الله وعلي ولي الله. يعني حتى تاريخ البحرين القديم مسلوب ومنهوب ومكسور خاطر أهلها. قد تكون الصخور قد أخفيت أو صودرة أو نهبت كما سلب الذهب من القبور الذي يدعي الأمريكيون أن ما وجدوه عند صدام حسين ليس ذهبا بحرينيا أصيلاً. هنا النهابة قد عادوا وبعثروا ما في القبور من عظام لناس الله رحمهم بس من المكتشفين ما فيهم رحمه حتى على الميتين. اليس كذلك؟

    • زائر 8 | 2:26 ص

      مدرسة الخمسة أهل الكساء وقربها الى مقبرة أبو عمبرة وعين أو نبع عين أبو زيدان

      هذه من المدارس الأولى التي بناها وجددها آل بيت محمد صلوات الله وسلامه عليهم وهذا ليس بسر. فالنقوش في الصخور المعثور عليها تشهد بذلك كما وفرة الأعلام والعلماء الأجلاء في هذا البلد الموالي أكثر شعبه الى آل البت لهو برهان أكيد ولا مناص ولا ريب فيه. ومن علماء هذا البلد الشيخ ميثم والعلامة العدناني سيد محمد صالح والسيد هاشم التوبلاني والشيخ حسين وشيخ عزيز وغيرهم من من قتلوا على يد عباسيين أو أمويين والقرامطة بعدهم. فهل المبنى مشهد أو مقبره ففيه قبور وصيوان وليوان وبهو كذلك. اليست من التراث العالمي

    • زائر 7 | 1:13 ص

      و ليكن

      ليكن انه مسجد سني في الاصل فمسجد الكوفة و الكثير من المساجد الشيعية التاريخية في الاصل سنية و هاهي يرتفع فيها الاذان الشيعي و اي سني يريد ان يصلي فليصلي

    • زائر 19 زائر 7 | 1:58 م

      الشيعة

      لماذا لا يصلى اى شيعى فى مساجد السنة هل ايام الرسول كان فى مساجد لسنة و اخرى لشيعة وكلام ان مسجد الخميس مسجد شيعى كلام فارغ انا درست فى المدارس البحرين من صف الابتدائى و ندرى ان بناه عمر بن عبدالعيزيز يعنى درسونه غلط ولا يبون تحتلون المسجد الاثرى بخرافاتكم

    • زائر 6 | 1:08 ص

      مهتم

      اخواني الاعزاء . هذا المسجد مسجد يجب أن يذكر فيه اسم الله . دعونا من الاختلاف كيف يكون الاذان .

    • زائر 5 | 12:28 ص

      الوضوح واضح 2

      .. البقية ..وقد انتقده الخطيب الملا محمد جعفر العرب على فعلته هذه ( اي الفنان ) انتقده في مجلة المواقف .. ولم يكن الناس يعلمون غن من ابناء البحرين سياتي جيل سيطمس الحقائق بهذا الشكل السافر ... وشكرا لكاتب المقال على تنويره للقراء لهذه الافتراءات التي ظهرت لنا في هذا الزمن المنكوب .

    • زائر 4 | 12:27 ص

      الوضوح واضح

      مسجد الخميس من المساجد القديمة التي يعرف الجميع من كان يصلي فيها من ابناء البلاد والمصلى وطشان ... وانني في في صغر سني حضرت مع والدي بالقرب منه ... تقريبا عام 1966 او 1967 ورايت (القهوة) التي يتبيع الشاى على الزبائن .. واتذكر اننا حضرنا وقت صلاة الظهر فكان الناس يخرجون من المسجد بعد الصلاة وكلهم من البحارنه .. ..وعلى ما نقل لي احد الاخوة انه في العام 1975 م حاول احد الفنانيين الذي طلب منه تعديل الترميم قام بالتوطئ مع وزارة الاعلام بحذف عبارة أشهد ان علي ولي الله . بقية

    • زائر 3 | 11:17 م

      نعم

      بارك الله فيك وجعلك من عمار المساجد

    • زائر 1 | 10:23 م

      موضوع يستحق الاهتمام والجدية ...

      هناك ايادي خبيثة تحاول تغير حقائق التاريخ بما يتناسب وثوبها السياسي المهترأ ... ولكن كل هذا الزيف اصبح اليوم غير مجدي و المواطن البحريني اصبح واعي بقدر كبير لكل المؤامرات لتدمير تاريخه العريق الشامخ ....

اقرأ ايضاً